الأحد، يناير 24، 2010

بمناسبة الولاء الوطني


بمناسبة الولاء الوطني

منذ أسبوع تقريبا قصدت وزارة الشباب والرياضة لأبيعها نسخاً من ديواني الصادر مؤخراً "كتف مائلة" رغم استصعابي لمسألة أن تذهب لتبيع كتبك في وزارات سمعتها تفوح بالروتين وبأشياء أخرى، لكن من باب هذه حقوقنا وقناعة لا شيء يعيدنا إلى الوراء سوى الحياء؛ قررت أن أجرب بنفسي فحكومتنا الرشيدة لا تهتم بالكتاب: بنشره وتوزيعه لكنها على الأقل تشجع الكتَّاب لوجه الإبداع لا لشيء آخر وليس علي أن أصدق الإشاعات. وقفت أمام المسئول الجديد في غاية الإحراج وقدمت له الديوان فنفض أوراقه بسرعة وقرأ الورقة المرفقة به المذيلة بـ "كما هو متبع لدى وزارتنا". فيما موظف آخر إلى جواره يقول لقد أوقف الوزير شراء أي كتاب. ويقول المسئول بفتور نريد أن نعرف هل سيرسخ كتابك الولاء الوطني أم لا.. سيتم عرضه على اللجنة، وعزز الموظف بجواره ثقتي بعدم جدوى تجريب المجرب حيث ذكر لي إنهم ارتكبوا خطأ فادحاً ذات مرة حين اشتروا كتبا لأحد الشعراء يذكر فيه الخبز بطريقة تفوح بالمعارضة(على اعتبار أن المعارضة جريمة وأصحابها من دولة شقيقة). كان كتابي عبارة عن مجموعة شعرية أعتقد أنا الفقير إلى الله حاولت أن أقدم فيها جديداً. وبهذه الطريقة نسي المسئول أن يسأل نفسه كيف سيصبح ولائي الوطني بعد هذا اللقاء وهو يتعامل مع الإبداع على مقاس معين في رأسه وتقوم لجنة آخر مرة قرأت الشعر في المرحلة الإعدادية بتقييمه. بمناسبة الولاء الوطني الذي أصبح موضة هذه الأيام حيث أصبح جل من في الحكومة( بقصد حكومي أو غير حكومي) ينظِِّرون له ويتحدثون عن أهميته ! فقد استشعروا فجأة خطر اهتزاز الولاء الوطني لدى الشباب مما جعلهم يقررون تثبيته بابتكارات ووصفات سحرية. فعلى طريقة وزارة الشباب والرياضة أشار أحد كتاب صحيفة الجمهورية أن الوزارة قامت بطباعة كراسات وزعت في المراكز الصيفية الشبابية التي رعتها الوزارة الصيف الماضي هدفها ترسيخ الولاء الوطني بينما أهداف الثورة التي طبعت عليها ينقصها هدف، وهي وصفة تثير تساؤلاً عن قدرتها في رفع نسبة الولاء الوطني في الدم أو في الجيب. بطريقة ثانية، مؤخراً تم إشهار الهيئة الوطنية للتوعية "غير الحكومية"، التي لمسنا أثرها بما نشرته من لوحات ملونة في الشوارع كتب عليها ما يفيد: الوحدة عزنا الولاء للوطن الوحدة نجاة الوحدة أو الموت الإرهاب لا دين له، الوطن في قلوبنا، لا للكهنوت والرجعية نعم للجمهورية. وهكذا أصبح المواطن على قدر كبير من الوعي ويستشعر المسئولون الحكوميون العاملين في منظمة غير حكومية؛ بأنهم فعلوا ما عليهم والباقي على الله !

