السبت، أبريل 25، 2009

حوار مع الكاتب المفكر عبد الباري طاهر


في بداية حواري مع الكاتب والمفكر أ.عبد الباري طاهر سألته كيف تقضي يومك ليجيب على سؤال آخر: ما الأداء الذي يقف وراء وصوله إلى هذا القدر من النجاحْ على المستوى الشخصي أولاً والمهني ثانياً. بين الساعة الخامسة والسادسة صباحاً يكون الرجل قد استيقظ. يعد الإفطار مبكراً وعند الثامنة يكون قد خرج لينشط مع منظمات المجتمع المدني. وإذا لم يجد أي التزامات يقضي فترة الصباح في القراءة والكتابة والمراجعة. أما مساءً، فهو المدير التنفيذي لأهم مؤسسة ثقافية يمنية "العفيف"، وهو يعتقد أنها تمثل عملا حيويا في مجتمعنا اليمني. في الحوار أيضاً يتحدث عن تصوراته لما يجب أن ينشغل به المجتمع بكل فئاتهْ، وعن حاجته لبدائلْ مغايرة لما هو قائم. وعنْ أسبابْ جعلت اليمن بلا مفكرين ولا علماء. ويتحدث أيضا عن الصحافة ضعيفة التأثيرْ.

حاوره: محمد الشلفي

ما القضايا التي تشغلك ككاتب ومفكر خلال هذه الفترة؟
يشغلني الهم العام، ترى صعوبات البلد تكبر. تشغلني الأخبار التي نسمعها كل يوم عن قتل واغتيالات واحتراب واختطاف، عن قضايا إرهاب. تشغلني الأزمات التي تحصل في مختلف مناحي الحياة. كما تخاف على بيتك على أهلك على نفسك، تخاف أيضاً على بلدك وعلى مجتمعك وعلى أبناء شعبك. كل هذه القضايا مؤلمة وتقلق وتضغط على الإنسان في التفكير والكتابة.

هل تعتقد أن مثل هذه القضايا هي التي يجب أن تشغل المجتمع بكل فئاته؟
بكل تأكيد، لو هناك تنبه لهذه القضايا وبالأخص من الدولة والأحزاب لتصبح قاسماً مشتركاً بين الناس جميعاً. لكن هذه القضايا هم الحكومة بالقدر التي هي هم المعارضة، وهم مؤسسات المجتمع المدني. حوادث كقتل السواح أُثرها مدمر على اليمن ككل على السياحة وعلى الأمن وعلى السلام وعلى الاستقرار. لأنها تنزع ثقة السواح أو المستثمرين أو رأس المال سواء كان وطنيا أو أجنبيا وتكسبها سمعة البلد غير الآمنة. بالمقابل نلاحظ أن المعالجات ليست بالمستوى المطلوب. معالجات قضايا مثل هذا النوع لا تحتاج فقط إلى السلاح -مع شرعنة حق استخدام السلاح أو جهاز الأمن في المواجهة-. لكن هذي القضايا لابد أن توفر لها شروط كاملة ابتداء من التعليم من التثقيف في المدرسة في المسجد، وداخل الأحزاب داخل منظمات المجتمع المدني. لكن الدولة تتعامل مع هذه القضايا باستهانة شديدة جداً. وتتعامل مع الكلمة أو التظاهرة أو الاحتجاج المدني بأعنف وأقسى مما تتعامل مع هذه القضايا الخطيرة والمدمرة.

منذ التسعينات وبداية 2000 حتى الآن تراجع مستوى التعليم والصحة وغاب الاهتمام بالثقافة... هل تلاحظ ذلك؟
صحيح، كما تكونوا يولَّ عليكم. والدولة هي قدوة الناس والنموذج الذي يقتدى ويحتذى، والدولة تركز تفكيرها على القوة، وتراهن على الجانب العسكري، وعلى جهاز الأمن وتستهين بالعمل المدني. هذا الخلل في التفكير أدى إلى الاستهانة بالخدمات، بالتعليم بدعوة المسجد، بالتربية والتثقيف، بمؤسسات المجتمع المدني والتعامل معها كما لو كانت زائدة دودية. العقلية العسكرية الموجودة في رأس الدولة تنظر بعدم اهتمام شديد جداً بالتربية ابتداء من الحضانة وانتهاء بالجامعة. الآن، لدينا تعليمين: التعليم الأساسي وهو تعليم هش وضعيف بلا مناهج وبلا كادر تعليمي ومشاكله تبدأ ولا تنتهي. ولدينا تعليم آخر: هو التعليم الطائفي والتعليم المذهبي الموجود في جامعة الإيمان والموجود في مأرب والموجود في معبر المنتشر في اليمن في حضرموت في الحديدة في زبيد، وهو موجود في اليمن كلها. هذا التعليم خارج التعليم الأساسي خطر. صحيح من حق الناس أن يبنوا مدارس دينية. مدارس يهودية نصرانية. أي مجتمع من حقه أن يعلم الديانة التي يرتئيها. لكن لا بد من توفير التعليم الأساسي الإلزامي الذي يمر بها الطالب. هذا التعليم المذهبي أدى إلى حرب إلى الآن كامنة يمكن أن تنفجر من جديد. بسبب تلغيم منطقة أمية ومتخلفة بتعليم طائفي. ولا يمكن أن تفصل نشاط الشباب المؤمن في صعدة عن نشاط مقبل هادي الوادعي. وهنا تأتي مسئولية الدولة التي أهملت التعليم العام رسالتها العظيمة ومسؤوليتها القومية والوطنية وانصرفت إلى تشجيع التعليم المذهبي. بإمكانك اللعب في السياسة وأي شيء آخر إلا في التربية الدينية فهي خطيرة وما يصبح جزء من تفكير الناس من ضميرهم من معتقدهم يستحيل التغلب عليه بأي قوة أيا كانت هذه القوة. بلدان كبيرة جداً دمرت بسبب نشاط من هذا النوع فما بالك ببلد ضعيفة وفقيرة محدودة الإمكانات والموارد وتشجع فيها الصراعات المذهبية والطائفية والتعليم المذهبي، وهذا التشجيع يعطي ثماره الكريهة في أكثر من منطقة من اليمن. إلى ماذا تعيد التأثر الملحوظ في سلوك الناس، نظرتهم للقيم والأخلاق، موقفهم المهادن من الفساد..؟الناس وما تعودت. و الكون قائم على مبدأ ثواب وعقاب، على جنة ونار، على خير وشر. إذا ألغيت مبدأ الثواب والعقاب تختل الموازين. فما بالك إذا أثبت المسيء وعاقبت المحسن. أنت تدفع للذي يتمرد على الدولة ويقطع الطريق مالاً وسلاحاً وتخفيه. وتنزل على العرف القبلي بينما تعاقب إنساناً يحتج بكلمة أو ينتقد الفساد، الفساد الموجود في كل مفاصل الحكم: والمواطن قليل الوعي والخبرة أصبح لديه الفساد أمراً اعتيادياً وغير مستغرب. بأي مجتمع من المجتمعات إذا لم يكن هناك عقاب للمفسد، مثلاً: جريمة قتل في وسط جامعة يحتاج إحضار القاتل إلى أشهر وإلى احتجاجات ولا يحضر القاتل. الله يقول: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا". أنت إذا لم تحم النفس لا تحمي النفوس جميعاً. "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". من يخالف القانون لا يعاقب ولا ينظر إليه بل يكافأ. عطلت الدولة القانون فأفسدت المواطن وأفسدت الحياة، وهذا يؤدي إلى كارثة عليه وعليها.

