
لفترة طويلة والأفكار تتزاحم في رأسي، وما يمنع نقلها إلى مقالة منشورة. أشياء مثل، ماذا سأقول وكيف سأقوله، إضافة إلى رغبة تستبد بي للسخرية من كل شيء وأنا أشرع بكتابة مقالٍ، رغم أن ذلك ليس من طبعي؛ فأمتنع عن النشر.
لن يكون مجدياً ذكر كل المقالات التي كنت أريد كتابتها. حتى لا تتحرك رغبة ما في نقد ما . وتصنيف من نوع ما... هل كل ما كنت ستقول في خانة مقال مهم...غير مهم.. لكن سأذكر بعض ما كنت أريد الكتابة عنه كوداع لعامٍ وتخفف.
أذكر افتتاحية كتبها الصحفي إبراهيم عيسى في صحيفته جريدة الدستور عن شعراء يغضبون عندما يقال لهم: والله، فهمنا ماتكتبوه من شعر". وهو يسخر من الغموض الذي في قصائدهم حين يكتب أحدهم "تشبهين اللازورد يا حبيبتي". ويتساءل بعدها إبراهيم عيسى "في حد ياجماعة يعرف الازورد"
وفي إحدى الصحف اليمنية لا أذكرها تماماً قرأت مقالاً كان عنوانه "كسارة البندق" وعني شخصياً لا أعرف ما هي "كسارة البندق" وكيف شكلها ولا جربت البندق. ولا لوم علي حين أقول لا أعرف لأن ذلك لم يكن من اهتماماتي مثله مثل (الهمبرجر، والبيتزا، والفول السوداني، وكسارة البندق. وربما أجد من قد يشاركني في عد المعرفة.
لا أذكر الكاتب وأرجو ألا يكون منزعجاً لقولي، لكنه مثال أقرب في الذاكرة، على ملامح جدية للصحافة لدينا، لبعض الكتَّابْ.. تشبه ،أحيانا، رجلاً ينتمي إلى طبقة النبلاء القديمة في أوربا وهو يرتدي بذلة وكرافتة كلما قرر الخروج. أخشى أن نكون،كصحفيين، والزمن على القارئ. وأخشى أن نكون كما ذكر أحد النقاد لشاعر:" أنت شاعر جميلْ لكنك خلقت لزمن غير زمنك". إضافة إلى ملاحظة وجود شبه اتفاق على جعل القارئ محصوراً في محيطه(التركيز على المحلية) دون إلحاقه بالعالم من حوله.لا بأس، على الأقل قد يكون علينا أن نبدو متنوعين حيث يستوعب ما لدينا كل شيء.
وكما تعودنا، هناك جانب واحد يأخذ جُهدنا بشكل عامْ: السياسة. فهي تعد كقوت يومي للشعبْ بكل ما يملكْ. وتقريباً، هو يحكم على كل شيء من خلال السياسة. لذا ليس مستعداً أن يقتني جريدة لا تتحدث في السياسة. ما لفت نظري في صحيفة المستقلة تصدرها الصحف اليمنية في عدد المبيعات، تحولها إلى السياسة رغم أنها من صحافة الإثارة والفضائح. والإنسان بشكل عام في العالم يهمه معرفة الفضائح في كل شيء ليتحدث حولها في مجالسه.
الوضع يتسع، واهتمامنا بالسياسة يأتي على حساب الجوانب الأخرى لا يجرؤ أحد على التطرق لها بسبب المزاج العام. مثل العلوم، والاقتصاد، والاجتماع، والنقد ، والشعر ، والثقافة... وفي كل المجالات سوى السياسية، لن تجد الكثير مما يمكن أن نبني عليه.
ينتقل عدم الاهتمام من السلطة إلى المعارضة، إلى الصحف، إلى الإنسان العادي.. حتى ربما بلا وعي. ويظل كل ما يحدث في الشارع إنعكاساً لما يحدث في السلطة.
2
كان كلام كثير حول البناء والتنمية... لكن لا أحد يستطيع أن يعدنا بإمكانية التطور خلال عشر سنوات، حين وعد فاروق الباز ،العالم المصري ومدير مركز تطبيقات الإستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، مصر بمشروع أكمله منذ سنوات وقدمه للجهات المصرية. أقْسمَ أن المشروع سوف يجعل مصر من الدول المتقدمة في عشر سنوات. والمدة قصيرة، فقط لأن مصر تملك قوائم طويلة من البشر المبدعين في شتى المجالات يمكنها أن تبني عليهم. لكننا في اليمن نحتاج لما يقارب قرناً إذا ما بدأنا بجدية، نصفها المدة ستذهب لإيجاد إنسان يقود تنمية حقيقة.
3
قضايا مرت العام الماضي، تدل على تخلي الدولة عن الإنسان منها ما حدث لليمنيين من إحراق في السعودية. ما حدث لوكيل أول نقابة الصحفيين سعيد ثابت كيمني. ما حدث للحجاج في المطار، ما يحدث للعمالة اليمنية في السعودية.
أما في الداخل لا يجد الإنسان مطعما نظيفاً، أو مستشفى متكاملاً، أوحديقة، أومسرحاً، أو ملهىً، أو مكتبة، أو محكمة عادلة، أو مدرسة مكتملة، متحفاً يستهدفه، وتواجهه إخفاقات الدولة في كل مكانْ. وما يعلن عنه من شوارع، ومبان وأحجار.. هو اهتمام بالمكان على حساب الإنسان لا أكثر...
الإنسان الذي يتبول الناس في الأماكن العامة، وهو فعل يدل على انهيار في أخلاق الناسْ، وفي ارتباطهم بما هو لا ئق له. من قبل كنت أقبل بقليل من التحفظ قانون أصدرته الصين يغرم كل من يبصق في الأماكن العامة كالأسواق، والمواقف، والمطاعمْ... إلخ كون ذلك ينقل أمراضاً إلى الآخرين. و حين رأيت اليمني يتبول في الأماكن التي يجلس فيها ويأكل فيها دون أن يأنبه ضميره. آمنتُ بأهمية قانون يحمي الإنسان من نفسه.
4
أصبحنا بلا ما يمكن أن أطلق عليه "بقعة ضوء" ولو صغيرة يمر من تحتها الجميع دون تمييز.
فكل عام يمر لا نجني في نهايته، أداء فارقاً واحدا في كل مجال: أفضل موظف، أفضل وزير ، أفضل شاعر ، أفضل بحث، أفضل صحفي، أفضل مصور، أفضل فنان، أفضل حكم محكمة، أفضل أداء لوزارة، أفضل ممثل، أفضل مطعم، أفضل مكتبة، أفضل مدرسة. ولا تتبنى الأحزاب ذلك داخلها بما يناسبها ويمتد "الموات" ليصل إلى الفرد. لتختفي بقعة الضوء التي أتحدث عنها و نتراجع إلى الوراء في كل شيء...
وإذا ما ذكرت عبارة أرددها "أن الصغيرة تدل على الكبيرة" فعلى سبيل المثال جامع الصالح بجماله وأناقته ونظامه الداخلي. يفترض أن يكون مكانا آمنا لا يذكرك بالدنيا، تخرج من أمانك فيه حين يقف أحدهم –عسكرياً- ليفتشك بجهاز آلي. أعني أن مثل هذا الجمال الذي بالتأكيد يؤثر في الإنسان يتم قتله بمثل هذا الإجراء.
صحيفة "كالسياسية" أعرف من مقربين أن هناك ضغوطات كثيرة لإيقافها، وهي صحيفة يتفق على تألقها الجميعْ. رغم أن لورانس العرب يقول: العرب يثقون بالأشخاص لا بالمؤسسات" إلا أن أداءات كهذه لا يجب على الحكومة أن تتخلى عن تنميتها. ولا تضع يدها وتتدخل فتفسدْ ما صنعته. وكل ما ذكرته أمثلة سريعة عن ما نهايات غير جيدة لأداءات جيدة في اليمن...
فقد أصبحت مقولة أن اليمن لايمكن أن ينصلح حالها، قناعة يؤمن بها الكلْ. ومن خلال تجارب الكثير من الدول التي في مربعنا النامي. نلحظ أدوارا لا تتخلى الدولة عنها. وهو ما يزرع لدى إنسانها رغم كل شيء الحب تجاه وطنه. عن طريق سياسات تعمل على التقليل من الغربة التي يعيشها المواطن بسبب الأوضاع، وبدائلْ تمنحها تلك الدولْ ليشعر معها إنسانها بالقليل من التنفيس. وعلى العكس، عندنا تخلٍ تام عن جوانب مهمة-ذكرتُ بعضها سابقاً- لا يمكن للدولة مهما كانت مقصرة أن تتخلى عنها. حتى لا يصل الإنسان إلى حالة يجد نفسه غير قادر على إكمال الحياة ولو بالقليل من الحقيقة، بالقليل من القانون وحتى لا ينسى كل قيمة جميلة يعلَمُها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق