الدكتور عادل الشجاع لـ«الشارع»:الفترة الذهبية لوزارة الثقافة كانت في عهد يحيى العرشي الذي وضع مشروع الألف كتاب
< تأجيل الانتخابات يعرض الديمقراطية للتشويه ويجعل فكرتها لدى المواطن العادي مسألة مصالح وتقاسم
< الثقافة الحاضرة هي ثقافة الثأر، ثقافة الإقصاء، ثقافة الإلغاء، ثقافة التشكيك، ثقافة امتلاك الحقيقة المطلقة دون إعطاء مساحة ولو جزئية للآخر
ما أعدت اكتشافه من خلال حواري مع ناقدٍ كالدكتور عادل الشجاع، أنه من الصعب التجديف في اتجاه دون أن نصاب بدوار السياسة.. في هذا الحوار يجيب د. الشجاع على أسباب ذلك. ونسأله عن كتابات له أثارت ردود أفعال مكتوبة أو تلك التي لا تتعدى الأحاديث الجانبية. كما نعرف لماذا يقف ضد تأجيل الانتخابات النيابية لعامين قادمين.. ثم ماذا عن الثقافة والمثقف والأجيال الإبداعية القادمة...
حوار: محمد الشلفي
السياسة في اليمن خبز يومي
< أنت كناقد نشيط لك الكثير من الكتابات في اتجاهات مختلفة.. ركزت بعد عودتك بالذات من القاهرة على الكتابة في النقد الأدبي، لكن مثل هذه الكتابات نلاحظ أنها بدأت تقل، ما سبب ذلك؟
- الوسط الذي نعيش فيه وسط معجون بما هو سياسي، ليس بالمفهوم الطبيعي للمفهوم السياسي، ولكن بمفهومه السلبي. ولكي تغير في بنية العقل الجمعي لابد أن يكون مدخلك هو المدخل الذي يفكرون من خلاله، فالتفكير في هذا الوسط تفكير يعود إلى المفردة السياسية. ولعل هذا يعود إلى المكون الثقافي الذي تكوَّن منذ منتصف القرن الـ20 نتيجة لوجود الأحزاب السياسية واشتغالها على المفردة السياسية على حساب المفردة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا وجدت أن كتاباتي النقدية في وسط لا يوجد فيه إنتاج إبداعي في المجال الأدبي بمختلف أجناسه الشعرية والسردية، فلجأت إلى السياسة على اعتبار أن النقد يستوعب كل هذه المكونات.
< قلت: لا يوجد إبداع.. بأي معنى؟
- أقصد أن الكتابة الإبداعية سواء في مجال الشعر أو الرواية، غير مشجعة، لأن الذي يكتب الشعر أو السرد يتواجد في أماكن مغلقة، يكرر نفسه بشكل يومي، وبالتالي لا فرق بين عمله الأول والثاني والثالث، هذا إن أبدع عملاً ثالثاً. على سبيل المثال أنا اطلعت تقريبا على مجمل ما أصدر في 2008، لم أجد ما يستحق أن نعده عملاً إبداعيا مميزاً إلا بعض الأعمال التي حاولت أن تدخل في عالم الفكرة وليس في عالم الإبداع.. وأنا لا يهمني الفكرة ولا أحكم عليها بقدر ما تهمني المعالجة. ربما يتداول الفكرة جماعات في دول أخرى لأنها معنية بالأفكار أكثر مما هي معنية بالإبداع الأدبي. وإذا ما كان لنا الرجوع إلى الكتابة النقدية الأدبية، فبالتالي في الوقت الراهن لا بد من التمدد باتجاه الإبداع في الخليج والجزيرة العربية.
العلمانية هي الحل لكل مشاكلنا
< تتبنى "العلمانية" في مقالاتك كقضية جوهرية.. ألا تعتقد أن مثل هذه الكتابات تتجاوز الواقع: الفساد والفقر وتدني مستوى التعليم والصحة؟
- بالطبع هناك قضايا تتولد وتتخلق وتنمو نتيجة لغياب قضية مركزية.. أنا أعتبر أن العلمانية قضية أساسية بل أعتبر أنها هي الحل لكل مشاكلنا ولكل قضايا الفساد هنا. لأن العلمانية هي: حرية الفرد بما لا يتعارض مع حرية الجماعة...
< هل هذا هو تعريف العلمانية التي تقصدها في كتاباتك؟
- نعم، لكل مجتمع علمانيته. العلمانية هي مشروع إنساني، وكل مجتمع له علمانيته المختلفة عن علمانية المجتمع الآخر، هي كفكر تتواءم مع الأفكار السائدة في مجتمع ما على خلاف ما هو موجود في مجتمع آخر. الدين الإسلامي كان دينا علمانيا لأنه جاء ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد... الرسول (ص) كانت ممارساته علمانية عندما وصل إلى المدينة وكتب الوثيقة التي بينه وبين اليهود، وأعطى اليهود ما للمسلمين، ولم يأمرهم بالدخول إلى الإسلام. كذلك الرسائل التي بعثها إلى قبائل نجران مؤكداً على احترام عباداتهم. لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. فقط الجميع يسيرون في اتجاه المجتمع المدني من خلال مؤسساته التي تحمي هذه الدولة.. ومن خرج على هذه الاتفاقات يكون خارجاً على الدولة. مسألة العلمانية هي أن الله أوجدني حراً، وهذا ما هو موجود ومعمول به في المجتمعات الغربية. علينا أن نأخذ ما هو إيجابي من هذا الآخر.
< بعيدا عما يتبادر إلى الذهن كلما سمعت هذه الكلمة في المجتمع اليمني، ولكن كل ما تقول به من احترام العقل والإيمان بالعلم وتقديس حياة الإنسان وإنزال الشخص المناسب في المكان المناسب... إلخ، يأمر به الإسلام، لماذا لا يكون هو المنطلق؟
- الإسلام ليس فكرة جامدة، بل جديد متجدد، وبالتالي يأخذ من كل الأفكار المتطورة، بدليل أن الحضارة الإسلامية عندما قامت أخذت من الحضارة الرومانية واليونانية والفارسية ومن الهندية. لماذا وصلنا إلى هذه الفترة ونريد أن ننغلق على الحضارات. الإسلام لا يمانع، وقد وضع لنا إطاراً نتحرك من خلاله. لكن شؤون الحياة معني بها الإنسان، معني بها المجتمع، فالإسلام لم يقدم تفاصيل. بل وضع لنا إطاراً عاماً نتحرك فيه بما يحقق مصالحنا كبشر.