تختلف الأحزاب على الانتخابات الرئاسية، على اللجنة العليا للانتخابات، لكن لانراهم يختلفون على الصحة والتعليم والثقافة... هل تعاني الأحزاب من قصور في فهم أولوياتنا؟
هذا أصدق وأهم سؤال. للأسف الشديد يختلفون على ما يخصهم ولا يختلفون عن قضايا المجتمع. كقضايا التعليم والصحة لا يختلفون على معيشة الناس، على المياه، على الخبز. يهتمون بنصيب كل واحد منهم من القسمة في الحكم. ولا يتبنوا قضايا الناس. ومن هنا جاءت هامشية الدولة والأحزاب وعزلتها. فهم يدورون في قضايا مفرغة ويتصارعون على ما يخص كل حزب من الأحزاب. كان من المستحيل أن تحدث حرب صعدة وتستمر سنوات. ومن المستحيل أن تحدث الاحتجاجات في الجنوب التي لا يعلم إلا الله المدى الذي ستصل إليه. لا يمكن خلق كيان يمني موحد منسجم ومتجانس إلا بدولة تمثل المجتمع بكل ألوان الطيف في الحياة الفكرية الثقافية والسياسة. أيضاً لا أحد منهم يهتم بقضايا الناس ومعيشتهم. يستغرب الواحد كيف يستطيع الجندي أن يعيش بـ 30 ألف ريال. الوضع الاقتصادي غاية في الصعوبة. تجد خطابات أحزابنا وصحفها ومؤتمراتها كلها تتركز حول ما يهمها ولا تتركز حول حقيقة ما يدور في المجتمع. أصبحنا نسمع أشياء في منتهى الندرة ومنتهى الغرابة: اعتداء من ضباط أو جنود من الشرطة على مواطنين. صورة رأيتها في إحدى الصحف. حرق لمواطن من تهامة رفض يبيع بيته للشيخ. والدولة المسؤولة عن حماية الناس هي التي تشترك في جرائم من هذا النوع. أيضاً وإذا لم توجد أحزاب قوية ودولة قوية ومعارضة قوية واحتجاجات قوية تمثل اليمن كلها سيبحث كل إنسان من المناطق عن حله الخاص. الجنوبي يبحث عن حل خاص بالجنوب. صاحب صعدة يبحث عن حل. صاحب الجوف أو تهامة يبحث عن حل خاص. إذا لم تستطع الدولة أن توفر كياناً عادلاً ومنصفاً ويمثل المجتمع اليمني ككل أحلامه ومستقبله كل إنسان إلى منطقه (الجهوي المناطق) وهو موجود ومن السهل إيجاده وهذا الآن المحظور.

قلت في أحد حواراتك إن في اليمن مفكرين لكن ليسوا معروفين لأن اليمن في المحيط العربي معزولة..هل ما قلت هروب من تحميل المفكر ذاته مسئولية عزلته في عالم أصبح قرية؟
اليمن لها وضع خاص. وهي منطقة من البلاد العربية في جنوب غرب آسيا لديها شموس وقاصية كما يقول الشاعر محمد محمود الزبيري. هذه البيئة كانت دائما بعيدة عن مراكز الصراع الكبيرة القاهرة ودمشق. وهذه العزلة كان لها إيجابيات وسلبيات. إيجابيات أنها كان ينشأ فيها حكم ذو طبيعة استقلالية بعيدة عن المركز، وأي إنسان هارب من المركز في بغداد أو مصر و دمشق يجد فيها ملاذا آمناً. أيضا حدث استقلالية في التفكير وانتشر فيها فكر المعتزلة وفكر عقلاني ومستنير بسبب البعد عن المركز. بسبب أن المفكرين والمبدعين والعلماء والكبار أمثال الهمداني، يحيى بن حمزة، الشوكاني، أمثال الصنعاني أمثال المقبلي الجلال، علماء كبار ابن الوزير. وهؤلاء العلماء كانوا يجدون أنفسهم في بيئة معزولة رغم مكانتهم الكبيرة بمستوى عالمي، لكن وجودهم في اليمن يدفنهم. واشتكى من هذه القضية الهمداني والشوكاني وعشرات من العلماء الكبار. اشتكوا منها الآن. انظر مثلاً يحيى بن حمزة، من أفضل علماء المسلمين ولديه كتاب "الطراز في البلاغة" من أهم ما كتب.. أهم بمستوى كبير جداً من كتب انتشرت وأصبحت تتبوأ مكانة في الجامعات العربية والإسلامية، ومع ذلك دفن. كتاب "الانتصار الجامع" لمذاهب وفقهاء الأمصار، موسوعة فقهية من أهم الموسوعات. طبع الكتاب في بيروت ولم تسمح وزارة الثقافة بدخوله إلى اليمن بسبب أوهام وكذب بأنه كتاب شيعي، بينما هو كتاب لأهم مجددي المذهب الزيدي. ومفتوح على جميع المذاهب وليس الأربعة فقط، بل كل مذاهب فقهاء الأمصار متضمناً جهداً عظيماً. لكنه منع في عهد خالد الرويشان.

ماذا عن الحاضر هل ما زالت اليمن ولاَّدة بالمفكرين؟
اليمن فيها إمكانات كبيرة جداً لكنها مطمورة. ولذلك ترى قليل من اليمنيين ذاع صيتهم عربياً ودولياً من ضمنهم الشاعر العظيم عبد الله البردوني، الأستاذ الكبير الشاعر والناقد عبد العزيز المقالح. اليمن لا تهتم بالثقافة ولا بالأدب ولا بالفكر.. مع أن فيها الكثير من المفكرين، مثل أبو بكر السقاف. في أي مستوى عالمي لا يقل أهمية عن مفكرين عالمين يعدون بالأصابع. جعفر الظفاري في جامعة عدن. هذا أعد رسالته للدكتوراه بالانجليزية عن الحميني اليمني 65 ومع ذلك لم يتكلم أحد عن جعفر الظفاري. عنده تفكير مهم وعميق ولديه العديد من الأبحاث الجديدة والهمة ومع ذلك يطمر. واسماعيل الأكوع أيضاً. كتاب هجر العلم ومعاقله من أهم الإصدارات بمستوى كبير وعالمي. هناك الكثير ولكن لا تهتم بهم الدولة. وهم أيضا لا يهتمون بأنفسهم.

مع وجود كل من ذكرت من المفكرين وغيرهم لكننا لا نجدهم يشتغلون بالتأليف مما يجعل منهم مجرد أسماء لم تترك أثراً؟
العالم أو المثقف أو الأديب.. هو في نهاية المطاف إنسان لديه احتياجاته الخاصة، عنده أمنه المعيشي وأمن أسرته. فلما لا يهتم به ينسحق في الحياة. وهم أكثر الناس حساسية وشفافية عندما تطحنه هموم الحياة. كان الآباء يقولون لنا: "لو شغلتنا بصلة ما عرفنا مسألة" فيحتاج إلى رعاية وتوفير بيئة ومناخ وكتاب وكل ما يسهم في أن يتمكن بالفعل من تجديد ثقافته ومعارفه والتواصل مع المحيط القريب والبعيد. وهذا يحتاج لمناخات مختلفة. معلوم أن الفترات التي فيها أمن واستقرار وسلام ازدهر الأدب والحياة الثقافية، والتي يحدث فيها عنف وخوف تؤدي إلى تخلف العلوم. وهذا ما كان يؤكد عليها العالم الجليل السوري، عبد الرحمن الكواكبي يقول: "الاستبداد يخصي العقول ويئد المواهب" والاستبداد هو موجود في المنطقة العربية بشكل كامل وفي اليمن يتفرد لأن اليمن في إمكانات وقدرات لو عبرت عن نفسها ستكون شيء. لكن مع ذلك هذه القسوة في التعامل لاتمكن الناس من التعبير عن أنفسهم بشكل طبيعي وحيوي وفاعلْ.

ماذا عن علماء الاجتماع وعلم النفس و الكمبيوتر وعلماء..يا أخي، أنت ترى جامعة صنعاء الآن يتعامل معها كما لو أنها قسم من أقسام الشرطة أو الأمن. جامعة عدن منارة للتثقيف والعلم توضع تحت رحمة العسكر. هناك هيمنة على الحياة الفكرية والثقافية بروح قبلية وعسكرية لا تمثل شيئاً.

>
ما الذي جعل مؤسسة العفيف مختلفة عن كل المؤسسات الثقافية وتعمل بشكل مؤسسي مستمر؟
{ للأمانة، السر في الشخص نفسه أ. أحمد جابر عفيف. وهو -شفاه الله- صاحب عقل منظم ويميل إلى الانضباط الإداري وإلى العمل الإداري. وهو من البداية وضع بنفسه خطوطاً لعمل مؤسسة، لعمل موسوعة لتنظيم المكتبة، لتنظيم المحاضرات. كنا نعمل معه منذ وقت مبكر فكان أول من يحضر إلى المكتب. وللأمانة يعمل في المؤسسة مجموعة شباب منتظمين منضبطين. ويا أخي، العمل الإداري والمؤسسي ليس عملاً خارقاً للعادة أو إعجازاً. هو عمل بسيط يتوفر فيه شروط معينة تمشي دولاب الحياة. الذي جعلنا نفكر بهذا التفكير أن الدولة نفسها لم تخلق مؤسسة حقيقية. حتى منظمات المجتمع المدني ما استطاعت أن تكون مؤسسات باستثناءات قليلة. في العفيف وضعت الأمور على أساس سليم. وجدت لوائح داخلية أدت إلى انضباط إداري. على مدى الأسبوع المكتبة مفتوحة كل يوم. المحاضرات والندوات أسبوعية لكن غالباً ما نقيم على هامشها أنشطة مختلفة. هناك أيضاً مجلة حولية تصدر. تتضمن أنشطة العام ذات الطابع الثقافي والأدبي والفكري. الموسوعة أيضاً نحن في الطبعة الثانية ونعمل على الطبعة الثالثة وصلت إلى أربع مجلدات. كل هذا تضافر جهود بسيطة ومتواضعة وإمكانات أيضاً محدودة فصنعت مؤسسة بسيطة ومتواضعة تمثل عملاً حيوياً في مجتمعنا اليمني.

على أي أساس يتم وضع البرنامج السنوي للمؤسسة؟
نحن نبدأ العمل على البرنامج السنوي من منتصف العام على برنامج العام القادم.من ثلاث إلى أربع سنوات بدأنا بكتابة رسائل إلى المؤسسات الثقافية. كتبنا إلى الجامعة وإلى وزارة الثقافة، إلى الاتحادات والمؤسسات النقابية المختلفة. وطلبنا منهم أن يرشحوا لنا أو يقدموا تصوراً لمشكلات ويقترحوا أن نتبناها نحن في البرنامج السنوي. للأسف لا نتلقى إلا في ما ندر بعض الردود. وهذا يفيد في نهاية المطاف نعمل لقاءات مع أشخاص ونأخذ بآرائهم حوله من خلالها ونبدأ نتداول، ما هي المشكلات الأقرب لحياة الناس التي من خلالها نعمل برنامج... مثلاً أزمة المياه مثلاً، أمراض منتشرة. مثلاً الأوضاع الاقتصادية، المناهج التربوية. ونستضيف شعراء، أدباء، وكتاب قضايا نظرية، قضايا عامة. ونكون قدر الإمكان هموم ومعاناة قريبة إلى المجتمع.

يبدو من خلال البرنامج ومن خلال ما ذكرت سابقاً أنكم تضطرون لتكريس شخصيات بعينها...يحدث.. وهذا جزء من المعاناة. نحن من الصعب أن نعمل برنامجاً في الثقافة أو الاقتصاد أو التعليم ولا يكون هناك شخصية رسمية. وهذا يعطي على الأقل الوجه الآخر. لكن غالباً الشخصيات المهمة والمسئولون في الدولة يتغيبون. فنجد أنفسنا في "البوك القديم" وهذه مشكلة والملاحظة حولها صحيحة.

في آخر مقالاتك قلت: "لا يقبل اليمني الشمالي بالجنوبي حتى في نقابة الصحافة، ولا يقبل المثقف الواعي بالمرأة في النقابة". من خلال ما قلتْ، هل يتحقق ما كان يخشاه البعض من نقابة هزيلة؟
للأسف الشديد، نحن حتى في المدن لم نتخلص من الروابط القديمة. روابطنا العشائرية الجهوية المناطقية حاضرة. العقل الجمعي عندما يجتمع يكون التفكير الأقرب إليه ابن المنطقة، ابن المذهب السياسي، ابن الحارة.هذه الروابط تؤثر على الإنسان العادي. وأنا لا أعني ضد الجنوب أبداً لكن هذه الروابط تتدخل وتلعب دوراً كبيراً. مثلاً نحن مجموعة من منطقة معينة تجعلنا وقت الانتخاب أكثر تفكيراً أن نرشح بعضنا. وهنا لابد أن يتنبه الناس لأن الجنوب كان دولة. لا بد أن يرتقى حَّسنا.لدى نقابة الصحفيين فرع في حضرموت وفي عدن وفي أبين وليس لهذه الفروع تمثيل في قيادة النقابة، هذا خلل كبير. وللأسف مع حمى الانتخابات لا ينظر الناس للبعد. أيضا تمثيل المرأة. فما حدث أسقط 12 شخصاً امرأة واحدة. بعيداً عن المؤامرة هذا يعود إلى التفكير...
مؤامرة غير مقصودة...
ربما تكون غير مرتب لها لكنها تؤدي نفس النتيجة. الحصيلة أن المرأة تفكر أنها أقصيت بعمل مخطط ضدها وأنهم تحالفوا ضدها.

الانتخابات قبل الأخيرة كانت أكثر شفافية.. هل يعني هذا التراجع أننا نرى أمارات لنقابة هزيلة؟
صحيح. في الأخيرة حدث خلل في النظام الداخلي.. يا أخي التقاء 1200 صحفي في لحظة واحدة يجعل الأمور شتات. لكن في النظام القديم كان كل منطقة تجتمع وتنتخب مندوباً. بهذا المندوب تحدث غربلة. هؤلاء الذين يأتون من أبين و حضرموت وتعز أو الحديدة يمثلون نخبة تستطيع في جو هادئ الاتفاق على نقاط وتناقش مشاكلها. في المؤتمر لم يناقش النظام الأساسي. لم يناقش ميثاق الشرف، لم تناقش الوثائق كاملة. كان الهم كله مركز على الانتخاب. الانتخاب بالحق أو بالباطل طلع بهذي النتيجة. كانت الانتخابات حرة ونزيهة وشفافة والطعن فيها ليس بالأمين.

بما أنك كنت نقيباً للصحفيين وعشت فترات مختلفة في الصحافة البعض يطلق على الصحافة في الفترة الأخيرة تسمية "دكاكين" لا تقدم عملاً صحفيا حقيقياً وما تقدمه هو الأقل، ما رأيك؟
نحن هنا أمام إشكالية عامة. هناك عجز عن بناء مؤسسات دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذا العجز أيضا ينزل إلى مستويات مختلفة. عجز في إنشاء أحزاب مؤسساتية تمارس الحرية والديمقراطية والعمل الجماهيري بمستوى رفيع. هناك عجز أيضا في الصحافة ولأنها تعتمد عملاً فردياً نادراً ما نرى التحقيق فيها، الاستطلاع، النزول إلى الميدان التأكد من الخبر. يعني عمل في نهاية الأسبوع أو قبل الصدور بيومين بثلاثة تجتمع مجموعة ويشتغلوا على الأخبار وعلى إصدار الصحيفة. التسمية "بالدكاكين" آتية من أن إنسان ينظر إلى صحيفته كما لو كانت مورداً. ولذلك تلاحظ أن كل إنسان معه نفسه وأولاده وأسرته ومن يعول ويشتغلوا لصحيفة واحدة. هذا الغالب. بينما لو اجتمع 10 من الصحفيين لتأسيس مؤسسة صحفية وصحيفة قوية سيكون لها وزن كبير وتأثير. الصحافة عندنا ذات طابع فردي تشتغل على الخبر والتعليق ليس لديها خطة ولا نهج ولا رؤية تسير عليها. وهذا التخبط في علمنا الصحفي لم يجعلنا نستطيع أن نقدم مؤسسات صحفية. باستثناء صحيفة أو صحيفتين كلها من المؤسسات الأهلية والمستقلة التي استطاعت أن تعمل كمؤسسة.

هل هذا سبب يجعلها ضعيفة التأثير في المجتمع ولا تتطورْ؟
حتى لو تطورت يكون تطوراً ضعيفاً، ليس كبير الأثر لأن البيئة نفسها بيئة مغلقة. مسألة الأمية عائق. أزمة الورق عائق. مسألة الإمكانات والقدرات عائق حقيقي. مسألة الملاحقات والمحاكمات والاضطهاد للصحفي والقيود على حرية الرأي والتعبير أيضا عوائق. كلها عوائق. بعضها خارج الإرادة وبعضها عجز ذاتي. العمل الفردي في صحيفة. يستحيل أن تخلق صحيفة تعبر عن رأي عام ينفتح على الاقتصاد، على الثقافة، على الرياضة، على السياسية.

كيف تقرأ مستقبل اليمن في كل ما يحدث من إحباطات على مستوى التفكير العامْ؟
يبقى الأمل. القرآن الكريم يقول و"لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون". أما الوضع فهو بكل المقاييس بائس وتعيس. لكن يبقى الرهان على إرادة الناس، على عزمها، على إصرارها لإيجاد تغيير حقيقي لهذا الواقع. لإحداث تبدلات "مدنية" في جسد الدولة. بمعنى أن أحزابنا التي توافقت على تأجيل الانتخابات شيء طيب لكن الخطيرة فيها أن تؤجل لسنتين، هذه السنتان كانت مدى مفجعاً، فلو أنهم اتفقوا على التأجيل لشهور وكانوا جادين كانوا سيوجدون مخرجاً ويبعثوا الأمل في نفوس الناس أكثر. الناس أيضاً لابد أن تضغط على الدولة من جانب وعلى أحزاب المعارضة من جانب كي لا تكون هذه المدة الطويلة التي يحتج عليها العالم الآن، سنتان يكون الناس قد نسوا الانتخابات ونسوا صندوق الاقتراع، فلابد تكون مدة مقننة، ولابد أن يتوافق الحاكم والمعارضة للخروج من هذا المأزق القائم.

هل تتناقض دعوتك للأملْ مع ما طرحت فيما يخص تأجيل الانتخابات لسنتين؟
على الناس أن يضغطوا على أحزابهم وعلى الحكومة من أجل إيجاد بديل أفضل في مدى أقصر وليس في مدى سنتين.

الثلاثاء، أبريل 21، 2009

massege





أعذرني ياصديقي إن قصرت
أشعر بالحزن لأنكـ سوف تتركنا
وبالفرح لأنك سوف تترك هذه البلد !
رافقتك السلامة


الثلاثاء، أبريل 07، 2009

حوار مع د.عادل الشجاع


الدكتور عادل الشجاع لـ«الشارع»:الفترة الذهبية لوزارة الثقافة كانت في عهد يحيى العرشي الذي وضع مشروع الألف كتاب

< تأجيل الانتخابات يعرض الديمقراطية للتشويه ويجعل فكرتها لدى المواطن العادي مسألة مصالح وتقاسم


< الثقافة الحاضرة هي ثقافة الثأر، ثقافة الإقصاء، ثقافة الإلغاء، ثقافة التشكيك، ثقافة امتلاك الحقيقة المطلقة دون إعطاء مساحة ولو جزئية للآخر


ما أعدت اكتشافه من خلال حواري مع ناقدٍ كالدكتور عادل الشجاع، أنه من الصعب التجديف في اتجاه دون أن نصاب بدوار السياسة.. في هذا الحوار يجيب د. الشجاع على أسباب ذلك. ونسأله عن كتابات له أثارت ردود أفعال مكتوبة أو تلك التي لا تتعدى الأحاديث الجانبية. كما نعرف لماذا يقف ضد تأجيل الانتخابات النيابية لعامين قادمين.. ثم ماذا عن الثقافة والمثقف والأجيال الإبداعية القادمة...


حوار: محمد الشلفي


السياسة في اليمن خبز يومي
< أنت كناقد نشيط لك الكثير من الكتابات في اتجاهات مختلفة.. ركزت بعد عودتك بالذات من القاهرة على الكتابة في النقد الأدبي، لكن مثل هذه الكتابات نلاحظ أنها بدأت تقل، ما سبب ذلك؟
- الوسط الذي نعيش فيه وسط معجون بما هو سياسي، ليس بالمفهوم الطبيعي للمفهوم السياسي، ولكن بمفهومه السلبي. ولكي تغير في بنية العقل الجمعي لابد أن يكون مدخلك هو المدخل الذي يفكرون من خلاله، فالتفكير في هذا الوسط تفكير يعود إلى المفردة السياسية. ولعل هذا يعود إلى المكون الثقافي الذي تكوَّن منذ منتصف القرن الـ20 نتيجة لوجود الأحزاب السياسية واشتغالها على المفردة السياسية على حساب المفردة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا وجدت أن كتاباتي النقدية في وسط لا يوجد فيه إنتاج إبداعي في المجال الأدبي بمختلف أجناسه الشعرية والسردية، فلجأت إلى السياسة على اعتبار أن النقد يستوعب كل هذه المكونات.
< قلت: لا يوجد إبداع.. بأي معنى؟
- أقصد أن الكتابة الإبداعية سواء في مجال الشعر أو الرواية، غير مشجعة، لأن الذي يكتب الشعر أو السرد يتواجد في أماكن مغلقة، يكرر نفسه بشكل يومي، وبالتالي لا فرق بين عمله الأول والثاني والثالث، هذا إن أبدع عملاً ثالثاً. على سبيل المثال أنا اطلعت تقريبا على مجمل ما أصدر في 2008، لم أجد ما يستحق أن نعده عملاً إبداعيا مميزاً إلا بعض الأعمال التي حاولت أن تدخل في عالم الفكرة وليس في عالم الإبداع.. وأنا لا يهمني الفكرة ولا أحكم عليها بقدر ما تهمني المعالجة. ربما يتداول الفكرة جماعات في دول أخرى لأنها معنية بالأفكار أكثر مما هي معنية بالإبداع الأدبي. وإذا ما كان لنا الرجوع إلى الكتابة النقدية الأدبية، فبالتالي في الوقت الراهن لا بد من التمدد باتجاه الإبداع في الخليج والجزيرة العربية.

