
بين العرض الأول والثاني للمسرحية الصامتة "أين أنت الآن" للمخرج الشاب خالد اليوسفي.. يمكن أن يلحظ المشاهد أمرين أن عرضها الأول كان مؤثرا أكثر من الثاني لقد أدى الممثلون جميعهم أداء مدهشا ينعكس بذلك على وصول فكرة المسرحية بحركات لا يشوبها الكلام. يضل المشاهد يتبع أحداث المسرحية بصمت كما هو حالها حتى يصل به ذلك الصمت إلى المعنى الذي يريده المخرج، حالة من المتعة تصبحه كلما تطور الحدث فتتضح الرؤية لديه وهو هنا لا يريد سوى الصمت الذي يمنحه فرصة اختبار قدراته على الاكتشاف.
كان المخرج والمؤلف الشاب موفقا في اختيار المكان والشخصيات فيبدو الحدث مؤثرا من خلال كل ذلك (حديقة، أطفال،آباء، أمهات، قصة حب في بدايتها )مكان ممتلئ بالحياة ثم بعدها يصبح المكان "مدمرا" بفعل انفجار، ولا يبقى حيا سوى شخص كان يفترض أنه بدأ قصة حب مع فتاة لم يدر كيف أصبح مصيرها. وعلى المشاهد أن يحزر مالذي حدث وكيف ومن يكون وراء الانفجار ؟ وكل حسب خلفيته الثقافية.
لا يكتمل الحدث هنا، فيدخلنا المؤلف في مشهد أكثر عمقا، لقد عادت الروح لكل الذين اختفوا جراء الانفجار، يعلق المخرج الشاب اليوسفي في أحد حواراته أن المعنى إعادتهم للحياة ليعيش معهم الشخص الذي نجا من الحياة اللحظات التي عاشها من قبل لكننا لا نعرفها إلا بعد أن يحدث الانفجار، لتكون الجملة الوحيدة التي تحدث بها شخصيات المسرحية هي "أين أنت الآن" وهو سؤال لا يخرجنا عن صمتنا الذي توحي لنا به المسرحية.
وقد يكون هناك تفسير آخر هو أن إعادة الروح لهم نقطة الانتهاء ليكملوا الحياة، بمعنى ماذا لو أكمل الجميع حياتهم دون أن يتسبب جماعة من الناس في موت آخرين ودن ذنب.
في العرض الثاني لذات العمل بعد العرض الأول والذي كان في فبراير ضمن مسرح الأربعاء أيضا ، تقدم المسرحية بتغيير بسيط فالأب الذي كان في العرض الأول يحمل جيتارا ويعزف عليه بصمت أمام أطفاله وزوجه، وهنا يمنحنا مهمة مراقبته دون أن يعي وجودنا. يتحول في العرض الثاني -في شهر مارس- إلى مغن بصوت مسموع متجها إلينا، ليفسد متعتنا بمراقبته دون أن يدري ويجعلنا نتوقف عن اللحاق بالفكرة الغامضة بترتيب متصاعد. وهنا تسقط اللذة التي تحدثت عنها لذة الاكتشاف ولذة الصمت. لقد كان العرض الأول مدهشا بحق المكان ممتلئ بالحياة ونحن نشاهد، نتماهي مع شخصيات المسرحية، ثم كما غمرتنا الحياة فجأة ينقلنا الانفجار إلى الموت دون أن ننسى الحياة. تفزع قلوبنا لندرك أي يد آثمة قتلت من لا ذنب لهم، وبعدها قد نتساءل عن هؤلاء بطريقة ثانية وثالثة ورابعة، كل على حدة، "أين أنت الآن "
ملاحظة
كنت أعتقد أن العرض الصامت " أين أنت الآن" هو أول عمل من نوعه في اليمن لكن الذي يتتبع حركة المسرح في اليمن وفي عدن خصوصا سيجد أن هناك عروضا صامتة قدمت وإن كانت قليلة.
كنت أعتقد أن العرض الصامت " أين أنت الآن" هو أول عمل من نوعه في اليمن لكن الذي يتتبع حركة المسرح في اليمن وفي عدن خصوصا سيجد أن هناك عروضا صامتة قدمت وإن كانت قليلة.