< في بعض ما تكتب يحتار القارئ في تصنيفك؛ أحيانا تكتب مع السلطة، وأحيانا مع المعارضة، وأحيانا ضدهما.. كيف نفهم هذا؟
- أنا مجرد قارئ، والقارئ هو المحلل، والمحلل هو الذي لا يرتبط بطرف ضد الطرف الآخر. عندما أجد أن السلطة أو المعارضة تفكران بشكل إيجابي أكون مع هذه الإيجابية. وعندما يفكران بشكل سلبي أقف ضد هذه السلبية. بدليل أنني ضد ما ذهب إليه الحزب الحاكم وما ذهبت إليه أحزاب اللقاء المشترك من تأجيل الانتخابات البرلمانية لسنتين، لأني كقارئ أرى أن أخذ الدستور ورميه عرض الحائط وانتهاك القوانين المعمول بها في البلد يعرض الديمقراطية إلى الخراب والتشويه، ويجعل فكرة الديمقراطية لدى المواطن العادي مسألة مصالح ومسألة تقاسم. وبالتالي هو لن يؤمن بمسألة الديمقراطية، وسيعتقد أن الديمقراطية هي مسؤولية الأحزاب وليست مسؤولية الشعب. كما فأنا قارئ لا أقل ولا أكثر، لا أحاول أن أؤطر نفسي في مكان مغلق. حتى عندما أنتمي لحزب من الأحزاب، فأنا لا أنتمي إليه حتى يصادر عقلي، وأجعل هذا الحزب يفكر نيابة عني. على العكس من ذلك، أنتمي إليه ليكون لي دوري في بناء الحزب، وأن يكون لي دوري في التفكير نحو تطوير هذا الحزب، وأيضاً أن أحصل على مصلحتي باعتبار أن الأحزاب لا تقوم إلا من أجل أن تحقق المصالح لأعضائها وأفرادها. ومن يقول غير ذلك أعتقد أنه يبحث عن مصلحة خفية وليست ظاهرة للعيان.
< بما أنك ضد تأجيل الانتخابات، هل كتبت في هذا..؟
- كتبت مقالاً، وكان بعنوان "لماذا نستسهل الحلول الصعبة؟" في يومياتي التي أكتبها في "الثورة"، لكنه مُنع من النشر، ولا أدري لماذا صحيفة قومية يفترض أن تكون محايدة ولا تقف مع طرف ضد آخر، ولكنه نُشر في أكثر من موقع، ويمكنك العودة إليه.
المقال كان قراءة تحليلية حول خطورة تأجيل الانتخابات... باعتبار أن المؤتمر لم يقل لنا لماذا أجل الانتخابات، وماذا استفاد الوطن من التأجيل. والمعارضة التي تدعو الحزب الحاكم إلى الشفافية والمكاشفة لم تقل لأعضائها ما هي المكاسب التي كسبتها كمعارضة، وما هي المكاسب التي كسبها الوطن من تأجيل الانتخابات.. قالوا لنا إن الاتفاق على تأجيل الانتخابات يجنب البلاد مخاطر دخولها حرباً أهلية، والسؤال الذي يطرح نفسه: المخاطر ممن؟ من الذي يهدد الأمن الوطني؟ هل يريدون أن نفهم أنهم من قبل كانوا يهددون الأمن الوطني؟ الذي أعرفه أن الديمقراطية لا تهدد الأمن القومي، إنما هي التي تعطي مساحة للناس ليقدموا أفضل ما لديهم، وليست السعي باتجاه خلق مشاكل من أجل الحصول على مكاسب شخصية.
أعتقد أن ما ذهبت إليه الأحزاب من تأجيل الأنتخابات ألغى الديمقراطية تماما، وهو المشروع الوحيد الذي كنا نفاخر به نحن اليمنيين، على اعتبار أننا لا نمتلك مشروعاً غير المشروع الديمقراطي الذي كنا نؤمل أن نصدِّره إلى الدول المجاورة كنموذج في العملية الديمقراطية. هكذا نحن قدَّمنا نموذجاً سيئاً. فلا تجد برلماناً في العالم يمدِّد لنفسه إلا البرلمان اليمني. وهذه بادرة خطيرة لا تعرفها الديمقراطيات المتقدمة ولا المتخلفة منها. ونحن في اليمن نقدم كل ما هو سيئ.
غياب الثقافة سببه الثقافة
< من خلال نظرتنا إلى واقع الثقافة نجده بلا بنى تحتية للسينما والمسرح، لا مكتبات ولا حركة للتأليف والنشر.. ما السبب؟
- الثقافة هي سبب غياب الثقافة، لأن الثقافة ليست ما هو مقروء في الكتب، هناك أكثر من 200 تعريف، ومن أهم هذه التعريفات هو الذي يقسِّم الثقافة إلى قسمين: القسم المقروء وهو مجرد وسيلة، ومفهوم الثقافة الإنثروبيولوجية، وتتمثل بالعادات والتقاليد والدين والمأكل والمشرب والملبس. هذه هي الثقافة الحقيقية. والثقافة الأنثروبولوجية في اليمن قائمة على التابو (المحرمات)، فهي تحرم السينما والمسرح والرسم والموسيقى. إضافة إلى أنه لا يوجد مشروع ثقافي، وأعتقد أن هذه مسؤولية السلطة بدرجة أولى؛ لأنه في ظل غياب الثقافة تغيب التنمية، وهذا ما هو حاصل في الجمهورية اليمنية. وزارة الثقافة في اليمن لديها صندوق يسمى صندوق التراث والتنمية الثقافية، ستجد أن هذا الصندوق غير معني بالتراث ولا بالتنمية الثقافية. فلا يوجد تراث محمي حتى الآن نستطيع أن نقول إن الصندوق قدم له هذه الحماية، ولا توجد تنمية ثقافية وهي غائبة. قل لي في أمانة العاصمة كم لدينا الآن من مؤسسات ثقافية بنيت بعد فترة السبعينيات. الذي أعرفه ما عدا بيت الثقافة الذي بني في عهد خالد الرويشان. ما دون ذلك متى بني المركز الثقافي، مبنى وزارة الثقافة الحالية هو من بقايا المباني التي كان يمتلكها الأتراك العثمانيون، ثم آلت بعد ذلك إلى الدولة ثم وزارة الثقافة. كان لدينا دور عرض للسينما، كان يوجد لدينا مسرح في السبعينيات. الآن لا يوجد لدينا مسرح، مع العلم أن وزارة الثقافة لديها ميزانية تحت ما يسمى التدريب والتأهيل، وهذا يعني أن تؤهل مسرحيين وسينمائيين وموسيقيين وفنانين. إذن الثقافة هي سبب غياب الثقافة.