وصفة ثالثة ترعاها وزارة التربية والتعليم لزرع الولاء الوطني لدى النشء وهي فكرة لا يمكن التقليل من أهميتها، بل نتمنى أن تدار بطريقة مختلفة فصباحاً الساعة 7:30 نستيقظ على إذاعة مدرسية تبثها مباشرة إذاعة صنعاء من إحدى المدارس في المحافظات، وهي مليئة بالولاء الوطني تشعر معها أن الطلاب الصغار الذين يقدمون كلمة الإذاعة يرددون مفاهيم أكبر منهم: التمرد، التخريب، والرمز، والحاقدون، والمرجفون. وهي كلمات يكتبها لها مدرسيهم. تثير الحقد والكراهية لا أكثر. بينما يعود الطالب إلى الفصل بكتب ناقصة وقد لا يجد مدرسين وأرضية المدرسة متسخة والفصول مزدحمة. وهنا كيف يمكن زرع الولاء الوطني في هؤلاء النشء.. ونحن لا نعلمهم كيف يعبرون عن ذواتهم دون تدخل فج منا. كيف يمكن أزرع فيه الولاء الوطني وهو لا يجد ماء نظيفا في المدرسة ولا حمام ولا وسائل تعليمية. وهو لا يغني ولا يرسم. عليه أن يشعر أولا بأنه حقق في وطنه ذاته التي يشاء حيث يجدها في كل ما حوله وبدون تلقين. كيف يمكن للمواطن البسيط الذي لا يحب البيتزا ولا يفهم معنى موفمبيك ولا يعرف من مطعم الشيباني عدا اسمه، أن يترسخ ولاءه وهو يحيى وكل ما حوله يوحي أنه في مزبلة ابتداء من الشارع المليء بالأوساخ إلى المطعم المليء بالصراصير إلى وسائل المواصلات التي ليست سوى شبه مواصلات إلى أماكن الترفيه الشحيحة كالحدائق أو محلات الإنترنت وغيرها مع هذا يدفع مقابل تلك الخدمات المتسخة. أما المسئولون ومنهم وزارة الصحة فيرسلون موظفيهم لا للرقابة والتفتيش بل للعودة بحق القات. كيف يمكن للمواطن أن يؤمن بالوطن وهو يعرف أن أصحاب المخابز يسرقون من قوته بدون عقاب. كيف له أن يحب الوطن وهو يعرف أنه إذا ذهب إلى القضاء ستطلع روحه قبل أن يفصل في القضية وإذا ذهب إلى قسم الشرطة ستطلع عينه ويدفع حق بن هادي وينتهي الوضع بأن التنازل عن الحقوق أهون من الذهاب إلى الحكومة والاستغاثة بها. كيف يمكن للمواطن أن يحب بلده وهو يذهب إلى المستشفيات الحكومية وهي بدون أجهزة ولا أدوات طبية والخاصة وهي تدار بطريقة تجارية تمص دمه، وقد يعود في الحالتين بعاهة أو حالة موت فلا يقف بجواره لا طبيب ولا دولة بل بالعكس لا يقف الأطباء إلا إلى جوار زملائهم أما المواطن المسكين فهو خطأ طبي وارد. كيف لولائه أن يثبت أمام عواصف السياسيين التي تهب كل وقت فبينما هو يموت بحمى الضنك ووزير الإعلام يقول: مزايدات سياسية. كيف للمواطن أن يحب وطنه وكل ما حوله يقول له هذا الوطن ليس لك. ما نحن بحاجة إليه وبشكل ملح هو هيئات توعية للحكومة لا للشعب. فياسادة لنرسخ الولاء الوطني علينا أن نوفر لقمة نظيفة لهذا المواطن وقضاء نزيهاً، وبلدا أنيقا آمناً. عندها سيترسخ الولاء الوطني دون إنشاء هيئات أو لجان للتوعية فلطالما كانت تلك اللجان والهيئات عاملاً لهدم وقلع الولاء الوطني لا لبنائه وغرسه وترسيخه وجميعنا يعرف كيف.