العلمانية هي الحل لكل مشاكلنا
< تتبنى "العلمانية" في مقالاتك كقضية جوهرية.. ألا تعتقد أن مثل هذه الكتابات تتجاوز الواقع: الفساد والفقر وتدني مستوى التعليم والصحة؟
- بالطبع هناك قضايا تتولد وتتخلق وتنمو نتيجة لغياب قضية مركزية.. أنا أعتبر أن العلمانية قضية أساسية بل أعتبر أنها هي الحل لكل مشاكلنا ولكل قضايا الفساد هنا. لأن العلمانية هي: حرية الفرد بما لا يتعارض مع حرية الجماعة...
< هل هذا هو تعريف العلمانية التي تقصدها في كتاباتك؟
- نعم، لكل مجتمع علمانيته. العلمانية هي مشروع إنساني، وكل مجتمع له علمانيته المختلفة عن علمانية المجتمع الآخر، هي كفكر تتواءم مع الأفكار السائدة في مجتمع ما على خلاف ما هو موجود في مجتمع آخر. الدين الإسلامي كان دينا علمانيا لأنه جاء ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد... الرسول (ص) كانت ممارساته علمانية عندما وصل إلى المدينة وكتب الوثيقة التي بينه وبين اليهود، وأعطى اليهود ما للمسلمين، ولم يأمرهم بالدخول إلى الإسلام. كذلك الرسائل التي بعثها إلى قبائل نجران مؤكداً على احترام عباداتهم. لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. فقط الجميع يسيرون في اتجاه المجتمع المدني من خلال مؤسساته التي تحمي هذه الدولة.. ومن خرج على هذه الاتفاقات يكون خارجاً على الدولة. مسألة العلمانية هي أن الله أوجدني حراً، وهذا ما هو موجود ومعمول به في المجتمعات الغربية. علينا أن نأخذ ما هو إيجابي من هذا الآخر.
< بعيدا عما يتبادر إلى الذهن كلما سمعت هذه الكلمة في المجتمع اليمني، ولكن كل ما تقول به من احترام العقل والإيمان بالعلم وتقديس حياة الإنسان وإنزال الشخص المناسب في المكان المناسب... إلخ، يأمر به الإسلام، لماذا لا يكون هو المنطلق؟
- الإسلام ليس فكرة جامدة، بل جديد متجدد، وبالتالي يأخذ من كل الأفكار المتطورة، بدليل أن الحضارة الإسلامية عندما قامت أخذت من الحضارة الرومانية واليونانية والفارسية ومن الهندية. لماذا وصلنا إلى هذه الفترة ونريد أن ننغلق على الحضارات. الإسلام لا يمانع، وقد وضع لنا إطاراً نتحرك من خلاله. لكن شؤون الحياة معني بها الإنسان، معني بها المجتمع، فالإسلام لم يقدم تفاصيل. بل وضع لنا إطاراً عاماً نتحرك فيه بما يحقق مصالحنا كبشر.
< في بعض ما تكتب يحتار القارئ في تصنيفك؛ أحيانا تكتب مع السلطة، وأحيانا مع المعارضة، وأحيانا ضدهما.. كيف نفهم هذا؟
- أنا مجرد قارئ، والقارئ هو المحلل، والمحلل هو الذي لا يرتبط بطرف ضد الطرف الآخر. عندما أجد أن السلطة أو المعارضة تفكران بشكل إيجابي أكون مع هذه الإيجابية. وعندما يفكران بشكل سلبي أقف ضد هذه السلبية. بدليل أنني ضد ما ذهب إليه الحزب الحاكم وما ذهبت إليه أحزاب اللقاء المشترك من تأجيل الانتخابات البرلمانية لسنتين، لأني كقارئ أرى أن أخذ الدستور ورميه عرض الحائط وانتهاك القوانين المعمول بها في البلد يعرض الديمقراطية إلى الخراب والتشويه، ويجعل فكرة الديمقراطية لدى المواطن العادي مسألة مصالح ومسألة تقاسم. وبالتالي هو لن يؤمن بمسألة الديمقراطية، وسيعتقد أن الديمقراطية هي مسؤولية الأحزاب وليست مسؤولية الشعب. كما فأنا قارئ لا أقل ولا أكثر، لا أحاول أن أؤطر نفسي في مكان مغلق. حتى عندما أنتمي لحزب من الأحزاب، فأنا لا أنتمي إليه حتى يصادر عقلي، وأجعل هذا الحزب يفكر نيابة عني. على العكس من ذلك، أنتمي إليه ليكون لي دوري في بناء الحزب، وأن يكون لي دوري في التفكير نحو تطوير هذا الحزب، وأيضاً أن أحصل على مصلحتي باعتبار أن الأحزاب لا تقوم إلا من أجل أن تحقق المصالح لأعضائها وأفرادها. ومن يقول غير ذلك أعتقد أنه يبحث عن مصلحة خفية وليست ظاهرة للعيان.
< بما أنك ضد تأجيل الانتخابات، هل كتبت في هذا..؟
- كتبت مقالاً، وكان بعنوان "لماذا نستسهل الحلول الصعبة؟" في يومياتي التي أكتبها في "الثورة"، لكنه مُنع من النشر، ولا أدري لماذا صحيفة قومية يفترض أن تكون محايدة ولا تقف مع طرف ضد آخر، ولكنه نُشر في أكثر من موقع، ويمكنك العودة إليه.
المقال كان قراءة تحليلية حول خطورة تأجيل الانتخابات... باعتبار أن المؤتمر لم يقل لنا لماذا أجل الانتخابات، وماذا استفاد الوطن من التأجيل. والمعارضة التي تدعو الحزب الحاكم إلى الشفافية والمكاشفة لم تقل لأعضائها ما هي المكاسب التي كسبتها كمعارضة، وما هي المكاسب التي كسبها الوطن من تأجيل الانتخابات.. قالوا لنا إن الاتفاق على تأجيل الانتخابات يجنب البلاد مخاطر دخولها حرباً أهلية، والسؤال الذي يطرح نفسه: المخاطر ممن؟ من الذي يهدد الأمن الوطني؟ هل يريدون أن نفهم أنهم من قبل كانوا يهددون الأمن الوطني؟ الذي أعرفه أن الديمقراطية لا تهدد الأمن القومي، إنما هي التي تعطي مساحة للناس ليقدموا أفضل ما لديهم، وليست السعي باتجاه خلق مشاكل من أجل الحصول على مكاسب شخصية.
أعتقد أن ما ذهبت إليه الأحزاب من تأجيل الأنتخابات ألغى الديمقراطية تماما، وهو المشروع الوحيد الذي كنا نفاخر به نحن اليمنيين، على اعتبار أننا لا نمتلك مشروعاً غير المشروع الديمقراطي الذي كنا نؤمل أن نصدِّره إلى الدول المجاورة كنموذج في العملية الديمقراطية. هكذا نحن قدَّمنا نموذجاً سيئاً. فلا تجد برلماناً في العالم يمدِّد لنفسه إلا البرلمان اليمني. وهذه بادرة خطيرة لا تعرفها الديمقراطيات المتقدمة ولا المتخلفة منها. ونحن في اليمن نقدم كل ما هو سيئ.