< ماذا عن بيوت الفن، مسرح الهواء الطلق التي أسست في وزارة الرويشان؟ برأيك هل كانت فترته مختلفة؟
- كوزير ثقافة هذا واجبه. بالنسبة لبيوت الفن أعتقد أن من البيوت الـ10 لا يوجد سوى بيت واحد في إب ملك تابع للدولة. ما عدا ذلك فمؤجر، وبالتالي هي معرضة للطرد في أية لحظة. الرويشان جاء في فترة متقدمة، وهي 2004، وكانت صنعاء عاصمة للثقافة العربية، وكان يمتلك من الأموال المبالغ الكبيرة والطائلة، أنفقها في أمور ربما لو أنفقها على الثقافة لكان لدينا مشروع ثقافي..
< لكنه استمر فيما بعد حتى 2007...
- صحيح هذا المبلغ استمر على اعتبار أن صندوق التراث استحدث في هذه الفترة، وأصبح دخل صندوق التراث ما يزيد عن 60 مليوناً شهرياً. بهذه المبالغ أعتقد لو أن هناك رجلاً مهتماً بالثقافة وبالشأن الثقافي كان يمكن أن يؤسس بنية ثقافية. أما بالنسبة لمسرح "الهواء الطلق" فلم يستطع الرويشان أن يدافع عنه، صودر من قبل عناصر متشددة بقوة السلاح، واعتبروا أن ما يجري في هذا المسرح نوع من الكفر والخروج على العقائد. وأصبح المسرح مشروطاً ألا نأتي بالموسيقى ولا بالفرق الأوروبية إليه. أي مسرح هذا الذي نتحدث عنه؟ لست متشائما.. لكن فترة خالد الرويشان فيها الكثير من المعالم. وإذا أردنا أن ننصف الثقافة أعتقد أنها كانت في عهد يحيى العرشي في مرحلتها الذهبية. الرجل وضع كثيراً من المشاريع؛ منها مشروع الألف كتاب، ولكنه لم يتم لأن الوزراء الذين جاؤوا من بعده لم يستطيعوا إكمال المشوار. نحن نتعامل مع الأشخاص لا مع المؤسسات، لو كنا نتعامل مع المؤسسات لكان وضع الثقافة أفضل مما هو عليه، على اعتبار أنه سيكون هناك مشروع تراكمي. لكن هذا المشروع التراكمي مشروع غائب.
< تتناول المثقف ودوره في كثير من كتاباتك لكنك تصفه بالحشاش، لماذا هذا الوصف القاسي؟
- القات فيه مكونات مثل "إيمي فيتامين"، وهي مادة موجودة في الأساس في الحشيش، ولما أطلق على متعاطي القات "حشاش" على اعتبار أن هذه المادة موجودة في الحشيش. والحشيش من وجهة نظري أهون، وهذه ليست دعوة لتعاطيه، ولكن أقول أهون لأن هناك قانوناً دولياً يطال كل من يتعاطاه على عكس القات. عندما يكون لدي 8 ملاين متعاطٍ للقات من أصل 22 مليون يمني، تقريبا 500 ريال في المتوسط، والمبلغ أكبر يعني دولارين ونصف مضروبة في 8 ملايين، يعني بـ20 مليون دولار يوميا. لو أنفقنا 20 مليون دولار يوميا على البنية التحتية والتنمية والثقافة، لكانت اليمن تعتبر في مصاف الدول المتقدمة.
< هل قلة الإنتاج التي يعاني منها المثقف أيضا مرتبطة بالقات، أم هو سلوك شخصي وإن لم يوجد القات؟
- هناك تعريفات كثيرة للمثقف، من ضمنها المثقف العضوي، وهو: المثقف المثقل بهموم مجتمعه، فيسعى إلى أن يخفف هذه الهموم عن مجتمعه، والذي يسعى إلى أن يجعل هذا المجتمع يفكر بطرق سليمة وصحيحة، ويؤمن بالحرية والتعددية التي تسمح له بالتعايش وتغيير واقعه إلى ما هو أفضل. هذا المثقف في بلادنا غائب. المثقف لدينا عبارة عن فأر كتب يذهب إلى الأماكن المغلقة ليتعاطى تلك الشجرة الخبيثة التي تولد لديه ثقافة السكون، وتجعله يعتقد أنه يغير الكون والعالم.
غير ذلك، هذا المثقف الذي يتعاطي القات لا يفكر على الإطلاق؛ لأن القات قتل التفكير عنده، وإلا عندما يسمع عن أزمة غذاء عالمي وأزمة مالية، ويرى العالم كله واقفا على قدم وساق في مواجهة هذه الأزمة، بينما هو لا علاقة له بالأزمة، وكأن هذا الآخر سوف يزرع ويصنع ويصدر له وهو يتعاطى القات، هل يمكن بعد ذلك أن نقول إنه إنسان سوي. هذا إنسان محطم يعيش حالة من العزلة على المستوى الفردي والجماعي والدولي... مع ذلك أنا لا أحمله كل شيء، هناك مثقفون حقيقيون يعملون بصمت... ربما إنسان ليست لديه أي من مقومات التفكير، ويمتلك عشرات السيارات وأرصدة في البنوك وما يمكنه من السفريات. بينما مثقف حقيقي يعيش همه اليومي لا يجد حتى حق الباص لينتقل من منطقة إلى أخرى. لكني لا أشفق عليه لأنه قبِل بالذهاب لهذه الأماكن ليتعاطى القات هروباً من واقعه.
< يطلب وزير الثقافة محمد أبو بكر المفلحي في حوار مع صحيفة "الثقافية" من المبدع ألا يعتمد على المؤسسة الرسمية وليكن لديه مبادرة فردية، هل تتفق مع ما طرح؟
- نحن لسنا في مجتمع ليبرالي يؤمن بالحرية الفردية التي تخلق الحرية الاجتماعية. نحن في بلد كل شيء يتحكم فيه شخص واحد، نحن في بلد دخله القومي يذهب إلى خزينة المال العام. وبالتالي كيف تطلب مني أن أتحرك في الإطار الفردي، وأنا مقيد لا أمتلك هذه الإمكانية. كمن "ألقاه في اليم مكتوفا وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء"!
عندما نكون في مجتمع ليبرالي يؤمن بالمؤسسات، وبالتالي المؤسسات تحصل على نصيبها تلقائياً دون أن أعود إلى الجهات الرسمية، هنا يمكن أن تحمِّل المبدع لتقول له أن يكون لديه مشروعه الخاص. المشاريع مازالت ضبابية. عندما أتحدث عن وزارة الثقافة وفيها أكثر من 400 موظف كلهم موظفون إداريون، اعطني موظفاً مبدعاً، والوزير في حقيقة الأمر لا يستطيع أن يفعل شيئاً، الوزير أكن له كل الاحترام، وهو رجل معروفة نزاهته، لكنه مقيد...
< هل تكفي النزاهة لترك بصمة في عمل ما؟
- لا، لا تكفي، هذه قيم لصالح هذا الشخص، لكن عندما يكون الشخص غير قادر على إدارة مشروع لأن هناك مشاريع خفية هي التي تتم في نهاية الأمر. وزير الثقافة لا يستطيع أن يعيين وكيلا له ويختاره من تلقاء نفسه، بل يملى عليه الشخص الذي سيكون وكيلاً، والذي سيأتي وكيلاً لا علاقة له بالثقافة من قريب ولا بعيد.
لو عدت الآن لميزانية وزارة الثقافة ستجدها الأقل، مع ذلك هذه الميزانية تصرف عبارة عن نفقات جارية، مرتبات، ثم بعد ذلك سفريات ومؤتمرات. لكن ما هو المبلغ المرصود للإنتاج الفكري والثقافي؟ غير موجود، ولا أعتقد أن هناك مليم واحدا مرصودا للإنتاج الثقافي، فكيف ستنتج ثقافة أو تبدع.
أيضاً وزارة الثقافة لا تمتلك مسرحا، وبالتالي لا مشروع للمسرح، ولا تمتلك مشروعا للسينما حتى الآن، ولا ولا ولا. إذن كيف تطلب من المبدع أن يحقق مشروعه الخاص في ظل غياب المشروع العام.
< على مستوى مسؤولي الثقافة وتعاملهم مع المبدع د. فارس السقاف يقول إنه عندما يشتري كتاباً لأحد المبدعين "بسعر تشجيعي" فمعنى ذلك أنه يشجع على البطالة؟
- ما هو البديل الذي يمتلكه فارس السقاف؟! كانت الحسنة الوحيدة أن يذهب هؤلاء الغلابى والمساكين لبيع 10 نسخ بـ10 آلاف ريال، منعها فارس السقاف. ما هو مشروعه البديل الذي يقدمه لنقل المثقف من عالم البطالة إلى عالم العمل. ما الذي أنتجه فارس السقاف حتى الآن وهو مثقف ومحسوب على الوسط الثقافي ومهموم ومعجون بهذا الوسط للأسف الشديد. أنا أقول لفارس السقاف وهو يجلس على كرسي لن يستمر فيه، لكن هذا الواقع سيؤرخ له سلبا أو إيجاباً، أن يقدم شيئا للثقافة لأن من لا يقدم عملاً محسوباً يذهب غير مأسوف عليه.
< الجيل الألفيني الشاعر الفنان القاص الروائي.. برأيك لماذا لم يأخذ حقه من الاهتمام كما حدث مع جيل التسعينيات وما قبله؟
- بالنسبة لجيل التسعينيات، ارتبط بالوحدة اليمنية، هذا المشروع العظيم، ومن هنا كان لابد أن يربط هذا الإنتاج بقيم الوحدة... لكن الجيل الألفيني هو جيل ارتبط بمرحلة تراجع على كل المستويات، وبالتالي لم يتم الالتفات إليه، مع العلم أنَّه قد يكون جيلا تجاوز من سبقه بخلقه تراكما. لكن ربما النكسات والتراجع عامل أساسي لعدم تسليط الضوء على هذا الجيل.
شخصياً، لدي تقريباً، كل المجموعات الشعرية التي صدرت بعضها قرأتها وبعضها في طريقها إلى القراءة، وكذلك كل الأعمال القصصية والروائية، وأنا مهموم بالواقع الإبداعي، أحاول أن أحصل على كل ما تم إنتاجه... وأعكف على كتابات كثيرة من ضمنها الكتابة عن جيل الشباب منذ بداية 2000 وما بعدها، ولكن الهموم اليومية تعيق الإنسان، لا أستطيع أن أتفرغ للكتابة، يفترض أن أكون بظروف مستقرة، ومع ذلك هذه البلاد تستهلكني يومياً دون أن أقدم لها أي شيء إلا تضييع الوقت في الذهاب والإياب إلى أكثر من وزارة ومؤسسة لكي أقضي بعض الحاجات التي تخصني أو تخص كثيراً من المغبونين أو المظلومين. للأسف الشديد لا ننتج شيئاً، ومع ذلك لانمتلك الوقت.
< أخيراً، إلى أي مدى يتسع وطن الثقافة عن وطن السياسة؟
- وطن الثقافة ضيق للغاية..
< بشكل عام أم تقصد في اليمن...؟
- لا، في اليمن فقط.. في البلدان الأخرى الثقافة هي التي تستوعب كل شيء؛ تستوعب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تستوعب الموروث. لكن هنا الثقافة مقصية، الثقافة الحاضرة هي ثقافة العنف، ثقافة الثأر، ثقافة الإقصاء، ثقافة الإلغاء، ثقافة التشكيك، ثقافة امتلاك الحقيقة المطلقة دون إعطاء مساحة ولو جزئية للآخر. السياسي حاضر في كل حياتنا، السياسي جعل الوطن يتسع لخلافاتنا، لكنه لم يجعله يتسع لحواراتنا ونقاشاتنا، وهذه إشكالية من وجهة نظري أن يكون الوطن اليمني من أقصى شماله وجنوبه، من أقصى شرقه وغربه، قد استوعب هذه الخلافات الحادة والمدمرة التي نخوضها كل يوم، لكنه لم يتسع لأن نجري حواراتنا على طاولة من الحوار الذي يجعل رأيي صوابا يحتمل الخطأ ورأيك خاطئا يحتمل الصواب.
< تأجيل الانتخابات يعرض الديمقراطية للتشويه ويجعل فكرتها لدى المواطن العادي مسألة مصالح وتقاسم
< الثقافة الحاضرة هي ثقافة الثأر، ثقافة الإقصاء، ثقافة الإلغاء، ثقافة التشكيك، ثقافة امتلاك الحقيقة المطلقة دون إعطاء مساحة ولو جزئية للآخر
ما أعدت اكتشافه من خلال حواري مع ناقدٍ كالدكتور عادل الشجاع، أنه من الصعب التجديف في اتجاه دون أن نصاب بدوار السياسة.. في هذا الحوار يجيب د. الشجاع على أسباب ذلك. ونسأله عن كتابات له أثارت ردود أفعال مكتوبة أو تلك التي لا تتعدى الأحاديث الجانبية. كما نعرف لماذا يقف ضد تأجيل الانتخابات النيابية لعامين قادمين.. ثم ماذا عن الثقافة والمثقف والأجيال الإبداعية القادمة...
حوار: محمد الشلفي
السياسة في اليمن خبز يومي
< أنت كناقد نشيط لك الكثير من الكتابات في اتجاهات مختلفة.. ركزت بعد عودتك بالذات من القاهرة على الكتابة في النقد الأدبي، لكن مثل هذه الكتابات نلاحظ أنها بدأت تقل، ما سبب ذلك؟
- الوسط الذي نعيش فيه وسط معجون بما هو سياسي، ليس بالمفهوم الطبيعي للمفهوم السياسي، ولكن بمفهومه السلبي. ولكي تغير في بنية العقل الجمعي لابد أن يكون مدخلك هو المدخل الذي يفكرون من خلاله، فالتفكير في هذا الوسط تفكير يعود إلى المفردة السياسية. ولعل هذا يعود إلى المكون الثقافي الذي تكوَّن منذ منتصف القرن الـ20 نتيجة لوجود الأحزاب السياسية واشتغالها على المفردة السياسية على حساب المفردة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا وجدت أن كتاباتي النقدية في وسط لا يوجد فيه إنتاج إبداعي في المجال الأدبي بمختلف أجناسه الشعرية والسردية، فلجأت إلى السياسة على اعتبار أن النقد يستوعب كل هذه المكونات.
< قلت: لا يوجد إبداع.. بأي معنى؟
- أقصد أن الكتابة الإبداعية سواء في مجال الشعر أو الرواية، غير مشجعة، لأن الذي يكتب الشعر أو السرد يتواجد في أماكن مغلقة، يكرر نفسه بشكل يومي، وبالتالي لا فرق بين عمله الأول والثاني والثالث، هذا إن أبدع عملاً ثالثاً. على سبيل المثال أنا اطلعت تقريبا على مجمل ما أصدر في 2008، لم أجد ما يستحق أن نعده عملاً إبداعيا مميزاً إلا بعض الأعمال التي حاولت أن تدخل في عالم الفكرة وليس في عالم الإبداع.. وأنا لا يهمني الفكرة ولا أحكم عليها بقدر ما تهمني المعالجة. ربما يتداول الفكرة جماعات في دول أخرى لأنها معنية بالأفكار أكثر مما هي معنية بالإبداع الأدبي. وإذا ما كان لنا الرجوع إلى الكتابة النقدية الأدبية، فبالتالي في الوقت الراهن لا بد من التمدد باتجاه الإبداع في الخليج والجزيرة العربية.
العلمانية هي الحل لكل مشاكلنا
< تتبنى "العلمانية" في مقالاتك كقضية جوهرية.. ألا تعتقد أن مثل هذه الكتابات تتجاوز الواقع: الفساد والفقر وتدني مستوى التعليم والصحة؟
- بالطبع هناك قضايا تتولد وتتخلق وتنمو نتيجة لغياب قضية مركزية.. أنا أعتبر أن العلمانية قضية أساسية بل أعتبر أنها هي الحل لكل مشاكلنا ولكل قضايا الفساد هنا. لأن العلمانية هي: حرية الفرد بما لا يتعارض مع حرية الجماعة...
< هل هذا هو تعريف العلمانية التي تقصدها في كتاباتك؟
- نعم، لكل مجتمع علمانيته. العلمانية هي مشروع إنساني، وكل مجتمع له علمانيته المختلفة عن علمانية المجتمع الآخر، هي كفكر تتواءم مع الأفكار السائدة في مجتمع ما على خلاف ما هو موجود في مجتمع آخر. الدين الإسلامي كان دينا علمانيا لأنه جاء ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد... الرسول (ص) كانت ممارساته علمانية عندما وصل إلى المدينة وكتب الوثيقة التي بينه وبين اليهود، وأعطى اليهود ما للمسلمين، ولم يأمرهم بالدخول إلى الإسلام. كذلك الرسائل التي بعثها إلى قبائل نجران مؤكداً على احترام عباداتهم. لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. فقط الجميع يسيرون في اتجاه المجتمع المدني من خلال مؤسساته التي تحمي هذه الدولة.. ومن خرج على هذه الاتفاقات يكون خارجاً على الدولة. مسألة العلمانية هي أن الله أوجدني حراً، وهذا ما هو موجود ومعمول به في المجتمعات الغربية. علينا أن نأخذ ما هو إيجابي من هذا الآخر.
< بعيدا عما يتبادر إلى الذهن كلما سمعت هذه الكلمة في المجتمع اليمني، ولكن كل ما تقول به من احترام العقل والإيمان بالعلم وتقديس حياة الإنسان وإنزال الشخص المناسب في المكان المناسب... إلخ، يأمر به الإسلام، لماذا لا يكون هو المنطلق؟
- الإسلام ليس فكرة جامدة، بل جديد متجدد، وبالتالي يأخذ من كل الأفكار المتطورة، بدليل أن الحضارة الإسلامية عندما قامت أخذت من الحضارة الرومانية واليونانية والفارسية ومن الهندية. لماذا وصلنا إلى هذه الفترة ونريد أن ننغلق على الحضارات. الإسلام لا يمانع، وقد وضع لنا إطاراً نتحرك من خلاله. لكن شؤون الحياة معني بها الإنسان، معني بها المجتمع، فالإسلام لم يقدم تفاصيل. بل وضع لنا إطاراً عاماً نتحرك فيه بما يحقق مصالحنا كبشر.
< في بعض ما تكتب يحتار القارئ في تصنيفك؛ أحيانا تكتب مع السلطة، وأحيانا مع المعارضة، وأحيانا ضدهما.. كيف نفهم هذا؟
- أنا مجرد قارئ، والقارئ هو المحلل، والمحلل هو الذي لا يرتبط بطرف ضد الطرف الآخر. عندما أجد أن السلطة أو المعارضة تفكران بشكل إيجابي أكون مع هذه الإيجابية. وعندما يفكران بشكل سلبي أقف ضد هذه السلبية. بدليل أنني ضد ما ذهب إليه الحزب الحاكم وما ذهبت إليه أحزاب اللقاء المشترك من تأجيل الانتخابات البرلمانية لسنتين، لأني كقارئ أرى أن أخذ الدستور ورميه عرض الحائط وانتهاك القوانين المعمول بها في البلد يعرض الديمقراطية إلى الخراب والتشويه، ويجعل فكرة الديمقراطية لدى المواطن العادي مسألة مصالح ومسألة تقاسم. وبالتالي هو لن يؤمن بمسألة الديمقراطية، وسيعتقد أن الديمقراطية هي مسؤولية الأحزاب وليست مسؤولية الشعب. كما فأنا قارئ لا أقل ولا أكثر، لا أحاول أن أؤطر نفسي في مكان مغلق. حتى عندما أنتمي لحزب من الأحزاب، فأنا لا أنتمي إليه حتى يصادر عقلي، وأجعل هذا الحزب يفكر نيابة عني. على العكس من ذلك، أنتمي إليه ليكون لي دوري في بناء الحزب، وأن يكون لي دوري في التفكير نحو تطوير هذا الحزب، وأيضاً أن أحصل على مصلحتي باعتبار أن الأحزاب لا تقوم إلا من أجل أن تحقق المصالح لأعضائها وأفرادها. ومن يقول غير ذلك أعتقد أنه يبحث عن مصلحة خفية وليست ظاهرة للعيان.
< بما أنك ضد تأجيل الانتخابات، هل كتبت في هذا..؟
- كتبت مقالاً، وكان بعنوان "لماذا نستسهل الحلول الصعبة؟" في يومياتي التي أكتبها في "الثورة"، لكنه مُنع من النشر، ولا أدري لماذا صحيفة قومية يفترض أن تكون محايدة ولا تقف مع طرف ضد آخر، ولكنه نُشر في أكثر من موقع، ويمكنك العودة إليه.
المقال كان قراءة تحليلية حول خطورة تأجيل الانتخابات... باعتبار أن المؤتمر لم يقل لنا لماذا أجل الانتخابات، وماذا استفاد الوطن من التأجيل. والمعارضة التي تدعو الحزب الحاكم إلى الشفافية والمكاشفة لم تقل لأعضائها ما هي المكاسب التي كسبتها كمعارضة، وما هي المكاسب التي كسبها الوطن من تأجيل الانتخابات.. قالوا لنا إن الاتفاق على تأجيل الانتخابات يجنب البلاد مخاطر دخولها حرباً أهلية، والسؤال الذي يطرح نفسه: المخاطر ممن؟ من الذي يهدد الأمن الوطني؟ هل يريدون أن نفهم أنهم من قبل كانوا يهددون الأمن الوطني؟ الذي أعرفه أن الديمقراطية لا تهدد الأمن القومي، إنما هي التي تعطي مساحة للناس ليقدموا أفضل ما لديهم، وليست السعي باتجاه خلق مشاكل من أجل الحصول على مكاسب شخصية.
أعتقد أن ما ذهبت إليه الأحزاب من تأجيل الأنتخابات ألغى الديمقراطية تماما، وهو المشروع الوحيد الذي كنا نفاخر به نحن اليمنيين، على اعتبار أننا لا نمتلك مشروعاً غير المشروع الديمقراطي الذي كنا نؤمل أن نصدِّره إلى الدول المجاورة كنموذج في العملية الديمقراطية. هكذا نحن قدَّمنا نموذجاً سيئاً. فلا تجد برلماناً في العالم يمدِّد لنفسه إلا البرلمان اليمني. وهذه بادرة خطيرة لا تعرفها الديمقراطيات المتقدمة ولا المتخلفة منها. ونحن في اليمن نقدم كل ما هو سيئ.
غياب الثقافة سببه الثقافة
< من خلال نظرتنا إلى واقع الثقافة نجده بلا بنى تحتية للسينما والمسرح، لا مكتبات ولا حركة للتأليف والنشر.. ما السبب؟
- الثقافة هي سبب غياب الثقافة، لأن الثقافة ليست ما هو مقروء في الكتب، هناك أكثر من 200 تعريف، ومن أهم هذه التعريفات هو الذي يقسِّم الثقافة إلى قسمين: القسم المقروء وهو مجرد وسيلة، ومفهوم الثقافة الإنثروبيولوجية، وتتمثل بالعادات والتقاليد والدين والمأكل والمشرب والملبس. هذه هي الثقافة الحقيقية. والثقافة الأنثروبولوجية في اليمن قائمة على التابو (المحرمات)، فهي تحرم السينما والمسرح والرسم والموسيقى. إضافة إلى أنه لا يوجد مشروع ثقافي، وأعتقد أن هذه مسؤولية السلطة بدرجة أولى؛ لأنه في ظل غياب الثقافة تغيب التنمية، وهذا ما هو حاصل في الجمهورية اليمنية. وزارة الثقافة في اليمن لديها صندوق يسمى صندوق التراث والتنمية الثقافية، ستجد أن هذا الصندوق غير معني بالتراث ولا بالتنمية الثقافية. فلا يوجد تراث محمي حتى الآن نستطيع أن نقول إن الصندوق قدم له هذه الحماية، ولا توجد تنمية ثقافية وهي غائبة. قل لي في أمانة العاصمة كم لدينا الآن من مؤسسات ثقافية بنيت بعد فترة السبعينيات. الذي أعرفه ما عدا بيت الثقافة الذي بني في عهد خالد الرويشان. ما دون ذلك متى بني المركز الثقافي، مبنى وزارة الثقافة الحالية هو من بقايا المباني التي كان يمتلكها الأتراك العثمانيون، ثم آلت بعد ذلك إلى الدولة ثم وزارة الثقافة. كان لدينا دور عرض للسينما، كان يوجد لدينا مسرح في السبعينيات. الآن لا يوجد لدينا مسرح، مع العلم أن وزارة الثقافة لديها ميزانية تحت ما يسمى التدريب والتأهيل، وهذا يعني أن تؤهل مسرحيين وسينمائيين وموسيقيين وفنانين. إذن الثقافة هي سبب غياب الثقافة.
< ماذا عن بيوت الفن، مسرح الهواء الطلق التي أسست في وزارة الرويشان؟ برأيك هل كانت فترته مختلفة؟
- كوزير ثقافة هذا واجبه. بالنسبة لبيوت الفن أعتقد أن من البيوت الـ10 لا يوجد سوى بيت واحد في إب ملك تابع للدولة. ما عدا ذلك فمؤجر، وبالتالي هي معرضة للطرد في أية لحظة. الرويشان جاء في فترة متقدمة، وهي 2004، وكانت صنعاء عاصمة للثقافة العربية، وكان يمتلك من الأموال المبالغ الكبيرة والطائلة، أنفقها في أمور ربما لو أنفقها على الثقافة لكان لدينا مشروع ثقافي..
< لكنه استمر فيما بعد حتى 2007...
- صحيح هذا المبلغ استمر على اعتبار أن صندوق التراث استحدث في هذه الفترة، وأصبح دخل صندوق التراث ما يزيد عن 60 مليوناً شهرياً. بهذه المبالغ أعتقد لو أن هناك رجلاً مهتماً بالثقافة وبالشأن الثقافي كان يمكن أن يؤسس بنية ثقافية. أما بالنسبة لمسرح "الهواء الطلق" فلم يستطع الرويشان أن يدافع عنه، صودر من قبل عناصر متشددة بقوة السلاح، واعتبروا أن ما يجري في هذا المسرح نوع من الكفر والخروج على العقائد. وأصبح المسرح مشروطاً ألا نأتي بالموسيقى ولا بالفرق الأوروبية إليه. أي مسرح هذا الذي نتحدث عنه؟ لست متشائما.. لكن فترة خالد الرويشان فيها الكثير من المعالم. وإذا أردنا أن ننصف الثقافة أعتقد أنها كانت في عهد يحيى العرشي في مرحلتها الذهبية. الرجل وضع كثيراً من المشاريع؛ منها مشروع الألف كتاب، ولكنه لم يتم لأن الوزراء الذين جاؤوا من بعده لم يستطيعوا إكمال المشوار. نحن نتعامل مع الأشخاص لا مع المؤسسات، لو كنا نتعامل مع المؤسسات لكان وضع الثقافة أفضل مما هو عليه، على اعتبار أنه سيكون هناك مشروع تراكمي. لكن هذا المشروع التراكمي مشروع غائب.
< تتناول المثقف ودوره في كثير من كتاباتك لكنك تصفه بالحشاش، لماذا هذا الوصف القاسي؟
- القات فيه مكونات مثل "إيمي فيتامين"، وهي مادة موجودة في الأساس في الحشيش، ولما أطلق على متعاطي القات "حشاش" على اعتبار أن هذه المادة موجودة في الحشيش. والحشيش من وجهة نظري أهون، وهذه ليست دعوة لتعاطيه، ولكن أقول أهون لأن هناك قانوناً دولياً يطال كل من يتعاطاه على عكس القات. عندما يكون لدي 8 ملاين متعاطٍ للقات من أصل 22 مليون يمني، تقريبا 500 ريال في المتوسط، والمبلغ أكبر يعني دولارين ونصف مضروبة في 8 ملايين، يعني بـ20 مليون دولار يوميا. لو أنفقنا 20 مليون دولار يوميا على البنية التحتية والتنمية والثقافة، لكانت اليمن تعتبر في مصاف الدول المتقدمة.
< هل قلة الإنتاج التي يعاني منها المثقف أيضا مرتبطة بالقات، أم هو سلوك شخصي وإن لم يوجد القات؟
- هناك تعريفات كثيرة للمثقف، من ضمنها المثقف العضوي، وهو: المثقف المثقل بهموم مجتمعه، فيسعى إلى أن يخفف هذه الهموم عن مجتمعه، والذي يسعى إلى أن يجعل هذا المجتمع يفكر بطرق سليمة وصحيحة، ويؤمن بالحرية والتعددية التي تسمح له بالتعايش وتغيير واقعه إلى ما هو أفضل. هذا المثقف في بلادنا غائب. المثقف لدينا عبارة عن فأر كتب يذهب إلى الأماكن المغلقة ليتعاطى تلك الشجرة الخبيثة التي تولد لديه ثقافة السكون، وتجعله يعتقد أنه يغير الكون والعالم.
غير ذلك، هذا المثقف الذي يتعاطي القات لا يفكر على الإطلاق؛ لأن القات قتل التفكير عنده، وإلا عندما يسمع عن أزمة غذاء عالمي وأزمة مالية، ويرى العالم كله واقفا على قدم وساق في مواجهة هذه الأزمة، بينما هو لا علاقة له بالأزمة، وكأن هذا الآخر سوف يزرع ويصنع ويصدر له وهو يتعاطى القات، هل يمكن بعد ذلك أن نقول إنه إنسان سوي. هذا إنسان محطم يعيش حالة من العزلة على المستوى الفردي والجماعي والدولي... مع ذلك أنا لا أحمله كل شيء، هناك مثقفون حقيقيون يعملون بصمت... ربما إنسان ليست لديه أي من مقومات التفكير، ويمتلك عشرات السيارات وأرصدة في البنوك وما يمكنه من السفريات. بينما مثقف حقيقي يعيش همه اليومي لا يجد حتى حق الباص لينتقل من منطقة إلى أخرى. لكني لا أشفق عليه لأنه قبِل بالذهاب لهذه الأماكن ليتعاطى القات هروباً من واقعه.
< يطلب وزير الثقافة محمد أبو بكر المفلحي في حوار مع صحيفة "الثقافية" من المبدع ألا يعتمد على المؤسسة الرسمية وليكن لديه مبادرة فردية، هل تتفق مع ما طرح؟
- نحن لسنا في مجتمع ليبرالي يؤمن بالحرية الفردية التي تخلق الحرية الاجتماعية. نحن في بلد كل شيء يتحكم فيه شخص واحد، نحن في بلد دخله القومي يذهب إلى خزينة المال العام. وبالتالي كيف تطلب مني أن أتحرك في الإطار الفردي، وأنا مقيد لا أمتلك هذه الإمكانية. كمن "ألقاه في اليم مكتوفا وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء"!
عندما نكون في مجتمع ليبرالي يؤمن بالمؤسسات، وبالتالي المؤسسات تحصل على نصيبها تلقائياً دون أن أعود إلى الجهات الرسمية، هنا يمكن أن تحمِّل المبدع لتقول له أن يكون لديه مشروعه الخاص. المشاريع مازالت ضبابية. عندما أتحدث عن وزارة الثقافة وفيها أكثر من 400 موظف كلهم موظفون إداريون، اعطني موظفاً مبدعاً، والوزير في حقيقة الأمر لا يستطيع أن يفعل شيئاً، الوزير أكن له كل الاحترام، وهو رجل معروفة نزاهته، لكنه مقيد...
< هل تكفي النزاهة لترك بصمة في عمل ما؟
- لا، لا تكفي، هذه قيم لصالح هذا الشخص، لكن عندما يكون الشخص غير قادر على إدارة مشروع لأن هناك مشاريع خفية هي التي تتم في نهاية الأمر. وزير الثقافة لا يستطيع أن يعيين وكيلا له ويختاره من تلقاء نفسه، بل يملى عليه الشخص الذي سيكون وكيلاً، والذي سيأتي وكيلاً لا علاقة له بالثقافة من قريب ولا بعيد.
لو عدت الآن لميزانية وزارة الثقافة ستجدها الأقل، مع ذلك هذه الميزانية تصرف عبارة عن نفقات جارية، مرتبات، ثم بعد ذلك سفريات ومؤتمرات. لكن ما هو المبلغ المرصود للإنتاج الفكري والثقافي؟ غير موجود، ولا أعتقد أن هناك مليم واحدا مرصودا للإنتاج الثقافي، فكيف ستنتج ثقافة أو تبدع.
أيضاً وزارة الثقافة لا تمتلك مسرحا، وبالتالي لا مشروع للمسرح، ولا تمتلك مشروعا للسينما حتى الآن، ولا ولا ولا. إذن كيف تطلب من المبدع أن يحقق مشروعه الخاص في ظل غياب المشروع العام.
< على مستوى مسؤولي الثقافة وتعاملهم مع المبدع د. فارس السقاف يقول إنه عندما يشتري كتاباً لأحد المبدعين "بسعر تشجيعي" فمعنى ذلك أنه يشجع على البطالة؟
- ما هو البديل الذي يمتلكه فارس السقاف؟! كانت الحسنة الوحيدة أن يذهب هؤلاء الغلابى والمساكين لبيع 10 نسخ بـ10 آلاف ريال، منعها فارس السقاف. ما هو مشروعه البديل الذي يقدمه لنقل المثقف من عالم البطالة إلى عالم العمل. ما الذي أنتجه فارس السقاف حتى الآن وهو مثقف ومحسوب على الوسط الثقافي ومهموم ومعجون بهذا الوسط للأسف الشديد. أنا أقول لفارس السقاف وهو يجلس على كرسي لن يستمر فيه، لكن هذا الواقع سيؤرخ له سلبا أو إيجاباً، أن يقدم شيئا للثقافة لأن من لا يقدم عملاً محسوباً يذهب غير مأسوف عليه.
< الجيل الألفيني الشاعر الفنان القاص الروائي.. برأيك لماذا لم يأخذ حقه من الاهتمام كما حدث مع جيل التسعينيات وما قبله؟
- بالنسبة لجيل التسعينيات، ارتبط بالوحدة اليمنية، هذا المشروع العظيم، ومن هنا كان لابد أن يربط هذا الإنتاج بقيم الوحدة... لكن الجيل الألفيني هو جيل ارتبط بمرحلة تراجع على كل المستويات، وبالتالي لم يتم الالتفات إليه، مع العلم أنَّه قد يكون جيلا تجاوز من سبقه بخلقه تراكما. لكن ربما النكسات والتراجع عامل أساسي لعدم تسليط الضوء على هذا الجيل.
شخصياً، لدي تقريباً، كل المجموعات الشعرية التي صدرت بعضها قرأتها وبعضها في طريقها إلى القراءة، وكذلك كل الأعمال القصصية والروائية، وأنا مهموم بالواقع الإبداعي، أحاول أن أحصل على كل ما تم إنتاجه... وأعكف على كتابات كثيرة من ضمنها الكتابة عن جيل الشباب منذ بداية 2000 وما بعدها، ولكن الهموم اليومية تعيق الإنسان، لا أستطيع أن أتفرغ للكتابة، يفترض أن أكون بظروف مستقرة، ومع ذلك هذه البلاد تستهلكني يومياً دون أن أقدم لها أي شيء إلا تضييع الوقت في الذهاب والإياب إلى أكثر من وزارة ومؤسسة لكي أقضي بعض الحاجات التي تخصني أو تخص كثيراً من المغبونين أو المظلومين. للأسف الشديد لا ننتج شيئاً، ومع ذلك لانمتلك الوقت.
< أخيراً، إلى أي مدى يتسع وطن الثقافة عن وطن السياسة؟
- وطن الثقافة ضيق للغاية..
< بشكل عام أم تقصد في اليمن...؟
- لا، في اليمن فقط.. في البلدان الأخرى الثقافة هي التي تستوعب كل شيء؛ تستوعب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تستوعب الموروث. لكن هنا الثقافة مقصية، الثقافة الحاضرة هي ثقافة العنف، ثقافة الثأر، ثقافة الإقصاء، ثقافة الإلغاء، ثقافة التشكيك، ثقافة امتلاك الحقيقة المطلقة دون إعطاء مساحة ولو جزئية للآخر. السياسي حاضر في كل حياتنا، السياسي جعل الوطن يتسع لخلافاتنا، لكنه لم يجعله يتسع لحواراتنا ونقاشاتنا، وهذه إشكالية من وجهة نظري أن يكون الوطن اليمني من أقصى شماله وجنوبه، من أقصى شرقه وغربه، قد استوعب هذه الخلافات الحادة والمدمرة التي نخوضها كل يوم، لكنه لم يتسع لأن نجري حواراتنا على طاولة من الحوار الذي يجعل رأيي صوابا يحتمل الخطأ ورأيك خاطئا يحتمل الصواب.
هناك 4 تعليقات:
أحتجت لوقت لا بأس به لأمر على تدويناتك السابقه ...
كلما عرفت بان أحدهم يمتلك مدونه كلما أسرعت اليها أقرأ كيف يفكر وبماذا أنسان في هذا البلد أعيش وأياه الظروف نفسها والحياة نفسها ...أعتقد أنها رغبة عجيبه ولكنني أستمتع بها حتى الآن
أتمنى لك استمرارية ما تكتب بالشكل الذي تريد والمواضيع التي قد تهمك الكتابه عنها ...هذه ميزة التدوين لا تجبرنا على شيء ...
أما بالنسبه لعادل الشجاع فأنا ممن يودون الألتقاء به شخصيا وأن كنت سمعته هنا أو هناك ذات صدف عابره ...
ليس الوقت متاحا الآن لمناقشة حواره وأن كنت أظنني سأعود لأقول لك رأيي في بعض ما قيل
تحياتي
مثقف باع نفسه للنظام من أجل مركزيحلم به هذا هو عادل الشجاع الذي لا يعرف حقيقته الكثير
موقف عادل الشجاع من الثورة كشف حقيقته التي يخفيها تحت ستار المثقف الذي يدعو للتحضر.
ماأحقر من يحرص على مصالحه الشخصية والثمن دم الأبطال الأبرياء فعلا إنها ثورة يصنعها الأبطال ويحصد ثمارها المرتزقة أمثال هؤلاء.
لست ادري كيف تقيمون المثقف التابع للسلطةوالمثقف المدافع عن فكرة وقضية-عادل الشجاع اعرفه ناقدا حصيفا وشجاعا ولا داعي لان يحسب على السلطة ايها الفاشلون--ثم لماذا نستسهل الامور بهذه الصورة (مع السلطة-يبحث عن منصب-ياخذ فلوس)وكان الذين مع الثورة ملائكة--دعكم من كل ذلك وكونوا صادقين مع انفسكم اولا-ايها الابطال الجدد.
إرسال تعليق