السبت، يناير 24، 2015

سمير عبد الفتاح: لا أواجه أحدا


في أواخر العام الماضي، تلقّى الروائي اليمني سمير عبد الفتاح (1971) نبأ وفاته الذي تناقلته مواقع إلكترونية عربية التبست عليها حياة وسيرة وصورة الكاتب المنشغل بإنجاز حكايته الخاصة، وموت كاتب مصري يحمل الاسم ذاته.
لم يُذهل "جامع الحكايات" بالموت، وهو ضيف قديم حلّ في عمله الأول "رواية السيد م" (2007) كثيمة رئيسة. فميم العنوان هو نفسه "الموت" بهيبته ورعبه وحركته الخفية. لكن ربما تصلح الشائعة كتفسير للرواية.
"الحياة ليست رواية واحدة، الموت ليس رواية واحدة"، يقول سمير عبد الفتاح لـ "العربي الجديد". ويضيف: "الموت قائم على تفاهمات يرى فيها أشخاص أنه باب لحياة أخرى، أو خلاصٌ من كل ما عانيناه في حياتنا، أو مجرّد فناء. توجد تفسيرات كثيرة للموت بمقدار ما أرهقتنا به الحياة. فقط ما ولدنا به، البكاء، يبقى الشيء الأساسي الذي يجمعنا بفكرة الموت".
ويتابع عبد الفتاح: "لذا، أي موت لا يرتبط بالبكاء والحزن يكون خارج السياق. وفي هذا الإطار كان موت الكاتب المصري سمير عبد الفتاح وإعلان وفاتي أنا نوعاً من هذه التفاهمات. وللحظة بدا الأمر حقيقياً وقابلاً للتصديق، لكن البكاء ارتفع من مكان آخر وانسحب الموت إلى الجهة الأخرى، مؤجّلاً بُكائي إلى وقت آخر".
بعد روايته الأولى، نشر عبد الفتاح ثلاث روايات، هي "ابن النسر" (ترجمت إلى الفرنسية)، "نصف مفقود" (فازت بـ"جائزة دبي للرواية" عام 2009)، "تماس - حياة أخرى". وقبل ذلك، نشر أربع مسرحيات في كتاب واحد، وثلاث مجموعات قصصية، هي "رنين المطر"، "رجل القش.. لعبة الذاكرة"، "راء البحر".
في ظلّ مُتعة الكتابة التي يعيشها، يذهب بعيداً في التلصص على موجودات لا يفقه البشر لغتها، ندخل معها في لذة حكي الهامش. تنفتح التفاصيل الصغيرة على عوالم أوسع من تصوّرنا لها ذهنياً، وتتضاءل مادة الأشياء أمام روحها المُبتكرة، في رحلة قد تبدو هروباً من الواقع بواسطة الخيال:
"لم أستطع حتى الآن وضع مقياس لتحديد ما الهامش وما المتن، ما الواقعي وما الخيالي، ما الهروب وما المواجهة. الأمر نسبي. وأنا على ثقة بأنني لا أواجه أحداً، أو أنني في معركة لدي فيها خيارات النصر أو الهزيمة؛ المواجهة أو الهروب. أكتب ما أشعر أنه يتماهى معي ومع الآخرين. قد يُنظر إليه بوصفه هامشياً، لكنه في أساسه متنٌ، والعكس".
المفهوم النسبي للسرد في أعمال عبد الفتاح يضعها في خانة تجريب ليس من أولوياته القوالب التقليدية، بينما يبدو أسلوبه كسيرة جوهرية محمّلة برؤى فلسفية صارمة. إنها مجازفة تحسب للكاتب في واقع روائي ما يزال طور تشكّله وبحثه عن قارئ؛ لكنه يعتبرها خياراً مغايراً نتج عن قراءاته القليلة للرواية اليمنية وثيماتها الأساسية، وعن إيمانه بأن على الكاتب أن يكون له مفهومه الخاص ليضيف شيئاً على ما أخذه من الآخرين. كما يرى عبد الفتاح أن "الفلسفة جزء من الحياة، جوهرها الوصول إلى العمق. عندما أكتب أدور في هذه المنطقة غير المطروقة لسدّ الفجوة التي تزيح ما نكتب جانباً".
يجيد عبد الفتاح تقديم نفسه للقارئ بما هو متاح لديه، فأعماله التي طُبعت على حسابه تجاوزت محلّيتها إلى العربية حيث فازت بجوائز، كما صدرت روايته "ابن النسر" في طبعة ثانية عن "هيئة قصور الثقافة المصرية"، وترجمت أعماله القصصية إلى الإيطالية ضمن مشروع "بيرل ديلو".
وهذا يقودنا إلى سؤال عن القارئ الذي يضعه نصب عينيه أثناء فعل الكتابة: "حين أكتب أنسى ما يحيط بي، وتكون المنافسة بين أفكاري والأوراق، أيُّهما سيصمد أكثر. لحظة الكتابة لا تسمح لأحد بمشاركتها عقل الكاتب. في مرحلة المراجعة النهائية، تظهر بعض الأفكار، مثلاً إن كان العمل سيقدَّم إلى مسابقة أدبية أو إلى دار نشر، أضيف إليه ما يجعله متّسقاً لقبوله. يخضع بعض الكتّاب لعدد من الضغوط، مثل درجة تقبُّل القارئ للنص، أو هدف إيصال رسائل ما، وبالتالي يحرصون على تجنيب أعمالهم ما يثير. حتى الآن، لا تحاصرني مثل هذه الضغوط. أكتب، وأكتب فقط".
في عام 2009، أعلن الروائيون سمير عبد الفتاح وعلي المقري ووجدي الأهدل ونادية الكوكباني تأسيس عصبة روائية تدعى "نلتقي أمساً"، ونقرأ في بيانها: "نبحث عن الجديد في السرد ونبتكره".
نشطت هذه العصبة عبر تنظيمها فعاليات، لكن الباحث عنها الآن سيجدها في حالة جمود. يطمئننا عبد الفتاح بأنها مستمرة: "أربعتنا ننتمي إلى مدارس مختلفة، جمعنا إحساسنا بأننا نستطيع معاً تقديم شيء جيد لنا وللآخرين. كنا صاخبين في البداية، وعقدنا لقاءات وفعاليات. وكنا ننوي الاستمرار في ذلك، لكننا لم نستطع تدبير موارد مالية ومقر. إلا أننا ما زلنا نحلم ونفكّر دوماً كيف يمكننا أن نطوّر أنفسنا روائياً ونُحدث نهضة في الرواية اليمنية وننقل ثقافة الرواية إلى المجتمع".