من الديوان: شارع التحرير
مواعيد أخرى نتنبأ بها كلما خاتلتنا
قبل الليل بقليل أحاول أن أستسقي لما يتكدس باتجاهنا ؛
حتى لا تخوننا وصايا أمهاتنا اللامتناهية
وأرتب الزوايا المثلومة كل نهار
- المدينة لم تعد تجدي-
يتكاثر الناس من رحمها ،
والحكومة تتهجانا ، باللامبالاة ،
وتحشر قيئها في أحلامنا.

الثلاثاء، يناير 19، 2010

طه الجند

إن ضاق الحال

إن ضاق الحال
قلنا يارب عليك
من للخائف والمحتاج
النبتة بين الأشجار
الأم إذا طلقها الزوج
الهارب من بطش آخيه
الطائر في رحلته
الريح وراء التل
الماء الواقف في البرد
المتهيب خطوته الأولى
المخبت في ليل من دون غطاء
الضوء الخافت
الباب العالي للقلب
الطامع خلف الأسوار
العالق في القاع
إن ضاق الحال
قلنا يارب عليك
من للمقطوعين سواك

الثلاثاء، يناير 12، 2010

كتف مائلة بين النثر والتفعيلة


أحمد الطرس العرامي
تختلف كل من قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة، في الرؤيا الشعرية والفلسفية التي ترتكز عليها، بالإضافة إلى تقنيات الكتابة، وطبيعة التشكيل اللغوي، والإيقاعي، ومقومات البناء الفني، والاشتغال الرمزي، والتعامل الإبداعي مع اللغة كأداة أساسية يشتغل عليها الشعر، ويدور في فضاءاتها ويتخذ منها مادته الأصلية في الفعل الإبداعي، بحيث تتجلى كلٌّ منهما بطابعها الخاص ومقوماتها الفنية والرؤيوية الخاصة.

وتتنوع نصوص المجموعة الشعرية التي بين أيدينا(كتف مائلة) لمحمد الشلفي، بين كلٍّ من قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة، وإن كنا لا ننكر على قارئ ما أن يلحق نصوص هذه المجموعة بقصيدة النثر، إذ أن ما يميز هذه المجموعة أن الطابع العام الذي تسير فيه نصوصها يكاد يكون واحداً، سواءً من حيث اللغة، أو الأسلوب الشعري إن جاز لنا التعبير، رغم تنوع النصوص بين النثر والتفعيلة، إلا أن الناص استطاع أن يخلق لغة خاصةً به في اشتغالاته الشعرية، لغةً ذات نكهةٍ خاصةٍ سكبها في فضاءات نصوصه الشعرية، هذه اللغة أقرب إلى قصيدة النثر منها إلى قصيدة التفعيلة.

فحين كتب الشاعر نصوصه متخذاً من قصيدة النثر وسيلته في الكتابة والتعبير، فقد حاول أن يكتبها بشروطها وتقنياتها الخاصة، كفن شعري جديد في الرؤيا والفن، بل إنه وهو يكتب قصيدة التفعيلة قد حاول أن يكسبها خصائص قصيدة النثر، ويجترح لهذه القصيدة الملتزمة إيقاعياً (قد نستخدم الإيقاع هنا بمعنى الوزن) مصوغات وجودٍ أخرى من عوالم قصيدة النثر بتقنياتها الجديدة، ورؤياها الإبداعية المختلفة.

ولعل من أهم المرتكزات التي اعتمدها الشاعر في هذا الصدد وتجلت في نصوص هذه المجموعة الشعرية، هي خفوت الإيقاع الذي إن كان نابعاً من طبيعة النص نفسه بالنسبة لقصيدة النثر، باعتبار نسف التفعيلة أو الوزن الخليلي، هو أول شروط قصيدة النثر أو يمعنى آخر أسسها، ومصوغات وجودها، أقول إذا كان الأمر كذلك فإن خفوت الإيقاع يكاد يكون مختلقاً في قصيدة التفعيلة، أو قادماً إليها من خارجها، على يد الناص الذي حاول أن يكتب نصاً قائماً على التفعيلة دون أن تكون هي جوهره الأصلي:
ها أنا أنفى من وطني فتطاردني الأسماء
لأكتب تاريخي بالأسماء
لكني أمحوها حتى تتسع الخارطة عليك
امتلئي بي..
من آخر قرنٍٍ مرَّ هنا عثرت قافيتي
نسي الأصحاب قوافل حلمي وموائد إفطاري
وتحدث أهلي والقرية عني:
كيف أسبُّ الآلهة؟
وكيف أغادرهم وحدي نحو الشمس
لأبحث عن حقي في أن أختار طقوسي؟
فالحب أيا وجعي أكبر...(كم ينقصني قلبك/ الديوان ص:46)

