الثلاثاء، أغسطس 12، 2008

درويش


أعترف بأن محبتي لك كانت تتأرجح بين خافتة، ومتوهجة. لكنها لم تنطفئ يوماً. منذ الصغر، كنت أسمع بك تملأ الشعر، واللغة، لكنني كنت أترك قراءتك للآخرين. كعادتي أنحاز للذين لا يُــقرؤون/. رغم كل شيء قرأت لك "لماذا تركت الحصان وحيداً" "كزهر اللوز أو أبعد"، "حصار لمدائح البحر"، "أحد عشر كوكباً"، أذكر أني اشتريت كتابك"يوميات الحزن العادي" من المكتبة اللبنانية المصرية بالقاهرة.


كنت تنتشر أكثر مناً في البيوت، والشوارع، والأزمنة. في أفئدة الشهداء، والمرضى، والسياسيين. في أجنحة العصافير، في الفضاء. في السماء. في الأفران، والمقاهي.
كنت تكتبنا أينما نذهب. حتى في العدم. لك أن ترتاح الآن، من نميمتنا، من حبنا وكرهنا، من اختلافنا. من إلحاحنا بالحاجة لمن يقف أمامنا، لنضيء. ولنا أن نظل قلقين في شعرك، في تبريرات الخلد. في وجهك وصوتك، ونهايات النهايات. لكن أن ترتاح الآن، من ما يسمى نحن، ونبقى "نحن" نعترف كم كنتَ حزينا لأجلنا ولأجلك.

يحبّونني ميتاً

يُحبُّونَني مَيِّتاً لِيَقُولُوا : لَقَدْ كَان مِنَّا , وَكَانَ لَنَا .
سَمِعْتُ الخُطَى ذَاتَهَا , مُنْذُ عِشرينَ عَاماً تدقُّ عَلَى حَائِطِ اللَّيْلِ .
تَأتِي وَلاَ تَفْتَحُ البَابَ .
لَكِنَّهَا تَدْخُلُ الآن .
يَخْرُجُ مِنْهَا الثَّلاَثَةُ : شَاعِرٌ , قَاتِلٌ , قَارئٌ .
أَلاَ تَشْرَبُونَ نَبِيذاً ؟ سَأَلْتُ , سَنَشْرَبُ .
قَاُلوا . مَتَى تُطْلِقُونَ الرَّصاصَ عَلَيَّ ؟ سَأَلْتُ .
أجابوا : تَمَهَّلْ ! وَصفُّوا الكُؤُوسَ وَرَاحُوا يُغَنُّونَ لِلشَّعْبِ , قُلْتُ : مَتَى تَبْدَءونَ اغْتِيَالي ؟
فَقَالُوا : ابْتَدَأنَا ... لمَاذَا بَعَثْتَ إلَى الرُّوحِ أَحْذِيَةً! كَيْ تَسيِرَ عَلَى الأَرْضِ , قُلْتُ .
فَقَالُوا : لِمَاذَا كَتَبْتَ القَصيِدَةَ بَيْضَاءَ والأَرْضُ سَوْدَاءُ جِدَّاً .
أَجَبْتُ : لأَنَّ ثَلاَثِينَ بَحْراًُ تَصُبُّ بِقَلْبِي .
فَقَالوا : لِمَاذا تُحُبُّ النَّبِيذَ الفَرَنْسِيّ ؟
قُلْتُ : لأَنِّي جَدِيرٌ بأَجْمَل امْرأَةٍ .
كَيْفَ تَطْلُبُ مَوْتَكَ ؟
أَزْرَق مِثْل نُجُومٍ تَسِيلُ مِنَ السَّقْف – هَلْ تَطْلُبُونَ المَزِيدَ مِنَ الخَمْر ؟
قَالوا : سَنَشْرَبُ .
قُلْتُ : سَأَسْأَلُكُمْ أَنْ تَكُونُوا بَطِئِين , أَنْ تَقْتُلُوني رُوَيْداً رُوَيْداً لأَكْتُبَ شعْراً ...