الأربعاء، يناير 14، 2015

وجدي الأهدل.. سردُ بتوقيت اليمن


رغم الازدهار الملحوظ في الكتابة الروائية في اليمن خلال السنوات القليلة الماضية، وتنوّع الأسماء والإصدارات الجديدة، إلا أن وجدي الأهدل ما زال محتفظاً بمكانه في المقدمة، أو بين الذين في المقدمة.
الكاتب اليمني (1973)، الذي بدأ تجربته الأدبية قبل نحو عقدين، تحتل أعماله مكانة لافتة بين أبناء جيله، وحتى الأجيال السابقة، من الروائيين اليمنيين الذين يشكلون حلقة السرد في البلد الذي ما فتئ يوصف بالسعيد، رغم شقائه. ذلك أن أعماله على تماس مع المجتمع، ولا تنفك عن إعمال أدواته في تشريح قضاياه. هذه القرب من بلده/ مسرح أحداثه، الذي ظهر بدءاً من روايته "قوارب جبليّة" (2002)، اضطر الكاتب اليمني إلى مغادرة البلد.
كانت "قوارب جبلية" رواية جريئة، ومفاجأةً في الأدب اليمني والعربي، لما قدمته من تأمُّل في شخصيات عنيفة ومعنّفة تفضح التابوهات الثلاثة، الديني والسياسي والاجتماعي، وتشرّحها. ومع نشرها، اتُهم الأهدل بإساءته إلى الذات الإلهية واجتمعت في إدانته سلطات التابوهات الثلاثة، ما اضطره إلى السفر إلى لبنان هارباً ومنفياً.
لم يطُلْ منفى الأهدل في لبنان. وربما يكون للحظ دور كبير في إعادته إلى بلاده. فقد تزامنت حكايته مع الزيارة اليتيمة للروائي الألماني غونتر غراس إلى اليمن في العام نفسه. وكان صاحب "نوبل" (1999)، قد أعلن رفضه تسلّم وسام استحقاق تقدم به الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حينها، إن لم تحل مسألة الأهدل. لم يتوقع أحد من المثقفين العرب الحاضرين أن يقوم غراس بهذه المبادرة. هكذا، وجد صالح نفسه محرجاً ومضطراً إلى أن يعطي الأهدل الأمان والإذن بالعودة إلى وطنه استجابةً لطلب صاحب "طبل الصفيح".
عن هذه الحادثة والأثر الذي خلّفته الرواية لدى الكاتب، يقول الأهدل، في حديث مع "العربي الجديد": "أوّل ما تركت فيَّ الرواية من أثر هو إدراك القوة الهائلة للأدب. بمعنى أن المجتمع اليمني يبدو لامبالياً بالثقافة والآداب والفنون، أو كما أسمّيه، مجتمع نائم ثقافياً؛ فهو يحتاج أحياناً إلى أعمال فنية وأدبية توقظه من هذا السبات. بالطبع، تختلف ردود الأفعال. هناك مَن سيشكرك على إيقاظه من نومه لأن لديه موعداً مع المستقبل، وهناك من سيلعنك لأنه كسول وخامل وليس لديه شيء يفعله في الحاضر أو المستقبل".
بعد عودته السريعة وغير المتوقعة، أصدر الأهدل روايته الثانية "حمار بين الأغاني" (2004)، وحملت إهداء إلى غونتر غراس: "أشكرك أيها العزيز لأنك أنقذتني من ويلات المنفى وأعدتني إلى بلدي حراً طليقاً". يوافق الكاتب على أن عالم هذه الرواية السردي يتشابه مع "قوارب جبلية"، ويبدو كأنه تكملة لفراغاتها ومحاولة للانعتاق من صدمة تداعياتها. يوضح الأهدل: "أنا مدين لغونتر غراس بعودتي إلى وطني، وتالياً باستكمال مشروعي الكتابي. لقد جرّبت الإقامة في المنفى، ووجدت أن اقتلاع الإنسان من جذوره يترك تشوّهات في الروح لا يمكن ترميمها، كما أن المؤلف الروائي ـ وهذه وجهة نظر قد لا تنطبق على الغالبية ـ يحتاج إلى الاحتكاك اليومي بواقعه ليتمكن من الكتابة عنه".
تزوّدنا أعمال الأهدل بمعرفة عميقة بالمجتمع الذي كُتبت عنه، إذ تقدّم صورة للعلاقة القِيَمية بين البشر بطبقاتهم المتمايزة، وتكشف تلازم ثنائيات السياسي والمتديّن وما يربط بينهما من "رغبة السيطرة والاستحواذ على المُجتمع". إذ يعتقد صاحب "أرض بلا ياسمين" أن آباءنا وأجدادنا ومن كانوا قبلنا بمئات السنين "هم مسلمون أفضل منّا. لم يكونوا بحاجة إلى هذه الوصفة العصرية المسماة التديُّن. يسعى المتديّن في عصرنا إلى تمييز نفسه عن الآخرين لإظهار فضيلته وأفضليته على غيره. وهو في هذه الحالة يتشبّه بالسياسيين الذين يسعون إلى إظهار مزاياهم للعامة لأغراض معروفة".
يَرِد المكان في أعماله القصصية والروائية، التي تكتسب في معظمها طابعاً بوليسياً غرائبياً، كبطلٍ موازٍ لبطولة شخصياته الروائية التي يكون مصيرها عادة إما الهروب أو الاختفاء. يقف خلف هذين الخيارين خيط سردي يربط بين مكانين. أما زمن الأهدل فطويل، وتبدو فيه الساعة كما لو أنها توقفت أو على وشك أن تتوقّف.
ونستدلّ في التفاصيل التي يسردها بلغة مكثفة على صفحات قليلة مُحمّلة برمزية، ليست مُغرقة في غموضها، على رؤية لوظيفة السرد في كشف القيم الزائفة للمجتمع من دون مواربة: "مهمة الأدب تكمن في تهذيب الروح الإنسانية. إنه أهم أداة اخترعها الإنسان ليتطهّر من نوازعه الوحشية وردود فعله العنيفة. القارئ الشّغوف بالأدب لا يمكن أن يكون متعصباً أو متصلباً في آرائه، أو جامداً ومنغلقاً. كلما تقدّم أكثر في قراءة الأدب كلّما صار أكثر تسامحاً وانفتاحاً على الشعوب والحضارات الأخرى".
يمكن اعتبار الأهدل محظوظاً من ناحية ترجمة بعض قصصه ورواياته إلى الإسبانية والكورية والروسية، فترجمت "قوارب جبلية" إلى الفرنسية، و"حمار بين الأغاني" إلى الإيطالية، و"بلاد بلا سماء" إلى الإنجليزية.
وردّاً على سؤالنا حول ما إذا كان يضع في اعتباره الترجمة أثناء كتابة رواياته، يؤكد الأهدل أن "من يكتب لتُترجَم أعماله غبيّ. التقدير الحقيقي لأي كاتب يبدأ من مجتمعه، وعليه أن يضع في حسبانه فقط الأمة التي يكتب بلغتها. في ما يتعلق بأعمالي التي ترجمت، فإنني أراها غريبة عني، وأنها تنتسب للمترجم أكثر ممّا تنتسب إليّ. بمعنى أن الأسلوب لم يعد يخصني، وإنما يخص المترجم. وعمّا تحققه تلك الترجمات، ليس بإمكاني الجزم بشيء محدد: الأزمنة الثقافية ليست كلها بتوقيت غرينتش! نادراً ما يتمكن روائي من أن يتزامن مع عصره. والروائي الذي يفعل ذلك سوف تحقق كتبه مبيعات جيدة".
يعود الأهدل حالياً إلى عالم القصة القصيرة الذي انطلق منه. وكان قد أصدر أربع مجموعات قصصية، أوّلها "حرب لم يعلم بوقوعها أحد"، عام 2001، تبعتها ثلاثة أعمال أخرى. صدرت أخيراً طبعة جديدة من روايته "فيلسوف الكرنتينة"، التي افتتحت بها "دار كيكا" إصداراتها. كما أن روايته "بلاد بلا سماء"، بنسختها المترجمة، حصلت على جائزة "سيف غبّاش ـ بانيبال" عام 2012.

مترجمو اليمن على جانب الطريق

تضم المكتبة اليمنية منجزاً متناثراً من الكتب المترجمة، نقلها مترجمون يمنيون من اللغات الأخرى إلى العربية، بدءاً بترجمات عبد الله فاضل فارع، وأشهرها مجموعة "رجال بلا نساء" القصصية التي ترجمها للروائي الأميركي إيرنست همنجواي، ثم كتاباً آخر في أدب الرحلات للكاتب البريطاني تيم ماكنتوش سميث عنوانه "اليمن؛ رحلة المتيم المهووس في بلاد القاموس".
هناك أيضاً ترجمات قام بها مُهتمون لمؤلفين قضوا جزءاً من حياتهم في اليمن ضمَّنوها آراء حول المجتمع والصراع السياسي، مثل كتاب العالم توركيل هانسن "من صنعاء إلى كوبنهاجن"، بترجمة محمد أحمد الرعدي، وكتاب أريك ماكرو "اليمن والغرب 1917-1962" للمترجم حسين عبد الله العمري.

وعن مشقة الترجمة يبين أستاذ الترجمة في جامعة صنعاء عبد الوهاب المقالح "يُجالد في فعل يضيف لحياته معنى" كما عبَّر لـ "العربي الجديد"؛ أثمر نحو 25 كتاباً نقلها عن الإنجليزية في الشعر والرواية والفلسفة والدراسات؛ منها "الرحلة الداخلية" لأوشو، "حكايات من تركيا"، "مقولات يوغا بتنجالي"، "موسيقى الهند" لـ ريجنالد ماسي وجميلة ماسي، والرواية الشهيرة التي تحولت إلى فيلم لاحقاً "صيد السلمون في اليمن" لبول ترودي، ورواية "الأرامل" للتشيلي إيرين دورفمان، وترجمات لشعراء عالميين تحت عنوان "بيت بجانب الطريق"، وعن اليمن ترجم كتاب "بعثة الأربعين الشهرية 1947" لـ كيفين روزر.
معظم الأعمال التي ترجمها المقالح هي التي اختارته لترجمتها بقدر ما أثّرت به، يقول المقالح، وقد تبنت جهات حكومية طباعتها، لكن هذا لا يمنعه من انتقاد "سياسات تتعامل وفقاً لما يفرضه الحال من دون استراتيجية واضحة". وهذا في رأيه "يفقدنا التواصل مع العالم، فاليمن البلد المليء بالأسرار القادر على إدهاش من يقصده. كل ما كُتب حوله، مرفوع على أرفف المكتبات العامة كزينة، ولا أحد يهتم".
في السياق ذاته، يرى مترجم رواية "لأنني أحبك" للفرنسي غيوم ميسو، الكاتب الشاب محمد عثمان أنّه: "من الصعب إيجاد مترجمين محترفين، يكرسون وقتهم وجهدهم للترجمة"، ويرد عثمان هذا إلى أسباب مختلفة، مثل مكانة الثقافة في الفلسفة العامة للمجتمع، والسياسات التعليمية، مضيفاً أن الفلسفة العامة بشقيها الرسمي والمجتمعي تقاوم وجود مترجمين وتقاوم حتى الحاجة لوجودهم".
كما يرى الناقد والمترجم الشاب بشير زندال مشكلة الترجمة في افتقارها لوجود "دور نشر تهتم بالكتاب المترجم، وإلى هيئات ومؤسسات رسمية داعمة بخطط واضحة، توفر ما يترتب على الترجمة من حقوق لدار النشر الأجنبية، وللمترجم، ولا تؤخذ منه كما تفعل دور النشر اليمنية".

"أنا نجوم ابنة العاشرة": خطوة خديجة السلامي


من باب السينما الروائية أطلّت هذه المرة مخرجة الأفلام الوثائقية اليمنية خديجة السلامي (1966)، بشريط بعنوان "أنا نجوم ابنة العاشرة ومطلّقة"، وهو يحكي قصة واقعية عن فتاة يمنية تُدعى نجود، زوّجها أهلها في سن العاشرة. وقد حصد العمل جائزة أفضل فيلم روائي في المسابقة الرسمية لجوائز "المُهر العربي"، خلال الدورة الحادية عشرة من "مهرجان دبي السينمائي الدولي" التي اختُتمت نهاية الشهر الماضي.
ألهمت قصة نجود الحقيقية الفتيات القاصرات للخلاص من واقع فُرض عليهن، وأعادت النقاش حول العادات والتقاليد اليمنية وقوانين تحديد سنّ الزواج، بعد ذهابها شخصياً إلى المحكمة، في العام 2008، لتحقّق مطلبها بالطلاق من زوج يكبرها بعشرين عاماً، بمساعدة محامية قابلتها صدفة لدى القاضي. وقد لاقت تفاصيل القصة صدى واسعاً في وسائل الإعلام العربية والعالمية، كما روتها نجود، بمشاركة الصحافية الفرنسية دلفين مينوي، في كتاب بعنوان "أنا نجود ابنة العاشرة ومطلّقة" الذي صدر في العام 2009، وترجم إلى لغات عدة، بينها العربية. وقد اقتبست المخرجة السلامي فيلمها عنه.
تجدر الإشارة هنا إلى أن قصة بطلة الفيلم، نجوم، تتقاطع مع قصة خديجة السلامي نفسها التي أُجبرت على الزواج في سن الحادية عشرة من رجل مسنّ، كما تقول سيرتها المعروفة. وبالتالي، يأتي العمل ليخدم قضية المُخرجة في الدفاع عن المرأة وقضاياها.
في حديث مع "العربي الجديد"، تقول السلامي: "فكرة الفيلم جاءت بعد علمي أن مخرجة فرنسية تقدّمت لشراء حقوق كتاب "أنا نجود ابنة العاشرة ومطلّقة" الذي صدر باللغة الفرنسية، من أجل تحويله إلى فيلم يصوُّر في المغرب. وبدافع قلقي من طرح الموضوع من وجهة نظر تجهل بيئة القصة وواقعها، عرضتُ على شركة النشر شراء الحقوق. وبعد نقاش طويل، اقترحوا عليَّ إشراكهم في إخراج الفيلم وتصويره في المغرب، وهو ما رفضته لأنه إذا لم يجرِ التصوير في اليمن ومع ممثلين يمنيين فإن الفيلم سيفقد روحه. اقتنعوا بذلك ونفّذتُ طلبهم بأن يشاركني في الإنتاج شخص فرنسي. وقد واجهتُ صعوبات كثيرة في البحث عن تمويل، إلى أن وجدته بعد عامين".
كابدت المخرجة السلامي مشقَّات في مراحل أخرى من تصوير الفيلم داخل بلدها، في ظلّ انعدام إمكانات صناعة السينما في اليمن، ورغبتها في إنجاز شريط ينافس في المهرجانات العالمية: "كانت تجربة مريرة وصعبة من البداية حتى النهاية، نظراً إلى المشاكل اليومية الكثيرة التي اعترضت سبيلنا. فقد طُردنا من بعض المناطق ورحِّب بنا في مناطق أخرى. وسبّب عدم توفر الكهرباء والديزل في اليمن مشاكل كثيرة، فضلاً عن الجانب الأمني الذي أعاق صناعة الفيلم. لم تكن لدي رفاهية المخرج الذي يركّز فقط على الجانب الفني والإبداعي، بل كان عليَّ البحث عن حلول لجميع المشاكل خلال التصوير، وهو ما شغلني مراراً عن التركيز على عملي كمخرجة. لكن رغم ذلك أنجزنا الفيلم، وتعلّمتُ أشياء سأعمل على تفاديها في أفلام قادمة".
وبالعودة إلى أعمالها السابقة التي تجاوزت 25 شريطاً وثائقياً، لطالما انتُقدت السلامي على تقديمها الجانب السلبي في اليمن. فالوثائقي "أمينة" الذي اشتهرت به يحكي قصة سجينة يمنية محكومة بالإعدام، وقد أثّر لاحقاً في تغيير مسار القضية. تلاه "الوحش الكاسر" بموضوعه الكاشف للفساد الإداري في اليمن، ثم "الصرخة" الذي سلَّط الضوء على دور المرأة، غالبة ومغلوبة، في ثورة 2011. لكن المخرجة ترى أن ثمة إيجابيات في أفلامها، تكمن خصوصاً في "كسر حاجز الخوف الذي تحكّم (وما يزال) ببعض الكتاب والصحافيين، من خلال تطرّقي إلى موضوعات تعتبر حسّاسة وجريئة داخل مجتمع يفترض به أن يكون قبلياً ولا يتقبل التغيير. لقد وجدتُ العكس، فالمجتمع اليمني لديه الرغبة في التغيير والقابلية للتطور والانفتاح والنقاش وتصحيح أوضاعه السيّئة".
تضيف المخرجة، في محاولة لتخفيف الصورة التي تعكسها أعمالها: "معظم أفلامي تتّسم بطابع إنساني واجتماعي، لأنه يصبّ في دائرة اهتمامي ويؤثر بي. البعض الآخر أفلام حول الآثار في اليمن، المعمار، الطبيعة، الجانب التاريخي، وهي مواضيع أعتبرها مهمة، وأحرص من خلالها على التعريف ببلدي. اليمن، مثل جميع بلدان العالم، له ميزاته وعيوبه. هناك ما نفتخر به وما يزعجنا، ويجب على كلّ من لديه إحساس بالمسؤولية ألا يتردّد بالإصلاح، كلّ في تخصصه".
مع فيلم السلامي الأخير تتقدّم السينما اليمنية، وإن ببطء، خطوةً إلى الأمام؛ سبقه في ذلك فيلم اليمنية البريطانية سارة إسحاق، "ليس للكرامة جدران"، الذي رشّح لمسابقة الأوسكار بداية هذا العام. يضاف إليهما فيلم اليمني البريطاني الآخر بدر بن حرسي، "يوم جديد في صنعاء القديمة" (2005)، الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي في "مهرجان القاهرة الدولي". تجارب أسهمت مع أفلام أخرى، ازدهرت صناعتها في الأعوام الأخيرة، في تثبيت دعائم صناعة السينما في اليمن.
وحول هذه النقطة، تقول السلامي: "من خلال تجربتي، أقابل وأتعرّف إلى الكثير من الشابات والشباب الموهوبين الذين يعملون في هذا المجال، وهم بحاجة إلى دعم وتشجيع. آمل الكثير من وزيرة الثقافة الجديدة أروى عثمان التي تدرك جيداً أهمية هذا النوع من الفن وكيفية دعم الجيل القادم في الابتكار والإبداع".

اليمن.. عام الرواية وذوبان الدولة



وسط نشاط مُكابر لمؤسسات ثقافية أهمَلت انهيارات السياسة وأصوات الحروب في اليمن واستمرت تقدّم شيئاً. ووسط مشهد مسرحي مُقلّ، وحضور خجول لبعض المعارض القليلة لفن التشكيل، من بينها معرض "أبيض" للفنانة آمنة النصيري، تستمرّ الحركة الدؤوبة للروائيين اليمنيين، التي بدأت منذ سنوات، في محاولة لإنجاز رواية يمنية تنافس على الصعيد العربي.
إذ صدر هذا العام ما يزيد عن 12 رواية لروائيين مثل مروان الغفوري، علي المقري، سمير عبد الفتاح، جمال حسن، محمود ياسين، الغربي عمران. روايات نافست وتُنافس على جوائز الرواية العربية، واستطاعت أن تجتذب قارئاً يمنياً وعربياً أيضاً. هذا إضافة إلى ظهور أصوات شعرية جديدة برزت في الساحة العربية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي قرّبت المثقفين العرب من بعضهم.
وفي ما يتعلّق بالسينما، فقد فاز الفيلم السينمائي "أنا نجود ابنة العاشرة ومطلقة" للمخرجة خديجة السلامي بجائزة "المُهر العربي" في "مهرجان دبي السينمائي" كأفضل فيلم روائي طويل، والذي طرحت فيه السلامي قضية الزواج المبكر. كما وصل فيلم "ليس للكرامة جدران" الذي يرصد أحداث ثورة 2011، لمخرجته سارة إسحاق، إلى ترشيحات الأوسكار.
على صعيد المسرح، تواصل فرقة "خليج عدن المسرحية" للمخرج عمرو جمال تصدّر المشهد المسرحي في اليمن، وجاء عرضها "صرف غير صحي" لافتاً في بحثه في أخطاء ما بعد ثورة فبراير 2011.
أما على المستوى الرسمي، فقد غلبت هزّات السياسية الفعل الثقافي المؤسساتي، إذ عجزت الدولة، ممثّلة بوزارة الثقافة، عن توفير الميزانية اللازمة لإقامة المهرجانات السنوية، مثل "مهرجان المسرح اليمني" الذي يتزامن مع يوم المسرح العالمي من كل عام. كما ألغت إقامة "معرض صنعاء الدولي للكتاب" الذي يقام عادة في أيلول/ سبتمبر. وأوقفت إصدار مجلة "الثقافة" الوحيدة التي تنشرها الوزارة، وبدت بعض الفعاليات المُتفرقة لها مجرّد إسقاط واجب ليس إلا.
في المقابل، استطاعت المؤسسات الثقافية الخاصة تغطية جزء من الفراغ الذي تركته الدولة، وبرزت "مؤسسة الإبداع" التي تقيم فعاليات متنوّعة كل اثنين، و"مؤسسة بيسمنت الثقافية" بفعالياتها اليومية المتنوّعة بين ندوات وعروض أفلام وموسيقى، و"مركز الإعلام الثقافي"، و"مؤسسة السعيد" في مدينة تعز، و"مؤسسة الرصيف الثقافية" المثابرة على فعالياتها الأسبوعية، و"منتدى الهيصمي" في مدينة عدن. وما يميّز هذه المؤسسات هو الاستمرارية في نشاطها، غير أنها ما زالت تفتقر إلى الأفكار النوعية والمؤثّرة في ما تقدّمه.
يمكننا القول إن عام 2014 الثقافي في اليمن، عام إنجازات الأفراد التي تبدو خارجة عن السياق. ففي حالة اليمن أيضاً، يمكن دعم موقف القائلين إن الثقافة مرتبطة بالمجتمع لا بالمؤسسة الرسمية وتجد لنفسها طرقاً للعيش، وهذا لا يعني أن حالة الاحتراب واللااستقرار السياسي لم تأخذ الأدباء بعيداً عن الكتابة الإبداعية باتجاه الموقف السياسي.


قصيدة النثر اليمنية.. أقدام تتهيأ لركل المديح





بدأت قصيدة النثر في اليمن تأخذ مكانتها كخيار لكثير من شعراء التسعينيات. تبع هؤلاءَ جيلُ الألفية الجديدة من شعراء شباب اشتد عودهم وباتوا معروفين في الساحة الشعرية بفضل انفتاح الفضاء الإلكتروني على التجارب العربية الشابة الأخرى.
ولد إبداع التسعينيين في ظروف تاريخية تزامنت مع إعلان الوحدة اليمنية عام 1990، وما أعقب ذلك من حراك ثقافي عام انعكست حيويته على الحركة النقدية التي أثرت تلك التجارب الشعرية بالقراءات والأبحاث والندوات. ومع مرور الوقت تغيّر الشرط التاريخي الذي عاشه المثقف اليمني في تلك الفترة، ودخلت البلاد في متوالية من الصراعات والحروب بدءاً من الانفصال جنوباً، والتمردات شمالاً، وصولاً إلى الثورة وما نجم عنها.
كان متوقعاً أن تظهر رضوض هذا العنف على المشهد الشعري وأن ينقسم أهله؛ فمنهم من هجر الشعر إلى الكتابة السياسية، فيما اتجه آخرون إلى كتابة الرواية كنوع قادر على تناول هذه اللحظات المعقدة وربما إعادة إنتاجها سردياً. أما القليل فقد ابتعد واكتفى بالمراقبة. في هذه الأثناء ظهر جيل من كُتّاب القصيدة الجُدد.
الشاعر محمد الشيباني (1968)، الذي يستعد لإصدار ديوانه "أقدام تتهيأ لركل المديح"، يبيّن: "كان حلم جيلنا بحجم حلم اليمنيين كلّهم، غير أن انهدام المشاريع الكبرى وحلم الوحدة جعلا من الانسحاب خياراً مفتوحاً أمام الشعراء والمبدعين عموماً. وشكّل تراجع المشروع الثقافي، في الوقت الذي يتقدّم فيه السياسي بكل نتوءاته وجنونه، عائقاً جديداً أمام الحضور الإبداعي الأدبي بشكل عام والشعري على وجه الخصوص".
ويشير صاحب "نهار تدحرجه النساء" إلى أن تغيُّر تراتبية الأجناس الأدبية، خلال العقدين الماضيين، "أطاح بالشعري من على رأس سلم الحاجة الجمالية"، مضيفاً أن "نخبوية الشعر ساعدت في تراجع جماهيرية الشاعر، ما أتاح لفنون أخرى أن تحفر مواقعها الأمامية في مساحة التلقي ذاتها التي كان الشعري يحققها سابقاً. لهذا، فإن تراجع الاهتمام بالكتابة الشعرية أمر لم يعد مستغرباً".
وعلى وقْع المفاضلة بين جيل وجيل، والجدل حول أسئلة الاستمرارية ومآلات التجارب السابقة، تشكَّل المشهد الشعري الجديد في اليمن، ونالت قصيدة النثر النصيب الأكبر من ذلك السجال. ويجمع النقاد على تميّز تجربة شعراء "الألفية الجديدة" عمّن سبقهم.
يرى الناقد علوان الجيلاني "أن الجيل الحالي من شعراء النثر يكتبون قصيدتهم بتمكّن من لم تشتته معارك الحق والباطل. فكانت تجاربهم ناضجة وغير متشابهة".
كما يؤكد الناقد عبد الرقيب الوصابي على أن كتاب قصيدة النثر "تجاوزوا دوافع أجيالها السابقة في الاختلاف أو الهروب من الالتزام بالوزن ليكتبوها بوعي واضح، ساعدهم في ذلك انفتاحهم على عالم الفضاء الرقمي وما أتاحه لهم ذلك من فرص التعايش مع نصوص الآخر".
ويتفق الوصابي مع الناقد الجيلاني في أنه "رغم اكتمال قصيدة النثر كتابةً لدى جيلها الحالي، غير أنه ينقصها المواكبة النقدية، فتعليقات الفيسبوك السريعة أصبحت نقداً بديلاً"، مشيراً إلى أنه "ومثلما يقلل هذا من أهمية النشر الورقي لديهم، يقلل كذلك من أهمية الكتابة النقدية عن تجاربهم".
من جهته يضيف الناقد إبراهيم طلحة سبباً آخر لتميز تجارب الشعراء الشباب في اليمن: "لقد باشروا كتابة قصيدة النثر من دون أن يسبق لهم كتابة الأشكال الأخرى. وعلى مستوى اللغة استطاعوا توظيف لغة شعرية افتراضية إلى جانب اللغة الشعرية الواقعية. وتطرقوا إلى ثيمات تتفاعل مع الواقع المؤلم من وجهة نظر خاصة. كأنهم يسعون من خلالها لإيجاد عالم متوازن يستبدل الحرب بالحب والطلقة بالوردة".

قصائد لشعراء من الألفية الجديدة

تغلق هاتفكَ!/ وقلبكَ مفتوحٌ للجميع/ حتّى أنّه ومن مكاني/ كنتُ أرى خلال قفصك الصّدري بوضوح/ وجه كلّ امرأةٍ قبّلتها/ قبل أن تنام/ وإلى اليوم../ تقف عند رائحتها/ في يدكَ وردةٌ/ وبالأخرى تحمل جسدكَ/ حياتكَ غادرتكَ بعيداً/ الوردة كبرت/ وصار لها تعب.. يُشبهك/ ويقولكَ أكثرَ منك/ وأنت ما زلت/ تنتظر/ أن تستيقظ.

جلال الأحمدي
***
تستمعين لنشرة أخبار التاسعة/ وتسارعين بعدها إلى قص شعرك/ تظنين أن هذا سيجعل من العالم مكاناً أقل خطورة/ لم تفكري للحظة في أن بياض عنقكِ قد صار مكشوفاً/ وأصبح الآن في متناول أي شفةٍ متعطشة للحرب أو للنزوح/ تعدمين ضفيرتك/ ولا تنتبهين حتى لأولئك المتشبثين بجدائلها/ أولئك الذين ظنوا بأن ثمة أملاً في النجاة/ وصمدوا حتى موجز أحوال الطقس.

قيس عبد المغني
***
كلاهما يستخدمان الفيسبوك لذات الغرض/ الأول لديه أبقار يعتني بها/ والثاني لديه قصائد عجاف/ الأول لديه أرض يزرعها/ والثاني لديه غراميات قاحلة/ الأول لديه بيض ديناصور/ والثاني لديه شعارات منقرضة/ الفارق الوحيد أنّ مزرعة الثاني لم تكن "سعيدة" على الإطلاق.

عبد الرحمن الزراف
***
أنا آخر فرصة لديكِ لتحبيني/ في يدي فكرة سمراء عن الحب/ وعلى الرفِّ سماء/ أثبّتُ سحابةً بمشبك شعرك البعيد/ وأمطرُ/ أعلّق بحراً صاخباً على الحائط/ وأدعوكِ للرقصِ/ أمسك الموسيقى من يديك/ وأنتظرك في الأزرق العائد وحيداً منكِ/ أنتظركِ/ في قعر الياسمين الواقف/ ننتظرك/ أنا وصمتي المرتبكُ/ كجندي أخير/ أنا صمتي المرتبكُ/ كجندي أخير/ أنا نافذتي المكسورة/ لأراكِ/ أنا فرصتكِ الوحيدة/ لتحبيني.

أحمد العرامي
***
لماذا لا نفعل ما نستطيع فِعله في هذا العالم/ ثم نصمت../ ..هاتوا لي/ أول من ابْتَاع بالثرثرة طَعَاماً/ ثم سَمَحَ لكل هؤلاء الغوغاء/ ليعرضوا ضمائِرَهُم في المزاد/ هاتوه لي../ سأجرده من ملابسه/ وأوكل لكم القيام بمهمة الانتصار/ لكل هؤلاء الناس/ الذين يَقْتَعِدون في الشوارع دون أغطية/ وينامون دون سقوف/ ويَجِدُونَ حياتهم - فقط - في الأحلام.

ريان الشيباني
***
وحين أكتب على الحائط:/ إنني لا أحب الرمان الصعدي/ وأكره الحرّاس/ تأكدي/ بأن لا علاقة لأحد بقصتنا!/ وإن قلت: أكره الكاتيوشا/ فليس معنى ذلك/ بأن عينيك ليستا سجادتي صلاة/ أحبك../ لا يمكن للشمس/ أن تثبت حبّها لخدين ناعمين/ لأن الفراشة التي أنقذتها/ من عامل الحديقة/ قالت: أحبك/ كأي دمية بجناحين ملونين/ قلت حينها كلاماً كثيراً/ عن الفراشات التي تنتحر وتموت بحضن المصباح/ قلت أيضاً: رائحة حبيبتي تشبه العطر المخبأ بأكمام وردة/ وقلت بعد حين من الكلام: إنك لعنتي الوحيدة!/ أظن بأني بحاجة لأن أصرخ في أذنيك الخاليتين من الأقراط الذهبية: إني عاشق سيئ الحظ/ ونهاياتي دائماً سيئة!

