السبت، مارس 20، 2010

التي تأكل الجو


لدى الإنسان نزوع نحو أن يكون فاعلاً في محيطه وطالما لم يجد اهتمامه سيقوم بتكييف نفسه في اتجاه يضمن له أن يكون شخصاً نافعاً، وهذا ما يحدث لدينا، أكلت السياسة الجو كما يقال، فأصبحت المجال الوحيد الذي يمكن للجميع فيه أن يقول رأيه وهي المجال الوحيد الذي تسخر له الصحف والمنابر الإعلامية ويتم الاهتمام بها أكثر من اللازم وفي المقابل يغيب، الأدب، والفن، والعلم. أصبح الناس في الجهات المقابلة للسياسة شبه عاطلين، لذا لا غرابة أن يتجهوا إلى المكان الخطأ.صفحات السياسة هي الصحف أجمعها ولا يستخدم الثقافة والأدب والفن إلا كإسقاط واجب أو كمسكنات لا أكثر، وبالتالي لا يوجد هناك وعي بأهمية وجودهما بقسط إلى جانب المجالات الأخرى؛ ليعرف كل شخص منا الدور الصحيح الذي يجب أن يقوم به في حياته، الأديب في أدبه، والفنان في فنه والعالم في علمه، والمفكر في فكره. سيصبح الناس في فسحة وعندها سيكون لديهم ما يخشون فقدانه. لا أدري لماذا تكسب السياسة أصدقاءً جدداً كل يوم ؟ وكان يفترض أن يكونوا محايدين في النظر إليها، فيما يخسر الفن والأدب أهله وأصدقاءه لنستيقظ فنرى الجميع قد توجهوا كلهم إليها ليشعروا بوجودهم. لقد أصبح الأديب يكتب في السياسة وهو يتمنى أن يكتب في الأدب كما يتمنى أن ينتج الفنان فناً والعالم علماً، لا سياسة. لكن أين يجد الوسائل التي تهتم به وبما ينتجه، وأصبح لدى الصحفيين في كتاباتهم نزوعاً نحو الأدب ربما لئلا يشعروا بالفراغ الذي يتركه عدم الاهتمام بالأدب والفن. كيف يمكن ألا نتداوى بعد كل نازلة تنزل بنا على طريقة امرئ القيس قائلاً: “وما أنشد الأشعار إلا تداويا” وكيف للغناء ألا يكون حياة الروح على طريقة أم كلثوم. وكيف لنا أن نصنع شعباً مثقفاً دون أن نهتم بالمسرح والفنون الأخرى فتكون النجدة على طريقة الفرنسية أريان نوشكين:
(النجدة)
‏ أيها المسرح أنقذني!
أنا نائمة فأيقظني
أنا تائهة في الظلمة أرشدني، ولو إلى شمعة
أنا كسولة دعني أشعر بالخجل
أنا متعبة..خذ بيدي
أنا تافهة اضربني
ما أزال تافهة حطم لي وجهي
أنا خائفة شجعني
أنا جاهلة علّمني
أنا متوحشة اجعل مني إنساناً
أنا مدعية اقتلني ضحكاً
أنا لئيمة أربكني
أنا حمقاء غيرني
أنا شريرة أنزل بي عقابك
أنا متسلطة وقاسية حاربني
أنا متحذلقة اسخر مني
أنا مبتذلة دعني أسمو
أنا خرساء حل عقدة لساني
لم أعد أحلم انعتني بالجبن والغباء
أنا ناسية أعد إليّ ذاكرتي
أشعر أني هرمة وبالية أيقظ الطفل الذي بداخلي
أنا مثقلة هبني الموسيقى
أنا حزينة اذهب واجلب لي الفرح
أنا صماء، دع الألم يزمجر كالعاصفة
أنا مضطربة أظهر الحكمة
أنا ضعيفة أجج الصداقة
أنا عمياء أضئ كل المصابيح
أنا خاضعة للقبح هبني الجمال الآسر
استعبدتني الكراهية أعطني بأمرك، كل قوى الحب.
تساعد الثقافة: أدباً وفناً وعلماً على تجاوز الأزمات وعلى حلها وتخفف أيضا من اتجاه الناس إلى كفة واحدة. فيما يفترض أن يكونوا موزعين بشكل عادل. ويتيح الاهتمام بالثقافة والفن والعلم لفئة صامتة تماماً -لا ترى الزمان مناسباً- لتعبر وتلون المكان بألوان شتى، تكون السياسة فيه شيئاً لا كل شيء. فمتى ننتبه ؟

صحيفة الجمهورية

ليست هناك تعليقات: