الخميس، مارس 19، 2015

نبيل عُبادي: النشر في يمن غير سعيد



يقف الناشر اليمني نبيل عُبادي على بوابة "غاليري صنعاء" لاستقبال زوَّار "معرض عبادي للكتاب" (12 ـ 30 آذار/ مارس) الذي يهدف تنظيمه هذه المرة إلى استثمار عائدات المبيعات من أجل تأسيس جائزة سنوية للكتاب، ما يجعله يبدو كمعرض أخير لأشهر ناشر يمني قبل اعتزاله.
ينفي عُبادي ذلك، في حديثه إلى "العربي الجديد"، ويسمِّي ما يقوم به "إعادة ترتيب" لمكتبة افتتحها جده الأول عبادي حسن محمد علوي في مدينة عدن عام 1890، وكانت مركز توزيع للكتاب العربي في اليمن، توارثها بعده جيلان، إلى أن أسّس عبادي، بعد أن أنهى دراسته لعلوم البيئة في ألمانيا، "دار عبادي للدراسات والنشر"، عام 1990، كامتداد للمكتبة التي أصبح مقرّها صنعاء، عاصمة الوحدة اليمنية.
يضيف عبادي إلى دوافعه من تنظيم المعرض واستثمار عائداته، حرصه على استمرار نشاط الدار في خدمة الكتاب اليمني: "لم يرزقني الله أبناء، وبالتالي ربما أكون آخر جيل في عائلة عبادي، ولا أريد لرسالتنا أن تتوقف".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المكتبة كانت جسراً بين ما تنتجه العواصم العربية من كُتب وبين اليمن. وفي سنوات تحوّلها داراً للنشر، عملت كحلقة وصل بين القارئ اليمني تحديداً وأجيال أدبية مُختلفة صدَرت مؤلفاتهم عن الدار، نذكر منهم الروائيين وجدي الأهدل وسمير عبد الفتاح ومحمد مثنى، والشعراء محمد الشيباني ومحمد عبد الباري الفتيح وشوقي شفيق وطه الجند ومحمد حسين هيثم وأحمد العرامي، وغيرهم من الأدباء الذين صدرت أعمالهم، كما يشير عبادي بفخر، "ضمن سلسلة إبداعات يمنية التي استمرت أربعة عشر عاماً وتضمّنت 479 عنواناً".
ولعل أبرز تلك العناوين التي أثارت جدلاً ومشكلات رواية "قوارب جبلية" التي اتُّهم مؤلفها، الكاتب وجدي الأهدل، بالإساءة للذات الإلهية، ما تسبّب في نفيه خارج وطنه، فيما أغلقت الدار فترة قصيرة ثم أعيد فتحها بموجب حكم قضائي. وكادت الحادثة أن تقضي على حُلم عبادي في الحفاظ على إرثه المُرتبط بصناعة الكتاب، لكنه ما لبث أن تجاوز هذه الأزمة ومعها الصعوبات التي يواجهها في مجتمع تتدنى مستويات القراءة فيه، وتضعف حركة التوزيع والنشر وصناعة الكتاب بشكل عام.
وتنعكس معاناة النشر لدى عبادي ومخاوفه من توقف ارتباطه بالكتاب اليمني، في مشروع الجائزة نفسها والهدف منها، إذ ستُمنح سنوياً للكتاب المتميز الصادر في عام الجائزة، على أساس معايير التأثير في الحراك الثقافي في المجتمع، إضافة إلى طموح المشروع في تقديم جوائز فرعية تذهب لدور النشر وعناصر صناعة الكتاب في مراحل مختلفة حتى صدوره. وسيشرف على الجائزة مجلس أمناء يرأسه عُبادي حتى وفاته، ليختار هذا المجلس والورثة من بعده مَن يديرها بآلية يوصي بها المؤسس.

السبت، مارس 07، 2015

المسرح اليمني.. مائة عام من الانتظار



رغم أنه أكمل، هذا العام، ما يربو على قرنٍ منذ ولادته، إلا أن المتلمّس لأحوال المسرح اليمني لا يجد أن سيرته تنعكس إيجاباً على حاضره وتدل على عراقة استَهلت عروضها الجادة بمسرحية "يوليوس قيصر" لشكسبير في مدينة عدن عشريّات القرن الماضي. 

المحاولات الفارقة في عمر المسرح اليمني قليلة، وجاءت على يد روَّاد مثل عبد الله المسيبلي، ومحمود أربد، وأحمد الريدي، وفيصل بحصو، وفريد الظاهري، ونرجس عباد، وصفوت الغشم، ونبيل حزام. وهي محاولات متباعدة ومنفصلة عن تاريخها، مُعتمدة على تجارب خاصة توثقت صلتها بالمسرح العربي نتيجة السفر والدراسة أكثر من امتدادها المحلي.
فمنذ الأعوام التي أعقبت البدايات وصولاً إلى الستينيات وما بعدها، شهد النشاط المسرحي في البلد حركة ارتبط توهجها وخفوتها بالمزاج السياسي واهتمامه من عدمه. ولم ينج المسرح من توظيف السياسة له، وهو حال يعيد نفسه اليوم وبصورة أضعف.
يعزو الكاتب هائل المذابي في حديث مع "العربي الجديد" عملية إجهاض التنوير في المسرح اليمني إلى "عدم وجود عمران مسرحي خاص به". ويشرح: "تم تغييب هذا العمران في اليمن في مرحلة من المراحل لأسباب سياسية، تحديداً في الجنوب. ولا أعتقد أن المراكز الثقافية في المحافظات قد أغنت ونابت عن وجود عمران مسرحي خاص بالمسرح. فالمدة التي تسمح بها تلك المراكز للمسرحيين للاشتغال على عروضهم هي يومان فقط قبل تقديم العرض. يضاف إلى ذلك غياب الفنان والكاتب والمخرج. نحن إزاء القليل من الاشتغال الذي لا يقاس عليه أو يحكم به".
في السنوات الأخيرة، ظهر تعاون بين مراكز ثقافية أجنبية وفرق مسرحية محلية، غير أنها باتت في حكم المتوقفة اليوم، مع الأوضاع الراهنة. نذكر من هذه التجارب مسرحيتي "مريض الوهم" لموليير (2010) لـ"فرقة موليير"، والتي أنتجتها وزارة الثقافة اليمنية بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي بصنعاء، ومسرحية "معاك نازل" لفرقة خليج عدن (2010 - 2012) التي أنتجت بالتعاون مع "البيت الألماني"، وهي مقتبسة عن مسرحية "الخط رقم واحد" الألمانية. ما تبقى الآن من هذه الظاهرة هو تبني منظمات محلية وأجنبية التعاون مع فرق شابة لتقديم عروض مسرح تفاعلي في المحافظات. ويرفض المذابي أن يكون لذلك "علاقة بفن المسرح وجوهره".
إذ يعتبر أن استخدام المسرح يقتصر كونه "وسيلة للتوعية فقط، فيكون للموضوع التعليمي طغيان على اعتبارات فنية أخرى". مدربة المسرح، والشاعرة أيضاً، ميسون الإرياني، لها رأي مختلف، إذ ترى أن استعانة المنظمات بالمسرح لا ينفي أنه فن قائم بذاته. "العروض خير دليل على أنه يأخذ أبعاداً فنية في عناصره، ويمكن البلوغ به أعلى مراتب الفن إن توفرت الإمكانيات اللازمة". وحول عملها في التدريب تضيف: "نحرص على إخراج ممثلين محترفين لديهم قدرة على الارتجال والتواصل مع الجمهور بحيث لا تفقد المسرحية قيمتها وهدفها في إيصال رسائل ومناقشة قضايا شديدة الحساسية لدى المجتمع والسلطة".
وترى الإرياني أن وجود فرقة وطنية للمسرح قد يكون فكرة جيدة لإنعاش الخشبة اليمنية، وهو ما سبق أن عرضته على وزارة الثقافة، غير أن الرد، كمان تقول، كان مخيباً بحجة عدم وجود الميزانية. "المشكلة ليست في الميزانية"، تقول، "بل في انعدام الوعي".
بلغ المسرح اليمني من العمر أكثر من 100 عام، إذاً، غير أنه ما يزال في انتظار التحول إلى حاضن دائم لتجارب جادة وفارقة تكون هي القاعدة، لا الاستثناء.


الأحد، مارس 01، 2015

فؤاد الشرجبي: الغناء في زمن المليشيات


يحاول المؤلف والموزّع الموسيقي فؤاد الشرجبي (1975) ملء الفراغ الذي يتركه غياب مشاريع تعنى بالموسيقى اليمنية وتراثها. ففي عام 2008، أسس "البيت اليمني للموسيقى"، ومن إنجازات هذا المشروع، توثيقه لعدد كبير من الأغنيات التراثية جمعها فريق ميداني من مدن اليمن وأريافه عبر شفاه أصحابها وحافظيها.
يوضّح الشرجبي في حديث مع "العربي الجديد": "كان همُّنا توثيق التراث بقاعدة بيانات حفاظاً على حقوق الملكية والحقوق المجاورة لحقوق المؤلف. تراثنا مشاع يُغنّى ونادراً ما يُنسب إلى جذوره. وعلى المستوى المحلي، يقوم فنانون يمنيون بسرقة الألحان وغنائها من دون حفظ الحقوق بسبب عدم وجود قانون يمنع التعدّي. ولأن مجتمعنا يعاني ضعفاً في الثقافة موسيقية؛ حرصنا على إقامة دورات في العزف استفاد منها مدرّسو المدارس التي ما زالت مادة الموسيقى جزءاً من مناهجها، وكل من يرغب بدراسة الموسيقى بشكل علمي".
الفاصل القصير الذي أبعد الشرجبي عن شغفه الموسيقي الباكر، هو انتقاله من مدينته تعز إلى صنعاء لدراسة الحقوق في جامعتها. لكنه لن يلبث، بعد ذلك، أن يسافر إلى دمشق للدراسة في "المعهد العالي للموسيقى". وفور تخرّجه، أسس عام 2000 أول أستوديو رقمي في اليمن:
"عدتُ لأجد ظواهر من الإنتاج التجاري تقف خلفه فنانات يلبسن النقاب. كان الأمر بالنسبة إليّ بمثابة تحدّ، فسجَّلت عدداً من الأعمال الفنية المميزة. وفي لحظة معيّنة، هجمت علينا شركات الإنتاج الفنية لتسجيل أعمال تجارية، وقادتني الحاجة إلى الرضوخ لما رفضته في البداية، لكني تداركت ذلك وقررت إغلاق الأستوديو، وعلى أنقاضه أسّست البيت اليمني للموسيقى".
ارتبطت بدايات الشرجبي ببعض الأعمال الفنية المُهمة قياساً بزمن إنتاجها، فهو مُلحن أغنية مسلسل شعبي شهير في اليمن ("دحباش"، 1990) التي يراها "تجربة متواضعة كحال المُسلسل"، ويحمِّل السَّاسة مسؤولية استغلال المسلسل وتشويه الفن: "رغم شعبية المسلسل في الجنوب حينها، إلا أن هناك من وجَّهه سياسياً ليثير الفرقة بين شعب واحد هو ضحية للتسلط السياسي".
في رصيد الشرجبي أعمال في الموسيقى التصويرية لمئات المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، أبرزها المسلسل الإذاعي "إلا الحب"، ومسلسل "حكايات وأساطير"، ومئات الأغاني للأطفال. وفي هذين النوعين، يتركّز عمله على تلحين بعض الأغاني وإعادة توزيع القديمة منها بأصوات فنانين جدد، ضمن واقع يعيد غناء الماضي ولم يعد ينتج سوى اليسير من الجديد.
ويعزو الشرجبي ما يسمّيه التخلف الموسيقي إلى "حقبة مشوّشة عبثت فيها الصراعات السياسية باستقرارنا، وقلما تزدهر الفنون في أوضاع مضطربة لبلد ليس فيه معهد واحد للموسيقى، وشركات الإنتاج مشلولة وفنانوه هاجروا إلى بلدان أخرى بحثاً عن لقمة العيش".
ولا ينسى الشرجبي أن يسجِّل موقفاً ضدّ موجات تحريم الغناء، كالتي ظهرت مع اجتياح الميليشيا المُدن اليمنية ووصلت حدّ منع الفنانين من الغناء في المناسبات بالقوة: "نرفض هذا جملة وتفصيلاً بما فيه من تدمير للأفق المتبقي للناس، وتضييق على الفنون التي ينقص فضاؤها يومياً، ما يؤدّي إلى تجفيف أرواحنا".
رغم ما يعيشه الغناء اليمني من تراجُع غير مسبوق، يظلّ الأمل لدى الشرجبي قائماً، مع أن حلمه يُقابَل بالتجاهل كلما عرضه على الجهات الرسمية: "أحلم بإنشاء فرقة موسيقية وطنية، مبنية على أسس علمية، لتأهيل عدد من الشباب الموهوبين نستطيع الوصول بهم إلى المستوى العربي خلال فترة زمنية محددة. سيُحدث ذلك نقلة في الموسيقى اليمنية ويفتح المجال لتأسيس فرق أخرى تساهم في تطوير الفن اليمني. ولا ينفصل هذا عن ضرورة تأسيس معهد شامل لجميع الفنون بما فيها الغناء والموسيقى".