لعل في هذا النص ما يؤكد ما ذهبنا إليه، إذ تسيطر عليه لغة هادئة، ذات نبرة إيقاعية خافتة، رغم تكرار بعض الكلمات والحروف، إلا أن النص ظل خالٍ من الصخب الإيقاعي وظل أقرب إلى النثر منه إلى الوزن، ولعل كونه قائماً على تفعيلة ذات بحر شعري هادئ، قد ساعد على ذلك، وهو بحر المحدث، الذي تخفت إيقاعيته أكثر، حين لا يتساوى عدد تفعيلاته، كما في قصيدة التفعيلة التي لا تلتزم بعدد محدد من التفعيلات كما في العمود، بل تخضعها لعملية توزيع مرنة وفقاً لمستوى الانفعال الشعري، زيادةً ونقصاناً، قوةً وضعفاً، وهو ما تجلى في هذا النص، بالإضافة إلى ما تميز به من لغةٍ هادئةٍ، وألفاظ سهلة كادت تكون أقرب إلى المحكي، أو اليومي، العابر، مما أدى إلى خفوت الغنائية، وتواري الإيقاع الخليلي، أو بمعنى آخر تأخر الوزن أو تواريه خلف اللغة، وبروز اللغة بمضامينها ودلالاتها الإيحائية الشعرية، إلى الأمام، بحيث احتلت المكانة الأساسية في الملفوظ الشعري، وتراجع الوزن ليغدو ثانوياً.

ولعلَّ ما يتصف به هذا النص يكاد يسير أو يشترك معه في ذلك معظم نصوص المجموعة القائمة على التفعيلة، التي من أهم صفات الالتقاء بينها جميعاً، ومن أهم أسباب أو عوامل خفوت طابعها الإيقاعي في الوقت نفسه، هو اعتمادها على تفعيلة هادئة، هي تفعيلة البحر المحدث(فعلن فعلن فعلن...) بالإضافة إلى تفعيلة البحر المتقارب (فعولن فعولن فعولن) بينما تغيب بقية البحور الشعرية ذات الإيقاع الصاخب( كالكامل مثلاً).

ويلعب الشاعر على هذين البحرين، مستعيناً بمقدرته الشعرية، وما يمتلك من تقنيات شعرية، وأساليب فنية، في ترويض هذين البحرين ليصبحا أكثر هدوئاً، وأقل صخباً بحيث يكاد يقترب بهما من لغة النثر المهموسة همساً، والتي تكاد تقوض الغنائية، لتحل محلها السردية، وتنسف الخطابية، بإيقاعاتها المجلجلة، لتحل محلها لغة عاديةً ذات نبرة هامسة تزداد هدوءا وخفوتاً حين تعانق لغة الملفوظ اليومي والعابر...التي تشتغل عليها قصيدة النثر وهي تلقي أضوائها على الهامشي والعادي والعابر.

ونصوص هذه المجموعة الشعرية تتأرجح بين قصيدة النثر، وقصيدة التفعيلة ذات الإيقاع الخليلي، هذه الأخيرة التي ما تنفك تلعب على خيط رفيع بين إيقاعيتها المفترضة، وجنوحها المفتعل نحو قصيدة النثر، ويتجلى هذا ليس في نصوص المجموعة وحسب بل إنه يظهر منذ العتبات الأولى للمجموعة، إذ أن العتبات بدءاً بالعنوان، ومروراً بالعناوين الفرعية للنصوص، والإهداء، وانتهاءً بالتعليقات الشارحة للعناوين الفرعية، تقوم على بنية مزدوجة، أو متأرجحة بين (الوزن -اللاوزن).

فعنوان المجموعة (كتف مائلة) يمكن أن نعتبره جملةً موزونةً تحقق فيها الوزن(كتف مائلة_فعلن فعلن) وكذلك الحال في معظم عناوين النصوص (اللوحةُ الأمُّ- لوجه أبي-أحلامٌ لائقةٌ-لم يتوضأ صديقي بالمساء-جريدةٌ مبتورةٌ- ظلٌّ للظل- كم ينقصني قلبك- تحت ظرف- في المرةِ الأخيرة- اجعل لي آية- إعادة تشغيل- شفاهٌ صغيرة- كتفٌ مائلةٌ) وهي ثلاثة عشر عنواناً من بين خمسة عشر عنواناً، أي أن عنوانين فقط هما اللذان كانا بلا وزن.

وهذا معناه أن هاجس الوزن كان مسيطراً على الشاعر، سواءً أكان ذلك ناجماً عن الوعي أم عن اللاوعي بالنسبة له، وهذا الوزن وإن كان له دورٌ ما في شعرية هذه العناوين، إلا أنه لم يكن جوهرياً، أو عنصراً أساسياً، ترتكز عليه شاعرية هذه العناوين، إذ أنه يكاد يكون مضمراً، أو يمعنى آخر، أنه لم يكن صاخباً وإنما كان هادئاً حتى لا نكاد نميزه أو نلتقطه، إذ لا يمكن إلا لأذن موسيقية مدربة أن تدرك بعده الإيقاعي، وذلك لأن تلك العناوين عبارة عن جمل مبتورة قصيرة، بالإضافة إلى خفوت وقعها الصوتي فيما عدا بعض العناوين مثل ما يحدث بفعل التكرار في(ظلٌ للظلِّ ).

ولهذا فإنها كما قلنا سابقاً، تكاد تكون مبنية على ثنائية، (الوزن –اللاوزن) إذ يمكن عدها موزونةً ويمكن عدها غير ذلك لأن الوزن لم يكن جلياً فيها بحيث يكون ملفتاً، وهذه الثنائية أو الازدواج(الوزن- اللاوزن) تتجلى لنا أيضاً -وإن بشكل آخر- في عتبة أخرى هي عتبة الافتتاح، التي هي الإهداء،-وإن لم يكن هناك عنوان يصرح بأنه الإهداء- إذ جاء على قسمين أو بنيتين هكذا:
إليك: من سيحدثني عن الرقص والأهرامات
ومدنِ الربيع؟
إليَّ:
من أين جئتَ
وهذي الجهات تنوءْ
تبوءْ بإثمك ليلاً على غسقٍ
من كلامٍ وهمسْ
وهذي الصباحات غادرت الصحوَ
عند انبلاج الهوى.

إذ كان المقطع الأول نثرياً بينما كان الثاني قائماً على التفعيلة:(فعولن فعولن) ولعلَّ هذه البداية بالنثر وتقديمه على التفعيلة، سيجيء أول نص في المجموعة ليدعمها حين يكون نثرياً، بحيث يكون ذلك، وكأنه إعادة توازن يظطلع به المتن، في مقابل إيقاعية العتبات، بل إنه ليوحي بأقدمية النثر، على التفعيلة عند الشاعر، وربما يؤكد أو يرجح عفوية الإيقاعية في العتبات، إذ أن الوزن ثانوياً كما يتجلى في طبيعة النصوص وأسلوبها كما يظهر ذلك في المتن، ويؤكده هذا النص حين يبدأ بلا وزنٍ ثم ينتهي بالوزن الخليلي:
(ظلُّ للظل)
ظلٌ متعب
يهمله الصبح على قارعة الدقات المتهالكة..
الأجسام العابرة تتخطاه بسرعة أكبر
والمباني تغيب في الفضاء المشحون..
بما يتبخر من أفواه العابرين
سوف يستعد لظلٍّ كهذا..
يذهب إلى الميدان الواسع
ليستطيع تجريده تماما..
يجلس القرفصاء في محاذاة الرصيف
كبائعة الفل القابعة بجانبه
والنساء (اللواتي) يحاولن الحصول على تأشيرةٍ
للقاء أزواجهن في المجهول...
ها أنا أسألهم عن فستانك
يكسر ما خبأ داخله الواشون هواة الليل
ورجالاً حفروا لي قبل طلوعِ الضوء حديثاً.
لم آبه قبل الموت لأشيائي (من هنا يبدأ الوزن)
ولا لخيوط الفجر تغادرني
لم آبه لمداك المغروسِ بخاصرتي،
ولا لبقايا دمعٍ يغفو من تعبٍ حين يسافر خلف البحر
إلى ما أدري وإلى ما لا أدري.

وأنا أمتد كمعركةٍ تخترق الصمت بلا أعراف
وأقص رواياتي للعشب وعنك..
تحبين اللغة العصرية والمنفى
وتقترحين الوردة
والسفر المحكم
والتاريخ الأزلي إليَّ.
أمتد إلى الغرب شمالاً..
جسدي لا يشبهني
وسرير غواياتي صعبٌ وبلا سابق إنذارٍ
كيف يعيد الكل حكايانا؟
فأنا أدرك معنى أن يحترق الصوت
وأدرك كم ينقصني قلبك!

ولعل التوزيع الطباعي والكتابي قد اختلف في كثير من النصوص، فتجلت بعض تقنيات الطباعة واستخدام الفراغات والبياض، بشكل أكثر في النصوص النثرية، بينما غلب على نصوص التفعيلة طريقة الطباعة المعروفة لدى الكثيرين،
ولعل قصيدة النثر والتفعيلة في هذه المجموعة قد تميزت كلٌّ منهما، بسمات وفروق، لا تتوقف عند الإيقاع أو وجود الوزن من عدمه وحسب، بل تعدتها إلى اللغة والصورة، والتشكيل اللغوي للنص، وإن كان التوقف عند الوزن قد استغرق منا مساحةً كبيرةً هنا، بحيث لم يعد أمامنا سوى الإشارة إلى شيءٍ من هذا بشكل مختزل ومقتضب، وذلك من خلال مقارنة نتركها للقارئ، بين كل من نصين أحدهما تفعيلة والآخر نثري: وهما (نص معادلة)ص54والنص الآخر(اجعل لي آيةً)ص62، حيث اختلفت اللغة وطريقة البناء والدفق الشعري، حيث يمثل النص الأول، أقصى ما تجنح إليه قصيدة النثر من حيث البعد عن الغنائية، والتشكيل اللغوي، وقيام شعرية النص بالارتكاز على مفهوم جديد للشعرية،(اكشاف الشعرية في العالم) بينما يمثل النص الثاني، وإن كان قد اقترب من قصيدة النثر، إلا أنه يكاد يكون عالقاً في فضاءات المفاهيم الشعرية التي كانت عليها القصيدة قبل قصيدة النثر، وهي الغنائية، والذاتية، والإيقاع، والصورة، (إضفاء الشعرية على العالم من خارجه).



الثلاثاء، يناير 05، 2010

أعضاء هيئة التدريس



لا صوت يعلو فوق صوت الفساد والجميع في الأمر سواسية. كل شيء في اللقاء التشاوري الأول للجمعية السكنية لأعضاء هيئة التدريس في جامعة صنعاء الذي أقيم آخر يوم من عام 2009 الخميس الماضي يدل على ذلك، لقد بح صوت أساتذة الجامعة وتعبوا من الوعود و قطع المسافات من مسئول إلى آخر. لكي يحصلوا على قطعة أرض. وليس بكثير على من يبنى ويعلم الأجيال أن يكون مرتاح البال خاليا من هموم كهذه. امتلأت قاعة ياسر عرفات في كلية التجارة بالإحباط واليأس وجلد الذات فالمطالبات بدأت قبل 15 عاما ويزيد ورغم الإنجازات البطيئة خلال تلك السنوات إلا أن إخفاقات هيئة التدريس في الوصول إلى مبتغاهم تتوالى.لكن مالذي حدث مؤخراُ ؟ يقول الدكتور حسان عبد المغني رئيس الجمعية السكنية لأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم: استطاعت الجمعية الحصول على قطعتي أرض في شمال وجنوب صنعاء إضافة إلى مخططات الأرض تسلمتها الجمعية بمساحة 11 ألف لبنة في سوق الخميس شارع المطار. وأرض ضبوة بمساحة 33 ألف لبنة. بالتأكيد، تم تسليم الأرض وتمليكها لهم على الورق لكن عمليا اتضح أن أشخاصا يمتلكون مساحة 6 ألف لبنة هذا بالنسبة لأرض ضبوة أما في ارض المطار فعندما ذهبوا لتسويرها حدث تبادل إطلاق نار بين الشرطة العسكرية الملكفة بحمايتهم وأشخاص يدعون ملكية أراض فيها، وبعد مفاوضات وعد على الآنسي مدير مكتب رئيس الجمهورية بحل المنحة التي أصبحت محنة، والسؤال هنا مالذي يجعل الحكومة تقوم بتملكيهم مساحات من الأرض عليها مشاكل مما يجعل أساتذة الجامعة -الذين ليس لدينا الكثير منهم ونحن بحاجة لهم كثروة قومية – معرضون للموت أو للاختطاف من قبل مجاميع مسلحة وربما كانوا فعلا أصحاب حق.هناك قصة غريبة ضمن القصص الكثيرة فيما يخص الأراضي وهي أن الحكومة كانت تفكر الاستفادة من تلك الأراضي المُمَلكة فعلاً لمدرسي الجامعة من أجل إقامة بنى تحتية استعدادا لخليجي 20 إلا أن تقرير الخبراء جاء في صالح مُلاك الأرض فقد أثبت عدم صلاحية المكان لإقامة مباريات كرة القدم.في اللقاء التشاوري، تكلم البعض عن أن منح الأرض خارج حرم الجامعة هو نوع من المماطلة وتعمد إرهاقهم. وقال لنعو ض زملاءنا ممن دفعوا مبالغ في الأراضي ضبوة والمطار ونكتفي بالسكن داخل الحرم الجامعي كمثل أساتذة الجامعة في كل العالم. كما طالب البعض بتنفيذ إضراب حتى يتم حل المشكلة وقيام الجهات المختصة بتسليم الأرض. رئيس الجامعة خالد طميم أنهى اللقاء باستعداده كعضو هيئة تدريس وليس كرئيس جامعة بالوقوف والمطالبة بحقه حتى الرمق الأخير، واختلف مع من يريد يكون سكن الأستاذ الجامعي شقة لا أكثر وهو ما توفره المساحة في الحرم الجامعي بينما توفر الأرض الأخرى مستوى أفضل من السكن مضيفا لقد تعبنا كثيرا ولدينا وعود بحل المشاكل فعلينا بالصبر. وقال بصراحة إذا لم نستطع هذه المرة أن نأخذ حقنا فعلينا الجلوس في بيوتنا. وبعد كلمته انفض الجمع بعد أن انسحب البعض محبطا وبقي البعض ليعبر عن رأيه حتى وإن لم يكن هناك أمل. أما المفارقة الأخيرة، فهي تحايل أستاذ جامعي (بدهاء المتمرس) على حقوق الصحفيين الذين حضروا اللقاء لتغطيته، لا أدري لصالح من؟ صحيح، كيف تطالب بحقوقك وأن لا تمنح الآخرين حقوقهم وهذا سؤال موجه له فهو يعرف نفسه جيدا. وكان الله في عون أساتذتنا المخلصيين.