السبت، مارس 27، 2010

الكتابة



جالس في الغرفة وحدي، ثمة نار هادئة تشتعل في أذني اليسرى من الخارج، وهذا الاشتعال يعني أنني محرج. هل بالإمكان أن أقول: إنني محرج من نفسي مثلاً، عموماً كنت قد أتممت كتابة مقال وعند آخر جملة منه “أما الحظ فلا يقف إلا على جانب أؤلئك الأكثر استعداداً، أشتعلت أذني مباشرة ربما وجهت لنفسي سؤالاً دون أن أدري ، قد أكون فكرت في كيف يمكن أن تنصح الآخرين وأنت لست كذلك لكن صدقوني أنا أعتبر نفسي مستعداً حتى وأنا لا أراه واضحاً بجانبي ، قد اعد بعض ما يحدث لي حظـا لكنه لم يأتِ صدفة على كل حال.مازالت أذني تشتعل، أما ماالذي يمكن أن أضيفه فهو أن البكتيريا في معدتي استيقظت للتو ومع هذا الكائن الغريب تفضل الانبطاح على مكان بارد فكأن أحداً يتسلق فيها وبيده مخرز، القلق قد يؤدي إلى آلام المعدة ، الغضب ، العصبية ، ثم الجوع، وأنا ما أكثر ما أصبت بهذه الأعراض فكل ما حولي يؤدي إليها ، ومنها الوحدة التي ومؤخراً أصبح لدي خبرة كافية للتعامل معها وترويضها.بدأت بالكتابة ، كم أحبها هكذا ببساطة حتى وأنا أعاني منها حين لا أراها جميلة ، قليلاً جداً ما جعلتني أشك في ذاتي هي حريصة على ألا تجعلني أشك فيها لطالما منحتني الثقة فقد وهبتني ان أتحول إلى أي شيء أريده، أقول لكم صدقوني لا يعجزني أن أتحول إلى أي شيء في الكون لا أو د أن أكون حجراً لكني قد أكون، أود أن أكون أشياء لها استخدامات عديدة كشجرة تتوالد مثلاً، قد أتحول إلى نار أو إلى ورق أو إلى خشب إلى باب أو إلى بيت صغير أستطيع أن أتحول إلى حطب. أشعر بدوار خفيف مثل هذا أسبابه معروفة في مثل هذا الوقت أنت تكتب لتغيب أصوات السيارات في الشارع وأصوات مطارق السمكري اللامنقطعة في الجوار . تقوم بعصف شيء ما في ذاكرتك ثم تعود إلى اللحظة وتكرر ذلك كل مرة، ثمة دائرة أنت تسير وفقها لتنتج كل هذا.في حضرتها لا تشعر أنها قد تخونك، فما لا تود أن يراه الآخرون منها سببه معروف أيضاً لقد خانك الزمن والمكان لقد أخطأت في التودد إليها ، لم تكن ناضجة حين قطفتها، ما يعتمل بداخلك حولها أو لحظة أجبرتها على المجيء لا يجعلها تتركك وتمضي. إنتاجك متعلق بمستواك لن يكون اللوم عليها حينها، بدأت تهدأ البكتيريا في معدتي وأذني تعود لدرجة حرارتها الطبيعية، حين قلت: بدأت بالكتابة، لم أكن أعني أنني سأنتهي بغيرها فالكتابة هي الوحدة والأنس في آن واحد وهو ما لا يشعرني بالوحشة. <<<أكتب كي أفجر الأشياء، والكتابة انفجار أكتب كي ينتصر الضوء على العتمة والقصيدة انتصار أكتب كيف تقرأني سنابل القمح وكي تقرأني الأشجار كي تفهمني الوردة، والنجمة، والعصفور والقطة، والأسماك، والأصداف، والمحار نزار قباني