محمد عبيد


العمارة اليمنية.. قصة تهديد معلن




قد تحيلنا المدن اليمنية القديمة، بتجاور مبانيها وزخارفها وأسواقها وشوارعها، إلى إحدى المدن العربية الإسلامية القديمة. لكن عمارتها تكشف عن هوية فريدة، أساسُها توافُق البناء، الذي يستمد عناصره من الطبيعة المحيطة، مع تقلّبات المناخ على مدار السنة.
باتساع الجغرافيا اليمنية، تقفُ تلك المُدن شاهدة على مَراحل مختلفة من تاريخ اليمن، إذ يعود بناء بعضها إلى القرن الأول الميلادي، مثل "صنعاء القديمة"، وإلى القرن السابع الميلادي، مثل مدينة "شبام حضرموت"، وإلى القرن الثاني الهجري، كمدينة "زبيد". ونظراً إلى أهمية هذه المُدن الثلاث، أُدرِجت على قائمة التراث العالمي باعتبارها نماذج للعمارة اليمنية التي تتنوّع وفقاً لمناطق نشأتها.
حول هذا الموضوع، تقول أستاذة العمارة في كلية الهندسة بصنعاء، ومؤلفة رواية "صنعائي"، نادية الكوكباني، لـ"العربي الجديد": "لم تكن العمارة اليمنية التقليدية ذات سمات واحدة لأنها ترتبط مباشرة بالوظيفة، ما أثّر عليها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والجمالية، وبالتالي على تصميم الفراغ الداخلي والشكل الخارجي.
ففي عمارة مدن شبام حضرموت، وتريم، وسيئون، وصعدة، يُستخدم الطين المناسب، اتقاءً لحرارة الجو، ومواد بناء متوافرة في المنطقة. وفي مدن صنعاء، ويافع، وجبلة، وحراز، يستخدم الحجر المناسب تفادياً لأجوائها الباردة. أما مدينة زبيد فيستخدم الطين كونه ملائماً لمناخ المناطق الساحلية الحارة وشحيحة الأمطار".
ورغم تعاقب القرون عليها، ظلت العمارة اليمنية محافظة على ملامحها التقليدية. إلا أن زحف الطراز المعماري الجديد، يدفع بعضها في اتجاه معاكس للثقافة الموروثة، ويشكّل تهديداً للهوية. وفي هذا السياق، توضح الكوكباني: "منذ قيام ثورة 1962، ظهر معماريون يرفضون القديم لمجرد أنه قديم، من دون التفكير في الهوية الفريدة للعمارة اليمنية. ومنذ تلك الفترة، بدأ الانسلاخ والتخبط بين قديم وحديث. أما مرحلة العولمة الحالية فظهر تأثيرها على العمارة الحديثة من حيث الشكل ومواد البناء؛ إذ استُخدمت مواد جديدة، مثل الزجاج والألمنيوم. وهذا يؤثّر على الهوية المعمارية، وإن بقيت تعتمد، في بعض جزئياتها، على مواد بناء تقليدية، كالحجر".
على مدى السنوات الماضية، اتُّهِم المسؤولون عن الحملات الرسمية التي من المفترض بها الحفاظ على المُدن التاريخية، بالإهمال والفساد، بل بالمشاركة في الإضرار عبر مشاريع الترميم. وقد تزامن ذلك مع تهديد اليونسكو بشطب هذه المدن من قائمة التراث العالمي، كما حدث لمدينتي صنعاء وزبيد.
وتعتقد الكوكباني أن فشل هذه الحملات يعود إلى عدم إشراك المجتمع: "نحتاج إلى البحث عن كيفية حماية الهوية المعمارية في إطار المجتمع باعتباره المسؤول الأول، وذلك عبر رسم سياسات ترفع مستوى الوعي المجتمعي ليكون مساعداً للخطط التي تضعها الجهات المختصة، وتشمل منظومة من الإجراءات والقوانين".


كاتبة من جيل التسعينات وزيرة للثقافة في اليمن






قبل ساعات من تعيينها وزيرةً للثقافة في اليمن، كانت الناشطة والكاتبة أروى عبده عثمان تواصل خوض معاركها ضد جماعات العنف والتحريم.
موقف سيكون له تأثير على أدائها في مَهمة جديدة ستنقلها من ميدان المعارضة إلى كرسي السلطة، خصوصاً أن جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) التي تعارضها بشدة أصبحت لها اليد الطولى في صناعة القرار السياسي اليمني.
الوزيرة الآتية من الوسط الثقافي، ستكون أول امرأة في المنصب الذي جرت العادة أن يشغله الرجال، وستواجه اختباراً تكون فيه مسؤولة عن إحداث فارق في حياة ثقافية كثيراً ما اشتكت من ركودها.
عُرفت عثمان، التي تحمل إجازةً في الفلسفة من جامعة صنعاء، ككاتبة قصة، وتُعدّ واحدةً من كتَّاب جيل التسعينيات. صدرت لها ثلاث مجموعات قصصية: "يحدث في تنكا بلاد النامس"، و"جودلــة"، و"رباط الجزمة".
وهي كتابات تأثرت باهتمامها بالتراث، الذي نشطت في مجاله لاحقاً عبر إنشائها "بيت الموروث الشعبي"، المَعني بتوثيق التراث الشعبي بتعدّده وثرائه.
أما مقالاتها فاختصت بالدفاع عن الفن والتراث والحريات. في فبراير 2011 تصدّرت "الناشطة" أروى عبده عثمان صفوف المظاهرات المناوئة لنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح والمطالبة بإسقاطه، وشكَّلت في الوقت ذاته جبهة معارضة من الداخل، لما اعتبرته أخطاء ارتكبتها الأحزاب وحلفاؤها المؤيدون للثورة، في إدارة ساحات الاعتصام ومحاولات كبح عفويتها، ما عرَّضها للاعتداء من قبل جنود مؤيدين، تقدموا لها لاحقاً مع سياسيين بالاعتذار علناً على منصة ساحة التغيير بصنعاء.
 في عام 2013 اختيرت  ضمن قائمة المجتمع المدني، كعضو في "مؤتمر الحوار الوطني - فريق الحقوق والحريات". حصلت عثمان على جائزتين في المجال الحقوقي؛ الأولى من "مؤسسة مينيرفا – أنّا ماريا ماموليتي" الإيطالية في عام 2011، لدورها في النشاط الثقافي والحفاظ على التراث والدفاع عن حقوق المرأة، والثانية "جائزة آليسون دي فورج" للنشاط الحقوقي الاستثنائي لـ 2014، منحتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية.


اليمن إذ يودع حياته الثقافية



قبل عقد من الآن، عرفت صنعاء ما يشبه حلماً ثقافياً. مع إعلانها عاصمة للثقافة العربية عام 2004، عاشت المدينة حراكاً ثقافياً افتتحت فيه بيوت ومراكز فنية، وطبعت عشرات الكتب، وأقيمت مهرجانات عديدة وندوات ثقافية واحتفالات فنية، كما ارتفعت أعداد القراء الذين يتوجهون إلى المكتبات العامة، واعتمدت كذلك مخصصات مالية للفنان والأدباء سعياً إلى دعم مشاريعهم. اليوم، يتذكر المشتغلون بالثقافة تلك المرحلة بأسىً، في وقت تمر فيه مفاصل الحياة الثقافة اليمنية بفترة ركود، أو فترة "سدّ رمق"، حسب تعبير وكيل "الهيئة العامة للكتاب"، الشاعر أحمد العواضي.
في الفترة الأخيرة، جرى تأجيل عقد الدورة الثلاثين من "معرض صنعاء الدولي للكتاب" عن موعده السنوي (29 أيلول/ سبتمبر)، لعدم توفر التمويل اللازم لـ"الهيئة العامة للكتاب" التي تنظمه.
وفي الوقت الذي ما زال القراء والمشتغلون في حقل الثقافة في البلد يأملون في أن يقام المعرض قبل نهاية العام، لا يمكن النظر إلى هذا التأجيل إلاّ بوصفه إلغاءً، في ظل غياب التمويل اللازم للهيئة التي بالكاد تسمح موازنتها بالإنفاق على رواتب موظفيها والخدمات الأساسية.
وإن كان التأجيل أو الإلغاء قد لحقا بالمعرض، فقد سبقه على هذا الطريق كثير من الفعاليات الثقافيّة التي كانت سنويّة في ما مضى، مثل مهرجان الشاعر عبد الله البردوني، وجائزة اتحاد الأدباء والكتاب. كما أغلقت أغلب المتاحف أبوابها عجزاً عن تزويدها بأنظمة أمنيّة تمنع سرقة محتوياتها. ويوشك أن يأتي الدور على بيوت الفن والثقافة والمكتبات العامة ومهرجان المسرح اليمني، بسبب شحّ التمويل الحكومي الذي يتحكّم بالقسم الأكبر من البنية التحتية الثقافية. للأسباب ذاتها، يقتصر عمل "الهيئة العامة للكتاب" على إدارة خمسين مكتبة في 22 محافظة يمنية.
يضاف إلى ذلك إلى تراجع طباعة الكتب التي صار لم يعد عدد الإصدارات السنوية منها يتجاوز أصابع اليدين، في وقت أغلقت فيه الهيئة بعض فروعها في المحافظات. "أصبح المشتغلون في الثقافة يثيرون الشفقة ويقابلون بالاستغراب وهم يطلبون إيلاء الثقافة اهتماماً ما"، يقول العواضي. ويضيف: "يطغى الحراك السياسي على ما عداه. مؤتمر الحوار الوطني، الذي أعقب ثورة 11 شباط/ فبراير 2011، نموذج لهذا الطغيان، إذ تبدلت أولويّات صانع القرار، إلى درجة سخَّر معها الفن والثقافة لخدمة الفكرة السياسيّة".
من جهته، يرى الكاتب المسرحي منير طلال، الذي ألغيت عروضه في مهرجانات المسرح اليمني التي كانت تقام في آذار/ مارس من كل عام، أن "الخلل يكمن في عدم إيمان صنّاع القرار بالثقافة وأهليّتها، وهذا يسهم في تحجيم الحراك الثقافي من داخله، وتعطيله عن القيام بدوره المهم في تفتيت الصراعات الداخلية، الثقافية في أصلها".
التّهميش الذي يطال كل ما يتعلق بالثقافة، امتدّ إلى الأدباء والفنانين أنفسهم. إذ قام "صندوق التراث والتنمية الثقافية"، قبل أشهر، بتدارك ما أسماه "انهياراً إدارياً"، بتخفيضه المستحقات الشهرية لكتاب وفنانين، ما أثار استياءهم، من دون أن يتحول هذا الاستياء إلى اعتراض فعّال على سياسة الحكومة تجاه الثقافة في البلد ووضعها الذي بات يُرثى له.

