يحدث أحياناً أن يأتي الإبداع من حيث لا نحتسب، وهذا ما ينطبق على المخرج والمؤلف الشاب عمرو جمال، الذي ترك الهندسة بعد تخرجه ليؤسس مع زملائه(فرقة خليج عدن الشبابية) المسرحية । بدأ مع المسرح حين فاز بجائزة رئيس الجمهورية للنص المسرحي في 2002 ، بعدها أخرج وألف عدداً من المسرحيِّات منها "حلا حلا يستاهل" ،وبشرى سارة ، وأيضاً، "عائلة.com"التي عرضت مؤخراً في المركز الثقافي بصنعاء 19-24 أبريل.
تدور وقائع المسرحية في إحدى بيوت عدن، ويظهر ذلك من خلال التزام الممثلين باللهجة العدنية الخالصة، وتحكي قصة جيلين لا يتقاطعان في المعتقدات والأفكار . مما يؤدي إلى صراع وجود يستخدم فيه كل جيل وسيلته في الحفاظ على ما يؤمن به محاولاً تغيير الآخر ، أو الابتعاد عنه. ويجعل المؤلف، من جهاز "الكمبيوتر" مادة تمثل جيل الأبناء، ومن "المكتبة" مادة تمثل جيل الآباء.
في المشهد الأول، يعرِّفنا الراوي ( أب العائلة) على أفراد عائلته. ويضيف إلى أفراد العائلة، جهاز الكمبيوتر الذي يلخص الاختلاف ويكون سبباً رئيسياً في الصراع الذي يدور طوال المسرحية.حيث يحاول أب العائلة أن يفرض رقابة على استخدام الكمبيوتر من قبل أولاده، وهو ما يجعل الأبناء يعترضون على التدخل في خصوصياتهم، ويعتبرون ذلك التصرف من والدهم عدم ثقة بهم. يأخذنا المخرج أولاً من خلال بطله إلى ما حدث من قبل ليقول لنا كيف توصل إلى قناعة كانت غائبة عنه، فقد اكتشف أهمية وجود حوار بينه كجيل، وبين أبنائه كجيل مختلف في زمن مختلف. فتبدأ المسرحية من النهاية إلى البداية.
استطاع المؤلف أن يحمِّل المسرحية الكثير من الحيوية في الأداء ، ليجعل الناظر يتعمق في ما يطرحه ويستوعب وجهة نظره في المواقف التي يؤمن بها،ويحاول إيصالها .تطرقت المسرحية في إطارها الكوميدي ، إلى قضايا وأفكار نقلها وعالجها المؤلف بطريقة تبدو عادية لكنها أكثر تأثيراً مما نعتقد. تحدث عن المعلِّم الفاسد / عن الوحدة باعتبارها حق يجب الحفاظ عليه "باعلِّم أولادي التمسك بالوحدة باعتبارها حق"/ عن فكرة التغيير التي لا تبدأ إلا من الداخل / عن الإعلام الفاسد"جيل هيفاء وهبي " /عن العجز وتداعياته التي تؤدي إلى إلقاء اللوم على الآخرين/ عن أهمية تقبُّل الآخر / عن تقاسم الأدوار بعيداً عن نفي الآخر / وعن أهمية حوار الآباء مع أبنائهم وفهمهم"لازم ندخل لعقول أبناءنا". وكل هذه الأفكار و القضايا، سُمِّيت بمسمياتها ووضعت في أماكنها الصحيحة، بعيداً عن تغيير المفاهيم والقيم الذي يحدث الآن في مجتمعنا اليمني.
وقد اعتمد المخرج على شخصيات المسرحية حتى التي الثانوية منها، فلا يبدو للناظر أنَّ هناك مشهدا ما يمكن الاستغناء عنه، أو دورا لم يكن موفقاً. فكل الشخصيات مهمة. وهو ما يجعلنا نشعر مع الشخصيات بالدفء والحميمية حتى النهاية.
المسرحية تحتمل تأويلات لا نهائية يفسرها كل حسب خلفيته الثقافية وهو ما يجعل منها مسرحية بشروط التميز، فلم يقف سن مؤلف المسرحية الذي لا يتجاوز 25 سنة عائقا أمام تميُّزه، ولا سن الممثلين الشباب عائقاً أما قدرتهم على أداء المسرحية وإيصال كل المشاعر، والأحاسيس التي حملتها في كل فصولها.
وإذا ما انتهينا كما فعل المؤلف بالبداية وعُدنا إلى عنوان المسرحية(عائلة.com) والذي ربما اختاره المؤلف بطريقة عادية عفوية. فالنقطة التي تفصل بين كلمة عائلة، وكلمة comالإنجليزية. هي نفسها النقطة التي بحث عنها المؤلف طوال أحداث المسرحية، قائلاً: بإمكاننا أن نجعل من نقاط الاختلاف التي نعتقدها نقاط اتفاق إذا ما تفهمنا الآخر وقبلناه. وهو ما يمكن أن يقاس على عائلة صغيرة، أو على وطن كبير.