ربما يكون 2010 عاماً للمسرح اليمني


استحق 2008 أن يكون عاماً للرواية اليمنية، والاستحقاق هنا يقاس على حال الرواية اليمنية منذ البدايات.. فقد صدرت قبل عامين 7 روايات، ورشحت رواية منها إلى جائزة عربية وإن لم تمنح. هل يكون 2010 هو عام المسرح ؟ ربما ! لأن الظروف تتوافر مبدئياً لأن يكون العام كذلك ونحن نأخذ التجربة هنا بشكل عام. يبدو واضحاً من متابعة سريعة للنشاط المسرحي منذ عامين وهذا العام بالتحديد ففيما كان مسرح الأربعاء يقدم مسرحيات عادية للغاية، أصبح هذا العام يقدم مسرحيات جيدة إلى حد ما رغم أنه لم يتجاوز فكرة العرض ليوم واحد فقط. فقد تم عرض مسرحيتي “عيال مجانين” و “عائلة محترمة جداً” لفرقة الأمل المسرحية والأخيرة عرضت أيضاً بعد ذلك في عدن. وكلتا المسرحيتين من المسرحيات الجيدة برأيي الشخصي، والفرق التي تؤديها بحاجة إلى رعاية منا فهم يعملون دون دعم من أحد.منذ أسبوع تقريباً عرضت مؤسسة شركاء للتنمية مسرحيتين قصيرتين ضمن “مسرح الأربعاء” برعاية السفارة الأمريكية هما “طيور غادرتها الأجنحة” والمسرحية الصامتة الأخرى “أين أنت الآن” والأخيرة ربما تكون أول مسرحية صامتة تعرض في اليمن إذا لم أكن مخطئاً. كان العرضان مؤثرين رغم حرص الرعاة للعروض على تحميله رسائل مباشرة، والتوجيه للفن فكرة غير موفقة سواء من جهة داخلية أم خارجية فهذا يعني أن نجعل الفن ك “طيور غادرتها الأجنحة” لا تستطيع أن تحلّق بحرية.أيضا ما قد يجعل هذا العام هو عام المسرح إذا عدنا إلى بدايته وهي مسرحية “معكـ نازل” وهي المسرحية المقتبسة من المسرحية الألمانية “خط رقم 1” برعاية البيت الألماني وقد عرضت خارج “مسرح الأربعاء”الفرق بين الرعاية الألمانية والأمريكية أن الأولى لم توجه. لقد عرضت المسرحية لمدة 10 أيام على مسرح المركز الثقافي الألماني وكان الحضور لافتاً كما تم عرضها على قاعة سينما هيركين في عدن لمدة 15 يوماً ولاقت نجاحاً أكبر، كما أن المشاركين في المسرحية كانوا من الفنانين الكبار أمثال هدى حسين وهذا ما يحسب لمخرج المسرحية رئيس فرقة خليج عدن الشاب “عمرو جمال” أنه يستطيع أن يصل الشباب بالقدامى في المسرح. كما أن المسرحية عرضت لأكثر من مرة على قناة السعيدة ولاقت ذات النجاح. هذا العام ستتوجه فرقة خليج عدن إلى ألمانيا بداية يونيو القادم لعرضها في ألمانيا بدعوة من مسرح جريس الألماني والبيت الثقافي الألماني باليمن. وتكون بذلك أول فرقة مسرحية يمنية تعرض أعمالها في دولة أوربية وقد جاءت دعوة فرقة خليج عدن بعد نجاحها ومطابقتها للموصفات الفنية لهذا العمل.يبشر الاحتفال باليوم العالمي للمسرح الذي يصادف 27 من هذا الشهر مارس خلال الفترة من 27 مارس إلى 2 ابريل القادم بخير، في صنعاء وفي عدن حين تعلن وزارة الثقافة هذا العام أن الوزارة ستحاول التنقل في محافظات الجمهورية لعرض هذه الأعمال. كما ستعرض مسرحية ” خارج السرب” للكاتب السوري الكبير محمد الماغوط، والتي يخرجها المخرج هائل الصلوي. . وتحتفي عدن على طريقتها باليوم العالمي للمسرح فتم تدشين أول مهرجان للمسرح الشعبي كما تعرض فرق خاصة مسرحيات وتستعد أخرى، فيجري طاقم مسرحي من إدارة أمن عدن بروفات خاصة للعمل المسرحي “الهوية وخالة صفية” تمهيداً لعرضه أواخر مارس الجاري. وستشارك في العروض 6 فرق مسرحية بأعمال مختلفة. وتقدم في المهرجان مسرحية “كنا وكيف صرنا” لفرقة كلية الهندسة و”شغلني بالغصب” لفرقة كوميدي أستار و”أريد أن اقتل” لفرقة مصافي عدن و”أنا وأخي ومرة أبي” لفرقة فنون عدن و”وحدتنا” لفرقة نجوم اليمن السعيد و”عمل في الشارع” لفرقة خليج عدن .. كما تحتضن خشبة مسرح سينما هيركن بكريتر في غضون ذلك العمل المسرحي “الكوابيس” لفرقة اليمن الحديث من تأليف الكاتب والمخرج المسرحي صابر علي يافعي والذي من المقرر أن يستمر عرضه لمدة أسبوع. . مالا يعني أنه سيكون عام المسرح -لأن النشاط أو النتاج المسرحي هو الذي يعني ذلك لا التكريم- هو ما سيتخلل هذه الفعاليات من تكريم لمسرحيين لكن علينا أن نحسن الظن بهذا التكريم فربما لا يحدث ما حدث العام الماضي من وعود بالتكريم بمبالغ ما ووصل المسرحيون وقد نقصت تلك المبالغ إلى الربع.. مازلنا في الشوط الأول من العام، من الصعب أن نؤكد أن العام هو عام المسرح تبقى 9 أشهر فهل ستلوح النهاية في الشوط الثاني بعد الاحتفال بيوم المسرح العالمي. أم أن وزارة الثقافة قادرة على إثبات أنها أكثر لياقة لتكمل ما تفعل من نشاط ورعاية عندها ربما يكون 2010 عاماً للمسرح اليمني !