مروان الغفوري.. رسائل صعدة



"جدائل صعدة" الصادرة أخيراً عن دار "الآداب"، هي الرواية الثالثة للكاتب اليمنيّ مروان الغفوري (1980)، بعد "كود بلو" (2008)، و"الخرزجي" (2013).
يتخذ الروائي من مدينة صعدة (شمال اليمن)، بإرثها التاريخي المثخن بالأيديولوجيا والحرب، مكاناً تشعّ فيه البطلة إيمان داخل الظلمة التي تحيط بها، لتدفع عن نفسها تهمة "الزنا" التي جلبها لها انتفاخ بطنها بسبب ورمٍ.
على مدى الخط الروائي، تدور حربان متوازيتان: الأولى أدواتها الأسلحة القاتلة للجسد، ولا تسمّي الرواية أطرافها، بل تدل عليهم، لتلامس جانبها الإنساني المسكوت عنه عادة؛ والثانية، معنوية تُنهك الروح، ويقودها المجتمع ضد نفسه.
لإيمان، "الهاشمية" بانتمائها إلى نسب النبي محمد كما تخبرنا الرواية، اسمٌ أول هو زينب، تخلّت عنه أثناء توجهها من مدينة صعدة التي تطبّب بالرقية الشرعية، إلى إحدى مستشفيات صنعاء، ما يعكس اغتراباً إنسانياً يعتريها، هو ذاته الذي يعتري بقية الشخصيات أيضاً. شقيقها الأكثر قرباً منها، حسن، يحارب في الجبهة ضد الجيش، "عملاء الخارج"، لكنه يتحاشى دائماً قتل أعدائه. كذلك "الوهابي" الذي يهدي حبيبته، أثناء لقائهما خلسة، كتباً دينية تحرّم الحب؛ والآخر الذي تطرده القرية فتستقبله قرية أخرى يحمل تجاه قاطنيها أفكاراً تمييزية.
هكذا، تضعنا الرواية أمام مجتمع متناقض وممزق، شخصياته مطبوعة على العنف أو خاضعة له، مقابل إنسانية مكبوتة. وتمثّل إيمان في هذا المجتمع حالة الرفض للموت، فنطمئن إلى ضوء يلوح من أفق يشبه موسم الرمَّان الذي تشتهر به صعدة.
يستخدم صاحب ديوانَيْ "ليال" و"في انتظار نبوءة يثرب"، طاقة الرسائل في السرد، بين بطلته إيمان، وشخصيته الحقيقية، فينجح في فصل نفسه عن بطلته التي تسرد قصة الحرب، وفي بعْث اللغة الشاعرة في ردوده الممهورة بتوقيعه، "مروان"، وفي استحضار تاريخ الألم ليخبرها أنها ليست وحدها.
   يجري ذلك في مقام سردي يبقى الحدث فيه نشيطاً، ويتطلب من القارئ مراجعة ما انتهى من قراءته للتو كشرط لاكتمال السرد. يقول الغفوري في هذا السياق: "داخل النص الروائي، أجمع قصاصات من الشعر والسياسة والسرد واللغة، وألصقها على الجدران حتى يكتمل النص. أراوح في الممر، أو على  المنصّة، جيئة وذهاباً؛ ألصق هذه هنا، وهذا هناك. أقول لنفسي في لحظة ما: الآن أصبحت الصورة مقنعة. الصفحة التي تتحرك عليها أصابعي هي لوحة بيضاء أحوّلها إلى لعبة تبادلية بين الظل والضوء. العنصر المركزي في العمل أن أترك للقارئ استكمال بناء المشاهد على طريقته".
لسببين رئيسين يتمثلان في موقف الكاتب السياسي، وحضور مدينة الرواية، صعدة، كجزء من الأزمة التي تتحكم بمصير اليمن، كان من المتوقع ألا تفلت الرواية من كماشة الانحيازات التي ينفيها الكاتب: "لا أخشى على الرواية من موقفي السياسي بل من الموقف السياسي للقارئ. آلية التأويل الرائجة هي آلية تلصص سياسي. رأيت مثقفين يمنيين اعترفوا بأنهم لم يقرأوا الرواية التي وصفوها بـ"الطائفية". بيئة التلقي موبوءة بأفق جاهز. كانت إيمان مدركة لهذه المعادلات الحرجة وهي تروي. كانت عينها أيضاً على المستقبل البعيد. تحدثت إلى ناس سيأتون بعد زمن. وفي ما يبدو، استطاعت أن تكون صديقة طيبة القلب للناس الذي خشيتْ من الحديث إليهم. حتى الأعداء الذين أرادت أن تهزمهم عبر سرد قصتها، تعاطفوا معها كلّياً، وربما خرجوا يبحثون عنها في الشوارع والحارات.


علي المقري.. يمن "الأخدام" والمهمشين



حين ذهبنا لإجراء هذا الحوار معه، كان الروائي اليمني علي المقري (1966) يضع لمسات أخيرة على رواية جديدة صدرت قبل أيام عن دار "الساقي" في بيروت. وللمرَّة الرابعة، اتّجه الروائي جنوباً، صوب مدينة عدَن، بحثاً عن وطنٍ لأبطال روايته "بخور عدني"، كما قال لـ "العربي الجديد".
يُحسب للمقري أنه من أبرز الروائيين اليمنيين الجدد الذين عبَروا بالرواية اليمنية إلى محيط عربي وعالمي في سنوات قليلة وروايات أقل. فقد وصلت روايتاه "طعم أسود.. رائحة سوداء" (2008)، و"اليهودي الحَالِي" (2013)، إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، وتُرجمت الأخيرة إلى الفرنسية والإيطالية، إلى جانب مشاريع ترجمة أخرى لرواياته.
اشتغل المقري في رواياته الثلاث على الآخر المهمّش في التفكير الجمعي: "الأخدام"(طبقة المهمشين في اليمن) في مجتمع متمايز، واليهود في مجتمع مسلم، والمرأة في مجتمع ذكوري، كقضايا محلية أولاً، هامشية كما يحلو للمجتمع رؤيتها، غير أنها لا تعود كذلك لدى قراءة أعماله الروائية المثيرة للجدل بتلخيصها لجذر أزمات تلاحقنا.
المقري ينوُّه بقراءة مختلفة: "ربّما تكون هناك قراءات تذهب، في بعض جوانبها، إلى تبسيط المحن الإنسانية التي يختبرها هذا النوع من الروايات، فتقصرها على قضايا محلية، كالمهمشين والمرأة. لكن العمق الذي تتحدث عنه، كما يبدو لي، لا يمكن إيجاده عبر قراءات مثل هذه. وأنا هنا لن أتحدث عن كل هواجسي الروائية أثناء الكتابة، وسأكتفي بالإشارة إلى موضوع واحد كان يشغلني حين كتبت روايتَيّ، الأولى والثانية، وهو مفهوم الوطن وتحوّله إلى محنة إنسانية، سواء كواقع معاش أو كفكرة. وذلك من خلال فئتين، "الأخدام" واليهود، تعيشان حالة نبذ في وطن لا يتحقق لهما فيه أمان العيش الحر أو حتى الشعور بأنهما في وطن؛ حيث يصل بأحد الشخوص في رواية "طعم أسود... رائحة سوداء"، إلى القول إنَّ الوطن خيانة، كما يقول سالم في رواية "اليهودي الحالي" إنَّ فاطمة التي شدته للبقاء لم تكن وطنه، بل كانت البديل عن الوطن".
تخلق رواية "حُرْمَة" للمقري معاناة موازية تولِّد بالضرورة جدلاً داخلياً لدى القارئ. وهي لا تبتعد عن سياق تفسير الصراع في بنية سردية تعرض لموضوع الجنس... وهنا يفضّل الروائي "قراءتها دون تصنيفات جاهزة تحصرها فقط في قضية المرأة"، ويذهب بنا إلى فكرة أخرى قريبة مما يمكن قراءته في هذه الرواية: "إنّ الرغبة الجنسية، وحرمان تحققها أو كبتها، مثلاً، لا تقتصر على المرأة فقط، بل يعيشها الرجل أيضاً، كما أنها ليست محصورة في المكان والزمان المشار إليهما في السرد، وإنما يمكن أن تتعداهما إلى ما لا نهاية".
وفي السياق ذاته، يقول المقري عن روايته الجديدة "بخور عدني": "يبدو بطل الرواية "فرانسوا" القادم من فرنسا إلى عدن وكأنّه يبحث عن بديل عن الوطن، وهذا البديل لا يقتصر على المكان أو على طريقة العيش فقط، بل يصل إلى التسمية المختلفة أو المغايرة لهذا المسمى وطناً. وهو إذ ظن أنّه قد صار، بوصوله إلى عدن واندماجه في مجتمع متعدد الهويّات والأعراق، بعيداً عن "الواجبات الوطنية"، فإنّه بعد فترة سيرى أن هذا التعايش وفكرة اللاوطن سيواجهان محناً لا تبدأ مع سطوة الخائفين الذين يخيفون أكثر من غيرهم ولا تنتهي بالتطرف الديني والسياسي".
وعموماً، يؤكد المقري ما يمكن استكشافه من إمكانيات جديدة في اختبار الروايات الأربع لمسائل مثل: الوطن، اللاوطن، السلطة، التاريخ، الدين، التطرّف الجهادي، التمييز، النبذ، القيم، الجنس، الحب، التعايش.
ما يربط بين شخصيات المقري الروائية هو شعورها بالاغتراب الداخلي. شعور يحيا متخفياً بانتصارات ملتبسة. فبقدر ما تحمله هذه الشخصيات من استسلام، إلا أنها تغلِّف به إدانتها للمجتمع وتكون النهايات معها مفتوحة. شخصيات ثابتة في مكانها، في انتظار شيء مجهول يغيِّر وجه الواقع.
يدافع الكاتب عن حياده في البناء الدرامي لشخصيات الرواية: "كتاباتي، كما تبدو لي، بعيدة عن هذا. فـ"الأخدام" وهم يواجهون النبذ الاجتماعي، لم يكونوا بمجملهم في حال اغتراب، أو مطمح لنصر أيضاً. فرغم هذا النبذ وقسوته، بدا سلوكهم الغجري المتمرّد على كل المحددات مبهجاً، وهو تمرّد مرادف للحياة، لا يمارَس بهدف تحقيق غاية، كالمساواة أو العدالة، أو الاندماج المحددة شروطه من المجتمع نفسه الذي ظل ينبذهم طوال آلاف السنين. وبناء الشخصيات في رواياتي يتكئ على تعدد الأصوات دون انحياز إلى وجهة ما. وقد تجد أحد الشخوص يقوم بأعمال متناقضة، أو يظهر ويختفي فجأة، ضمن أحوال سريعة التبدل وغير مستقرة، كما في "طعم أسود... رائحة سوداء"؛ أو أن البناء الفني يقتضي هذا المنحى في السرد، كما هو حال شخوص "اليهودي الحالي"، التي تظهر في زمن غير متتابع، وضمن سياق سردي يستفيد من جماليات الحوليات التاريخية العربية، دون مطابقتها".
عادةً ما يحضُر في روايات المقري من يتلو علينا كقراء بعض الحقائق... والكاتب لا يرى أن ذلك مردُّه إلى الخوف من الخيال، نافياً تصنيف رواياته بالتاريخية: "ما يمكن اعتباره تاريخاً موثقاً في رواياتي لا يتعدى بضع صفحات في "اليهودي الحالي"، وبضع فقرات في "طعم أسود... رائحة سوداء"، وإشارات في سطور قليلة في "حرمة" و"بخور عدني"، علماً أن هذه الأخيرة تتكئ على سنوات تمتد من منتصف أربعينيات القرن الماضي وحتى بداية السبعينيات".
ويعقد المقري مقارنات برواية "الصخب والعنف" لويليام فولكنر، و"مئة عام من العزلة" لماركيز، و"1948" لجورج أورويل "التي تعتمد جميعها التاريخ دون أن تصنف كروايات تاريخية؛ فالكاتب بإمكانه استعادة حدث ما سواء بنقله أو بالإشارة إليه إذا رأى أنّه يساهم في إضاءة المحنة الإنسانية التي يتناولها، ولا يعني هذا أنه فقد القدرة على الخيال. كما يمكنه أن يجلب الحاضر إلى الماضي ويضع أحداث هذا الحاضر في محك استباقي. والتصور الملحوظ هو أن الكاتب عادة ما يقوم بسرد الماضي من الآن، بل إن الحاضر نفسه يصبح ماضياً لديه وهو يكتبه، وأحياناً تبدو الكتابة عن المستقبل، أيضاً، غير مبتعدة تماماً عن الماضي، سواء القديم أو الحاضر المعاش الذي يتحول مع كل لحظة إلى ماض".
وتتداخل مستويات اللغة عند المقري، فهو يعتمد على التكثيف في الجمل الطويلة والقصيرة، ويمكن للقارئ ملاحظة مستوى آخر من اللغة يتم به تطويع المتداول اليومي واستخدامه، فيما يبدو اشتغال على ما يعد هامشاً أيضاً. وعن هذه النقطة، يقول المقري: "أحرص على أن يقترب هذا المنحى من نبرة السارد المفترض في الرواية وكيفية قيامه بالسرد، وألا يبتعد عن النبرات الصوتية للشخوص المتكلّمة وطريقة تعبيرها بالكلمات. لهذا تبدو المفردة منتقاة بحسب موقعها السردي، وقد تتداخل أحياناً عدة مستويات لغوية في السرد الواحد. فبعضها يقترب من المعاش اليومي، وبعضها ينحو إلى لغة أدبية، لكنها ليست بلاغية، وإن بدت، أحياناً، مصاغة بطريقة شعرية. فالشعرية هنا يمكن أن تتحقق في بنائها اللغوي ضمن أي مستوى سردي وبأي مفردات. ولا تعني تجلّياً رومانتيكياً، كما يذهب البعض، حين يخلطون بين العبارة الشعرية والقص الرومانتيكي".


رمزي الخالدي.. بين أصدقائه الجدد والقدامي


بمناسبة حلول الذكرى الثالثة لرحيل الشاعر اليمني رمزي الخالدي (1983 ـ 2011)، تذكّره أصدقاؤه أمس في فعالية ثقافية نظمها مركز الإعلام الثقافي في صنعاء، محتفين بصدور أعماله الشعرية "الموتى أصدقائي الجدد".
ورغم تأخر صدور هذه الأعمال التي عمل أصدقاؤه على إصدارها، وتبنّى اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين طباعتها، إلا أنَّ وصولها الآن جاء في أوانه، لتأخذ نصيبها من الانتشار مع الهدوء المتدرج للتداعيات السياسية وثورة فبراير التي كان الشاعر الخالدي شاهداً على نحو شهرين منها.
مقدّم الفعالية، الصحافي أحمد عبد الرحمن، قال لـ "العربي الجديد": "كان يفترض إصدار الأعمال قبل ثلاث سنوات، في أربعينية الشاعر، لكن ما جمعناه (من تبرعات) من بعض الأصدقاء لم يفِ حق الطباعة، فتقدمنا إلى "اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين" واستطعنا في النهاية إصدارها".
تتضمن "الأموات أصدقائي الجدد" مجموعتي "هيدرا" و"فقاعات منسية تحت شجرة الغريب"، إضافة إلى النصوص المتناثرة على المواقع الإلكترونية، خصوصاً موقع "منتدى جدل الثقافي" الذي شارك الشاعر في تأسيسه، وفي الصحف؛ كما تتضمن بعض المسودات بخط يد الخالدي التي كانت بحوزة أصدقائه أو أسرته.
في بداية الفعالية قدم الشاعر مروان الحميري مرثية لصديقه، آثر، لشدّة حزنه، أن تقرأها بدلاً منه الشاعرة ميسون الإرياني. واحتج الحميري في المرثية على رحيل الشاعر المبكر، قائلاً: "إنه لأمر قاس جداً أن أقف في لجة هذه الليلة بمحاذاة الحياة التي لم نعشها، بعد ثلاث سنوات من الوحدة والركض المستمر صوبك، وقد فقدت عكاكيز روحي، لأحدثك عن وطأة رحيلك ومعناه. لكنَّ شيئاً لم يهدِني، وسأكمل رحيلي. يدٌ حانية، كيد "عزرائيل"، هي كل ما أحتاجه الآن لتقودني إليك يا صديقي، وأقول لك بلا مقدمات: ليس جيداً أن نعيش".
وفي كلمة مختصرة، تحدّثت الشاعرة هدى أبلان، أمين عام اتحاد الأدباء ونائب وزير الثقافة، التي كان لها دور في إصدار الكتاب، عن روح الشاعر الخالدي الذي بقي، في نظرها، كلّي الحضور رغم غيابه المبكر.
من جهته، روى الفنان والشاعر ريان الشيباني في مداخلته جزءاً من حياة صديقه الذي تعرف إليه في مدينتهما تعز مع مجموعة من الشعراء، أسّسوا معاً "منتدى جدل"، الذي كان له دور في إحداث حراك ثقافي لافت حتى توقفه بسبب خلافات بينهم. ولاحظ الشيباني أن الشاعر كان حينها الأقل حركة بسبب عمله في محل لتنجيد السيارات، كان يستنزف معظم وقته؛ قبل أن يضيف: "ومع كل ذلك، كان رمزي الخالدي يعي جيداً أن مرض "تكسر الدم" يفتك به، ولذا كانت الكتابة بالنسبة له حالة سباق مع الموت".
أما الشاعر والناقد أحمد العرامي، فقارب تجربة الخالدي الشعرية في قراءة أشارت إلى مُعايشة الأخير المرض والموت على أثر إصابة أخيه بنفس الداء قبله؛ وهو ما ظهر في نصوص مثل "هيدرا".
وأكمل الشاعر وضاح الجليل ما بدأه العرامي بقوله: "لم يكن الخالدي في شعره حانقاً على الموت، فكانت نصوصه تدويناً ليوميات المرض وألمه وتصبّره في المقاومة".
تخلل الفعالية أيضاً قراءات لبعض نصوص الخالدي قدّمها آسيا ثابت وجلال الأحمدي، كما عزف الفنان محمد الهجري مقطوعة على العود أهداها إلى روح الشاعر.
حياة قصيرة، بدت أطول في عيون أصدقاء الخالدي الحاضرين؛ حياة كانت توقن أنها ستموت في أي لحظة، وربما لهذا كتب صاحبها: "حين ترتفع أسعار السلع لا أبالي/ لأني أعيش بـ"الهيدرا" فقط../ غني بحيادية تامة/ لأن الهواء ينقطع من فم الإبرة...".


____________________________


فقاعات منسية تحت شجرة الغريب
رمزي الخالدي


نسيتُ شجوني غارقةً
تحت شجرة الغريب
تحت الأدراج في منصتها الشابة
في الجوار من كُليتها الترابية
أمام طالباتها الحريريات القادمات من قُراها
قرأتُ أصوات الأنبياء المعشبين
اشتريت من موجها السائب
نعلاً
وأطوارَ باسقةً في العقل
ونسيته في شجون الزائرين.
نسيتُ قراءات الزيبق على
بِنطال شجرة الغريب
نسيتُ غيبوبتي
في ذكريات "سليمان العيسى"
تحت جذور شجرة الغريب
نسيَتْ ملائكتي هِبات الفستق الريفي
حيث نسيتُ قبل عامٍ
دموعي على شاربها الأخضر.
وسرقتُ علائق "الطاسين"
نسيتُ الماء المخلوع أسفلها
نسيتُ الأبناء الثلجيين
وخزانات الشك.
بخصركِ .. صادقت وجهي أيتها الغريبة
شرخت قلويات "بيسان"
وخلعت الأعذار لتجفَّ خلف شامات الجذر
يلم أرخبيله شاعرنا المسكين
الـ يذوي هناك
سرابي العاقل
كاعتقادك البارودي الثمل
وأعتقلك
أعتقلك يا شجرة الغريب جهراً
أنقل فقاعات جُبِّك المكسور
إلى بكارات الطالبات المنفيات
وحدقات المنسيين.

نشر في العربي الجديد

عمرو جمال: عدوّ المسرح اليمني الحُكّام والمثقّف المستسلِم



أعلنت فرقة "خليج عدن" المسرحية، في شهر مايو/أيار عام 2005، انطلاقتها بقيادة المخرج الشاب عمرو جمال، لتقدّم ستة أعمال مسرحية، تضمنت ثيماتها أفكار التغيير والانتصار على لحظات الضعف واجتراح الأمل، فكانت تلخّص سيرة واقعية: "لا تستسلم بسهولة".
يتذكّر المخرج اليمني في حوار مع "العربي الجديد" بدايات علاقته وفرقته بالمسرح وتأسيس الفرقة: "كانت جميلة وخيالية، فقبل تسعة أعوام كان مجرّد الحلم بتقديم مسرحية جماهيرية، مهمة خيالية، ورغم صعوبة الرحلة إلا أنها كانت ممتعة للغاية".
وأضاف المخرج الشاب، الذي لم ينهِ عامه الـ31 بعد: "كنا مجموعة من الشباب جمعنا المسرح المدرسي، واستمرّ شغفنا بالمسرح أيام الجامعة فقررنا تقديم "اسكتشات" صغيرة في مكان عام، وكان الوقت الأنسب لتنفيذ الفكرة فترة الأعياد والمكان الأنسب مدينة الملاهي المكتظة أيام الأعياد. فطلبنا من أحد ملاك "المدينة" أن يمنحنا قطعة أرض صغيرة لنمثل عليها... وبعد إلحاح وافق لكن بمقابل. ولأنّنا لم نكن نملك المال كان المقابل من نوع مختلف. وتم الاتفاق على تنظيف الملاهي يومياً مقابل تقديم الاسكتشات. وهذا ما حدث بالفعل".
عمرو، الحاصل على شهادة تخصّص في هندسة تقنية المعلومات، وعلى شهادة خبرة في إدارة المشاريع الثقافية من معهد KMM في هامبورج بألمانيا، يواصل التذكر: "كبر الحلم فقرّرنا تقديم أنفسنا بطريقة أخرى، ولأنّ مدينة عدن، ومدن اليمن كلّها عموماً، ليس فيها خشبة مسرح، استعنّا بدور السينما، وكانت الفكرة أن نستأجر سينما "هيريكن" بسعر رمزي. فجمعنا المال بجهود ذاتية. وقبلها بدأنا العمل على كتابة النصّ ثم الديكور وإجراء بروفات. وقدّمنا مسرحية "عائلة دوت كوم" التي عرضناها في 2005 في استعادة للمسرح الجماهيري بعد توقفه لـ12 عاماً".
كانت تلك البداية الأولى التي استغرقت مباركتها من قبل الآخرين وقتاً. إذ كانت تمهيداً ضرورياً لإيجاد كيان يجمع أحلام المسرحيين. وبعد ستة أعمال مسرحية تقف الفرقة وحيدة في الساحة الفنية. وتواصل تقديم أعمال سنوية، لتنجو من مصير التوقف الذي انتهت إليه فرق أخرى.
يُرجع عمرو جمال ذلك إلى "تقديم الأفضل والوعد بمثله، فاستقبل الجمهور منّا أفضل ما لدينا وبات يتوقّعه كلّ في عمل جديد، ليضعنا هذا أمام مسؤولية كبيرة. فتقديم الأفضل مهمة صعبة وتحتاج إلى الكثير من العمل والجهد المصحوب بالخوف والقلق".
يتذكر كيف كان محبطاً عند معرفة أنّ عدد الحضور في مسرحية "عائلة دوت كوم" وصل إلى 300 مشاهد. بعدها تضاعف العدد مع كلّ عمل قدّمته الفرقة. من "حلا حلا يستاهل" و"سيدتي الجميلة" إلى أن وصل العدد في مسرحية "معاك نازل"، المقتبسة عن المسرحية الألمانية الشهيرة "الخطّ رقم 1"، إلى 13 ألف مشاهد في عرضيْ صنعاء وعدن. وكانت بالتعاون مع البيت الألماني بصنعاء: "نجحت المسرحية نجاحاً استثنائياً إلى درجة أنّ الناس في عدن باتوا يستخدمون حوارات المسرحية في كلامهم اليومي".
عُرِضَت المسرحية في أشهر المسارح التجريبية بألمانيا، كأوّل مسرحية يمنية تُعرَض في أوروبا، ثم كانت مسرحية "كرت أحمر" آخر أعمال الفرقة.
ومع النجاحات المتتالية، يعترف المخرج بفضل شركائه الممثلين عدنان الخضر، ورائد طه، وغيرهما: "في المسرح نحن فرقة، وبقاؤنا معاً أمر ضروري للإبقاء على روح الفرقة وفكرتها، لكنّنا نطعِّم أعمالنا بممثلين من كلّ الأعمار من خارج الفرقة ونتيح الفرص للجميع".
ويحكي أنّه يشعر بالطمأنينة في وجود بعض أعضاء الفرقة "حتّى إذا لم يكن لهم أدوار فهم معي خلف الكواليس، بيننا رابط روحي محفّز".
ثم كانت الدراما بداية ثانية لعمرو جمال، ومجمل ما قدّمته الفرقة هو 4 أعمال درامية، تتطلّب أيضاً لانتزاع اعتراف الجمهور بأهميتها وقتاً: "كانت جزءاً من الحلم. صحيح تعثّرت في البداية ونصحني البعض بالتمسّك بالمسرح حين رأوا أعمالاً قدّمت فيها بصمات واضحة، لكنّ العناد قادني إلى تقديم "ع الماشي" و"أصحاب" و"حافة الأنس" وأخيراً "فرصة أخيرة" الذي اختير أفضل مسلسل للعام 2012 في استبيان لقناة السعيدة... أنا لا أستسلم بسهولة".
ربما ما يزعج عمرو أكثر من الصعوبات التي تغلّب عليها مع فرقته، وبعد كلّ هذه السنوات، هو "وضع الفنّ، وأعداؤه الرسميون: الحكومات المُتتالية". وبالنسبة له فهم نوعان: حكّام "واعون" و"جهلة". ويضيف: "الواعون منهم يعرفون تأثير الفنّ الكبير والمهم، وذلك ليس في صالح فسادهم، والجهلة منهم يعتبرونه رفاهية، والنوعان يمثلان مصيبة المصائب في المشهد الثقافي والفني اليمني".
 كذلك يضيف إليهم عدواً آخر يعتبره أشد خطراً: "هو المثقف والفنان الكسول والمستسلم والسهل، وبين هؤلاء الشعب متعطّش للفنّ والثقافة، ودليل ذلك نسب المشاهدة العالية للمسرح والتلفزيون".
أما انزعاجه الآخر فيأتي من: "جو عام مؤلم ومرهق نفسياً وفنياً". ويتأسف: "لعدم وجود جيل شاب متحمس بالشكل الصحيح. فمعظم الفرق المسرحية والفنانين الشباب يئسوا من محاولة أو محاولتين. ويجب عليهم أن يفهموا أنّ الطريق وعرة والفنان الحقيقي لا يستسلم بسهولة".
وتابع "يؤلمني عندما نغيب سنة أو سنتين عن المسرح ولا نجد من يسدّ الفراغ فأحسّ بأنّ رسالتنا منقوصة ولم نحقّق ما كنّا نطمح له في خلق حراك فنيّ حقيقي".

نشر في العربي الجديد