غياب الثقافة سببه الثقافة
< من خلال نظرتنا إلى واقع الثقافة نجده بلا بنى تحتية للسينما والمسرح، لا مكتبات ولا حركة للتأليف والنشر.. ما السبب؟
- الثقافة هي سبب غياب الثقافة، لأن الثقافة ليست ما هو مقروء في الكتب، هناك أكثر من 200 تعريف، ومن أهم هذه التعريفات هو الذي يقسِّم الثقافة إلى قسمين: القسم المقروء وهو مجرد وسيلة، ومفهوم الثقافة الإنثروبيولوجية، وتتمثل بالعادات والتقاليد والدين والمأكل والمشرب والملبس. هذه هي الثقافة الحقيقية. والثقافة الأنثروبولوجية في اليمن قائمة على التابو (المحرمات)، فهي تحرم السينما والمسرح والرسم والموسيقى. إضافة إلى أنه لا يوجد مشروع ثقافي، وأعتقد أن هذه مسؤولية السلطة بدرجة أولى؛ لأنه في ظل غياب الثقافة تغيب التنمية، وهذا ما هو حاصل في الجمهورية اليمنية. وزارة الثقافة في اليمن لديها صندوق يسمى صندوق التراث والتنمية الثقافية، ستجد أن هذا الصندوق غير معني بالتراث ولا بالتنمية الثقافية. فلا يوجد تراث محمي حتى الآن نستطيع أن نقول إن الصندوق قدم له هذه الحماية، ولا توجد تنمية ثقافية وهي غائبة. قل لي في أمانة العاصمة كم لدينا الآن من مؤسسات ثقافية بنيت بعد فترة السبعينيات. الذي أعرفه ما عدا بيت الثقافة الذي بني في عهد خالد الرويشان. ما دون ذلك متى بني المركز الثقافي، مبنى وزارة الثقافة الحالية هو من بقايا المباني التي كان يمتلكها الأتراك العثمانيون، ثم آلت بعد ذلك إلى الدولة ثم وزارة الثقافة. كان لدينا دور عرض للسينما، كان يوجد لدينا مسرح في السبعينيات. الآن لا يوجد لدينا مسرح، مع العلم أن وزارة الثقافة لديها ميزانية تحت ما يسمى التدريب والتأهيل، وهذا يعني أن تؤهل مسرحيين وسينمائيين وموسيقيين وفنانين. إذن الثقافة هي سبب غياب الثقافة.
< ماذا عن بيوت الفن، مسرح الهواء الطلق التي أسست في وزارة الرويشان؟ برأيك هل كانت فترته مختلفة؟
- كوزير ثقافة هذا واجبه. بالنسبة لبيوت الفن أعتقد أن من البيوت الـ10 لا يوجد سوى بيت واحد في إب ملك تابع للدولة. ما عدا ذلك فمؤجر، وبالتالي هي معرضة للطرد في أية لحظة. الرويشان جاء في فترة متقدمة، وهي 2004، وكانت صنعاء عاصمة للثقافة العربية، وكان يمتلك من الأموال المبالغ الكبيرة والطائلة، أنفقها في أمور ربما لو أنفقها على الثقافة لكان لدينا مشروع ثقافي..
< لكنه استمر فيما بعد حتى 2007...
- صحيح هذا المبلغ استمر على اعتبار أن صندوق التراث استحدث في هذه الفترة، وأصبح دخل صندوق التراث ما يزيد عن 60 مليوناً شهرياً. بهذه المبالغ أعتقد لو أن هناك رجلاً مهتماً بالثقافة وبالشأن الثقافي كان يمكن أن يؤسس بنية ثقافية. أما بالنسبة لمسرح "الهواء الطلق" فلم يستطع الرويشان أن يدافع عنه، صودر من قبل عناصر متشددة بقوة السلاح، واعتبروا أن ما يجري في هذا المسرح نوع من الكفر والخروج على العقائد. وأصبح المسرح مشروطاً ألا نأتي بالموسيقى ولا بالفرق الأوروبية إليه. أي مسرح هذا الذي نتحدث عنه؟ لست متشائما.. لكن فترة خالد الرويشان فيها الكثير من المعالم. وإذا أردنا أن ننصف الثقافة أعتقد أنها كانت في عهد يحيى العرشي في مرحلتها الذهبية. الرجل وضع كثيراً من المشاريع؛ منها مشروع الألف كتاب، ولكنه لم يتم لأن الوزراء الذين جاؤوا من بعده لم يستطيعوا إكمال المشوار. نحن نتعامل مع الأشخاص لا مع المؤسسات، لو كنا نتعامل مع المؤسسات لكان وضع الثقافة أفضل مما هو عليه، على اعتبار أنه سيكون هناك مشروع تراكمي. لكن هذا المشروع التراكمي مشروع غائب.
< تتناول المثقف ودوره في كثير من كتاباتك لكنك تصفه بالحشاش، لماذا هذا الوصف القاسي؟
- القات فيه مكونات مثل "إيمي فيتامين"، وهي مادة موجودة في الأساس في الحشيش، ولما أطلق على متعاطي القات "حشاش" على اعتبار أن هذه المادة موجودة في الحشيش. والحشيش من وجهة نظري أهون، وهذه ليست دعوة لتعاطيه، ولكن أقول أهون لأن هناك قانوناً دولياً يطال كل من يتعاطاه على عكس القات. عندما يكون لدي 8 ملاين متعاطٍ للقات من أصل 22 مليون يمني، تقريبا 500 ريال في المتوسط، والمبلغ أكبر يعني دولارين ونصف مضروبة في 8 ملايين، يعني بـ20 مليون دولار يوميا. لو أنفقنا 20 مليون دولار يوميا على البنية التحتية والتنمية والثقافة، لكانت اليمن تعتبر في مصاف الدول المتقدمة.
< هل قلة الإنتاج التي يعاني منها المثقف أيضا مرتبطة بالقات، أم هو سلوك شخصي وإن لم يوجد القات؟
- هناك تعريفات كثيرة للمثقف، من ضمنها المثقف العضوي، وهو: المثقف المثقل بهموم مجتمعه، فيسعى إلى أن يخفف هذه الهموم عن مجتمعه، والذي يسعى إلى أن يجعل هذا المجتمع يفكر بطرق سليمة وصحيحة، ويؤمن بالحرية والتعددية التي تسمح له بالتعايش وتغيير واقعه إلى ما هو أفضل. هذا المثقف في بلادنا غائب. المثقف لدينا عبارة عن فأر كتب يذهب إلى الأماكن المغلقة ليتعاطى تلك الشجرة الخبيثة التي تولد لديه ثقافة السكون، وتجعله يعتقد أنه يغير الكون والعالم.
غير ذلك، هذا المثقف الذي يتعاطي القات لا يفكر على الإطلاق؛ لأن القات قتل التفكير عنده، وإلا عندما يسمع عن أزمة غذاء عالمي وأزمة مالية، ويرى العالم كله واقفا على قدم وساق في مواجهة هذه الأزمة، بينما هو لا علاقة له بالأزمة، وكأن هذا الآخر سوف يزرع ويصنع ويصدر له وهو يتعاطى القات، هل يمكن بعد ذلك أن نقول إنه إنسان سوي. هذا إنسان محطم يعيش حالة من العزلة على المستوى الفردي والجماعي والدولي... مع ذلك أنا لا أحمله كل شيء، هناك مثقفون حقيقيون يعملون بصمت... ربما إنسان ليست لديه أي من مقومات التفكير، ويمتلك عشرات السيارات وأرصدة في البنوك وما يمكنه من السفريات. بينما مثقف حقيقي يعيش همه اليومي لا يجد حتى حق الباص لينتقل من منطقة إلى أخرى. لكني لا أشفق عليه لأنه قبِل بالذهاب لهذه الأماكن ليتعاطى القات هروباً من واقعه.
< يطلب وزير الثقافة محمد أبو بكر المفلحي في حوار مع صحيفة "الثقافية" من المبدع ألا يعتمد على المؤسسة الرسمية وليكن لديه مبادرة فردية، هل تتفق مع ما طرح؟
- نحن لسنا في مجتمع ليبرالي يؤمن بالحرية الفردية التي تخلق الحرية الاجتماعية. نحن في بلد كل شيء يتحكم فيه شخص واحد، نحن في بلد دخله القومي يذهب إلى خزينة المال العام. وبالتالي كيف تطلب مني أن أتحرك في الإطار الفردي، وأنا مقيد لا أمتلك هذه الإمكانية. كمن "ألقاه في اليم مكتوفا وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء"!
عندما نكون في مجتمع ليبرالي يؤمن بالمؤسسات، وبالتالي المؤسسات تحصل على نصيبها تلقائياً دون أن أعود إلى الجهات الرسمية، هنا يمكن أن تحمِّل المبدع لتقول له أن يكون لديه مشروعه الخاص. المشاريع مازالت ضبابية. عندما أتحدث عن وزارة الثقافة وفيها أكثر من 400 موظف كلهم موظفون إداريون، اعطني موظفاً مبدعاً، والوزير في حقيقة الأمر لا يستطيع أن يفعل شيئاً، الوزير أكن له كل الاحترام، وهو رجل معروفة نزاهته، لكنه مقيد...
< هل تكفي النزاهة لترك بصمة في عمل ما؟
- لا، لا تكفي، هذه قيم لصالح هذا الشخص، لكن عندما يكون الشخص غير قادر على إدارة مشروع لأن هناك مشاريع خفية هي التي تتم في نهاية الأمر. وزير الثقافة لا يستطيع أن يعيين وكيلا له ويختاره من تلقاء نفسه، بل يملى عليه الشخص الذي سيكون وكيلاً، والذي سيأتي وكيلاً لا علاقة له بالثقافة من قريب ولا بعيد.
لو عدت الآن لميزانية وزارة الثقافة ستجدها الأقل، مع ذلك هذه الميزانية تصرف عبارة عن نفقات جارية، مرتبات، ثم بعد ذلك سفريات ومؤتمرات. لكن ما هو المبلغ المرصود للإنتاج الفكري والثقافي؟ غير موجود، ولا أعتقد أن هناك مليم واحدا مرصودا للإنتاج الثقافي، فكيف ستنتج ثقافة أو تبدع.
أيضاً وزارة الثقافة لا تمتلك مسرحا، وبالتالي لا مشروع للمسرح، ولا تمتلك مشروعا للسينما حتى الآن، ولا ولا ولا. إذن كيف تطلب من المبدع أن يحقق مشروعه الخاص في ظل غياب المشروع العام.
< على مستوى مسؤولي الثقافة وتعاملهم مع المبدع د. فارس السقاف يقول إنه عندما يشتري كتاباً لأحد المبدعين "بسعر تشجيعي" فمعنى ذلك أنه يشجع على البطالة؟
- ما هو البديل الذي يمتلكه فارس السقاف؟! كانت الحسنة الوحيدة أن يذهب هؤلاء الغلابى والمساكين لبيع 10 نسخ بـ10 آلاف ريال، منعها فارس السقاف. ما هو مشروعه البديل الذي يقدمه لنقل المثقف من عالم البطالة إلى عالم العمل. ما الذي أنتجه فارس السقاف حتى الآن وهو مثقف ومحسوب على الوسط الثقافي ومهموم ومعجون بهذا الوسط للأسف الشديد. أنا أقول لفارس السقاف وهو يجلس على كرسي لن يستمر فيه، لكن هذا الواقع سيؤرخ له سلبا أو إيجاباً، أن يقدم شيئا للثقافة لأن من لا يقدم عملاً محسوباً يذهب غير مأسوف عليه.
< الجيل الألفيني الشاعر الفنان القاص الروائي.. برأيك لماذا لم يأخذ حقه من الاهتمام كما حدث مع جيل التسعينيات وما قبله؟
- بالنسبة لجيل التسعينيات، ارتبط بالوحدة اليمنية، هذا المشروع العظيم، ومن هنا كان لابد أن يربط هذا الإنتاج بقيم الوحدة... لكن الجيل الألفيني هو جيل ارتبط بمرحلة تراجع على كل المستويات، وبالتالي لم يتم الالتفات إليه، مع العلم أنَّه قد يكون جيلا تجاوز من سبقه بخلقه تراكما. لكن ربما النكسات والتراجع عامل أساسي لعدم تسليط الضوء على هذا الجيل.
شخصياً، لدي تقريباً، كل المجموعات الشعرية التي صدرت بعضها قرأتها وبعضها في طريقها إلى القراءة، وكذلك كل الأعمال القصصية والروائية، وأنا مهموم بالواقع الإبداعي، أحاول أن أحصل على كل ما تم إنتاجه... وأعكف على كتابات كثيرة من ضمنها الكتابة عن جيل الشباب منذ بداية 2000 وما بعدها، ولكن الهموم اليومية تعيق الإنسان، لا أستطيع أن أتفرغ للكتابة، يفترض أن أكون بظروف مستقرة، ومع ذلك هذه البلاد تستهلكني يومياً دون أن أقدم لها أي شيء إلا تضييع الوقت في الذهاب والإياب إلى أكثر من وزارة ومؤسسة لكي أقضي بعض الحاجات التي تخصني أو تخص كثيراً من المغبونين أو المظلومين. للأسف الشديد لا ننتج شيئاً، ومع ذلك لانمتلك الوقت.
< أخيراً، إلى أي مدى يتسع وطن الثقافة عن وطن السياسة؟
- وطن الثقافة ضيق للغاية..
< بشكل عام أم تقصد في اليمن...؟
- لا، في اليمن فقط.. في البلدان الأخرى الثقافة هي التي تستوعب كل شيء؛ تستوعب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تستوعب الموروث. لكن هنا الثقافة مقصية، الثقافة الحاضرة هي ثقافة العنف، ثقافة الثأر، ثقافة الإقصاء، ثقافة الإلغاء، ثقافة التشكيك، ثقافة امتلاك الحقيقة المطلقة دون إعطاء مساحة ولو جزئية للآخر. السياسي حاضر في كل حياتنا، السياسي جعل الوطن يتسع لخلافاتنا، لكنه لم يجعله يتسع لحواراتنا ونقاشاتنا، وهذه إشكالية من وجهة نظري أن يكون الوطن اليمني من أقصى شماله وجنوبه، من أقصى شرقه وغربه، قد استوعب هذه الخلافات الحادة والمدمرة التي نخوضها كل يوم، لكنه لم يتسع لأن نجري حواراتنا على طاولة من الحوار الذي يجعل رأيي صوابا يحتمل الخطأ ورأيك خاطئا يحتمل الصواب.