السبت، مارس 20، 2010

التي تأكل الجو


لدى الإنسان نزوع نحو أن يكون فاعلاً في محيطه وطالما لم يجد اهتمامه سيقوم بتكييف نفسه في اتجاه يضمن له أن يكون شخصاً نافعاً، وهذا ما يحدث لدينا، أكلت السياسة الجو كما يقال، فأصبحت المجال الوحيد الذي يمكن للجميع فيه أن يقول رأيه وهي المجال الوحيد الذي تسخر له الصحف والمنابر الإعلامية ويتم الاهتمام بها أكثر من اللازم وفي المقابل يغيب، الأدب، والفن، والعلم. أصبح الناس في الجهات المقابلة للسياسة شبه عاطلين، لذا لا غرابة أن يتجهوا إلى المكان الخطأ.صفحات السياسة هي الصحف أجمعها ولا يستخدم الثقافة والأدب والفن إلا كإسقاط واجب أو كمسكنات لا أكثر، وبالتالي لا يوجد هناك وعي بأهمية وجودهما بقسط إلى جانب المجالات الأخرى؛ ليعرف كل شخص منا الدور الصحيح الذي يجب أن يقوم به في حياته، الأديب في أدبه، والفنان في فنه والعالم في علمه، والمفكر في فكره. سيصبح الناس في فسحة وعندها سيكون لديهم ما يخشون فقدانه. لا أدري لماذا تكسب السياسة أصدقاءً جدداً كل يوم ؟ وكان يفترض أن يكونوا محايدين في النظر إليها، فيما يخسر الفن والأدب أهله وأصدقاءه لنستيقظ فنرى الجميع قد توجهوا كلهم إليها ليشعروا بوجودهم. لقد أصبح الأديب يكتب في السياسة وهو يتمنى أن يكتب في الأدب كما يتمنى أن ينتج الفنان فناً والعالم علماً، لا سياسة. لكن أين يجد الوسائل التي تهتم به وبما ينتجه، وأصبح لدى الصحفيين في كتاباتهم نزوعاً نحو الأدب ربما لئلا يشعروا بالفراغ الذي يتركه عدم الاهتمام بالأدب والفن. كيف يمكن ألا نتداوى بعد كل نازلة تنزل بنا على طريقة امرئ القيس قائلاً: “وما أنشد الأشعار إلا تداويا” وكيف للغناء ألا يكون حياة الروح على طريقة أم كلثوم. وكيف لنا أن نصنع شعباً مثقفاً دون أن نهتم بالمسرح والفنون الأخرى فتكون النجدة على طريقة الفرنسية أريان نوشكين:
(النجدة)
‏ أيها المسرح أنقذني!
أنا نائمة فأيقظني
أنا تائهة في الظلمة أرشدني، ولو إلى شمعة
أنا كسولة دعني أشعر بالخجل
أنا متعبة..خذ بيدي
أنا تافهة اضربني
ما أزال تافهة حطم لي وجهي
أنا خائفة شجعني
أنا جاهلة علّمني
أنا متوحشة اجعل مني إنساناً
أنا مدعية اقتلني ضحكاً
أنا لئيمة أربكني
أنا حمقاء غيرني
أنا شريرة أنزل بي عقابك
أنا متسلطة وقاسية حاربني
أنا متحذلقة اسخر مني
أنا مبتذلة دعني أسمو
أنا خرساء حل عقدة لساني
لم أعد أحلم انعتني بالجبن والغباء
أنا ناسية أعد إليّ ذاكرتي
أشعر أني هرمة وبالية أيقظ الطفل الذي بداخلي
أنا مثقلة هبني الموسيقى
أنا حزينة اذهب واجلب لي الفرح
أنا صماء، دع الألم يزمجر كالعاصفة
أنا مضطربة أظهر الحكمة
أنا ضعيفة أجج الصداقة
أنا عمياء أضئ كل المصابيح
أنا خاضعة للقبح هبني الجمال الآسر
استعبدتني الكراهية أعطني بأمرك، كل قوى الحب.
تساعد الثقافة: أدباً وفناً وعلماً على تجاوز الأزمات وعلى حلها وتخفف أيضا من اتجاه الناس إلى كفة واحدة. فيما يفترض أن يكونوا موزعين بشكل عادل. ويتيح الاهتمام بالثقافة والفن والعلم لفئة صامتة تماماً -لا ترى الزمان مناسباً- لتعبر وتلون المكان بألوان شتى، تكون السياسة فيه شيئاً لا كل شيء. فمتى ننتبه ؟

صحيفة الجمهورية

الأحد، مارس 07، 2010

معك نازل

في مسرحيته الأخيرة يثبت المخرج والمؤلف الشاب أنه أجدر من يعبر عن جيله من الشباب ومن هذه النقطة ينطلق في مسرحيته الأولى عائلة دوت كوم. كان جيل الكمبيوتر هو محور قضيته في المسرحية ليتحدث عن الفجوة القائمة بين جيلين هم أبناء تربوا في عصر السرعة، والعالم المنكمش. وآباء أكثر حكمة وتمسكاً بقناعات تربوا عليها. ورغم رابطة الدم إلا أن اختلافات كثيرة تميزهم. ثم يبحث المؤلف عن نقاط اتفاق يفترض أن نتعامل جميعاً على أساسها ففي حال دققنا سنرى أن تلك النقاط هي الأكثر في حياتنا. في “بشرى سارا” وهي مسرحية أخرى ضمن أعماله الخمسة التي بدأ أولها في 2005 يحضر الشباب بمشاكله التي تحيط به، بالقيم التي يحملها سواء عن قناعة أم في تلك التي يفرضها الواقع وتبدو كقناعة: فقد يكون الأمل هو القناعة لكن اليأس يبدو أحياناً لنا كقناعة يفرضها الواقع، وفي مسرحيات عمرو جمال بشكل عام ينتصر الأمل الذي طالما أتى من عقر دار اليأس ليجسد رؤية جيل بكامله وليجسد أيضاً مقصد الفنون خاصة فن المسرح.وتأتي مسرحيته “حلا حلا يستاهل” و “سيدتي الجميلة” المقتبسة عن المسرحية المصرية من بطولة فؤاد المهندس وشويكار في ذات السياق.

في مسرحيته الأخيرة 2009 “معك نازل” -وهي أيضاً مقتبسة عن مسرحية ألمانية- والتي عرضت نهاية العام لـ 10 أيام في المركز الثقافي بصنعاء ولـ 15 يوماً في عدن على سينما هيريكن ولا قت نجاحاً لا فتاً كما هو الحال حين عرضت على قناة السعيدة لمرتين، في هذه المسرحية يظهر صادقاً كما قلت وهو يعبر عن جيله ، ويتجلى الصدق في عمرو وهو يجعل المدينة التي ضمته صغيراً، وضمت حلمه في المسرح شاباً المكان الذي ينطلق منه منحازاً لمسرح الواقع ،ورغم أن المكان الذي يسميه في بداية المسرحية بأغنية استعراضية “صباح الخير ياعدن” إلا أنه ينقل حدثاً قد لا يختلف إلا في الظاهر، فالقصص والحكايات التي تحدث أو ستحدث هنا قد نرى مثلها في كل مكان:موقف باصات سيمر به الجميع كباراً وصغاراً وسيستقل الناس سياراته، وفي تلك المساحة الصغيرة مساحة الموقف قد تحدث قصة حب تنتهي بالأبد، وقد يلتقي الشتيتان ليفترقان مجدداً، وتحمل المسرحية إشارات ذكية تمثل رسالة يؤمن بها المؤلف فيما يخص الفن فهو يسمى شارع الأمل وكافتيريا السعادة ويكرر في أكثر من مشهد “الحياة محطات والشاطر هو من يختار المحطة الصحيحة ليقول: “معك نازل” بالطبع لا يمكن في هذه المساحة الصغيرة أن يتحدث المرء عن مسرحية مهمة كهذه فلي عودة أكبر مساحة وأكثر عمقاً لأقول: مثل هذا الإبداع نريد وفي محطة مثل هؤلاء المبدعين “معك نازل”.