الأحد، يناير 27، 2008

مؤسسة العفيف :بقعة الضوء





· أشرقت فجأة !
قبلها شعرت بأنني أريد أن أفعل كما تفعل النائحات ، أجهز يدي وأبدأ باللطم على وجهي ، وكما يفعل العاشقون ، ألطم صدري .
فهذه البلاد كفيلة بأن تجعلك كذلك !
استمعت لكلام مسئول التوظيف بحذر ! وبدوت كطبيب حين شككت في كل ما يقوله : إن شاء الله سوف نتصل بك . وكلانا يعرف أن الأمور لا تسير كما يقول ، فهي أسهل ،وأصعب مما تصور .
بعدها خرجت بوجه منكمش لاتعرفه سوى الوحدة . وبدون ترتيب قادتني رجلاي إلى مؤسسة العفيف . إنها الساعة الرابعة لعصر يوم ثلاثاء حين أشرقت فجأة مع صدفة خير من ألف ميعاد . دخلت من البوابة متهجا إلى قاعة "الفعاليات" . بحثت في القاعة الممتلئة تماما عن كرسي فارغ فوجدتها في مقدمة الحضور . كان الكرسي لا يزال دافئاً.
كان يقف على المنصة "مسئول الفعاليات الثقافية" صاحب الصوت الدافئ الإعلامي عبد الله الحيفي ، مقدماً لفعالية افتتاح البرنامج الثقافي للمؤسسة لعام 2008 ، وبالقرب منه الأستاذ عبدالباري طاهر المدير التنفيذي . أحدهم يعلن أسماء من كان لهم دور في نجاح الفعاليات الثقافية للمؤسسة للعام الفائت 2007 ، والآخر يسلِّم شهادات التقدير لهم . حتى أؤلئك الذين عرفوا بالحضور المستمر في الفعاليات تم تكريمهم ، وهذه الأخيرة لفتة جميلة لم تحدث من قبل .
كان لزاما على وجهي أن يتمدد وعلي أن أشرق ؛ هناك مكان أستطيع أن أترك من أجله مجلس القات ، حتى ليوم واحد . أستطيع أن آتي هنا دون أن أُُُحسب على أحد ، إنه شيء فريد في بلادنا !



· المهم في مشوار مؤسسة العفيف ،أن الذي يديرها الأستاذ أحمد جابر عفيف ، صاحب شخصية محبة للثقافة ، والمعرفة. له قدرة على تغيير الأرض الجدبة إلى خصبة أشعل شمعة ولم يلعن الظلام. وهذا ما أعطى المؤسسة الإستمرارية كل هذه السنوات ، دون توقف ، واستطاعت أن تكتسب احترام الجميع مهما كانوا.
"من الخدمات التي تقدمها المؤسسة كما جاء على موقعها الإكتروني: إصدار ونشر الموسوعة اليمنية .مكتبة عامة للمطالعة الحرة · نشر الإنتاج الثقافي النوعي · تفعيل الحياة الثقافية من خلال إحياء فعاليات ثقافية متنوعة كل يوم ثلاثاء .الدعم الإداري المتمثل في توفير المقر وخدمات الطباعة والصف والتنضيد والتلفون والفاكس وصندوق البريد لعدد من الجمعيات مثل : الجمعية الوطنية لمواجهة أضرار القات . الجمعية اليمنية لحماية المياه . جمعية مكافحة السرطان اليمنية . ترحب مؤسسة العفيف الثقافية بالراغبين والمهتمين من المفكرين والعلماء والمهنيين والمؤسسات الرسمية والمحلية والإقليمية والدولية والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، في الإطلاع على أنشطتها وفعالياتها وندعوهم للاتصال بنا"

يتضمن البرنامج الثقافي للمؤسسة لسنة2008 ، فعاليات متميزة ، تطرح خلالها قضايا مهمة من قبل كتاب ، وباحثين ، وصحفيين ، وأدباء .. من هذه الفعاليات التي تقام بشكل ثابت كل ثلاثاء من كل أسبوع:
(تحرير الإعلام ودمقرطة اليمن (محمد عبد الملك المتوكل، رؤوفة حسن، عبد الباري طاهر) - دور المجتمع في بناء الحكم الرشيد (فؤاد الصلاحي) -مستقبل الثقافة اليمنية (هشام علي بن علي)- أزمة النقد في اليمن (عادل الشجاع) - الزبيري والنعمان ونضالهما الوطني (عبد الكريم قاسم، قادري حيدر) -المشاركة السياسية للمرأة ونظام الكوتا (حورية مشهور) -تجربة في الكتابة (نبيلة الزبير) نشوء وتطور منظمات المجتمع المدني بعد الوحدة (أمل الباشا) -الإعلام والتنمية (جميلة علي رجاء، نبيل الصوفي) -الوعل في الحضارة اليمنية القديمة (محمد عبد الله باسلامة) -إستراتيجية القوى وسياسية المقاومة في الشرق الأوسط (محمد عبد الله الحيفي) -الوحدة والتطور الثقافي (حسن اللوزي، سامي غالب) -براكين اليمن (محمد عبد الباري القدسي) -المرأة وقضايا العصر (أحمد الوادعي، بلقيس أبو أصبع، وميض شاكر، سهى باشرين) - ذكرى وفاة الشاعر عبد الله البردوني (الحارث الشميري) رؤية نقدية للعمارة في مدينة صنعاء (نادية الكوكباني، آمنة النصيري) -الإصلاحات السياسية في اليمن (عبد الباقي شمسان) -الأضرار الصحية لتناول القات (أحمد الحضراني) -أفريقيانية اليمن الموسيقية (نزار غانم) -ويتضمن البرنامج كذلك أمسيات أدبية متنوعة يشارك فيها (محمود الحاج، علوان الجيلاني، جمال جبران، عبد العزيز البغداد، ماجد المذحجي)

رغم كل هذا المجهود ،تبقى التساؤلات.. كم من اليمنيين يعرف هذه المؤسسة التي تكاد تُعادل وزارة الثقافة ؟ لماذا لا يتم أيضاً توسيع نشاط هذه المؤسسة في أكثر من محافظة يمنية ؟لماذا لا يُعلن لفعالياتها في اللوحات الضوئية في الشوارع ، وتشارك في دعم مثل هذا الشركات الخاصة التي تقف على جيوبنا . لماذا لا تكاد الصحف تنوِّه لفعالياتها إلا بداية كل عام ؟ فالمؤسسة بحاجة إلى إحداث نقاة أكبر في عملها وتوسيع نشاطها . هذه مؤسسة ثقافية على رأسها رجل يفعل الخير، هنا بقعة ضوء ، لماذا لا نأبه ؟ ونعمل حتى تتسع .


السبت، يناير 26، 2008

تحت شجرة أرز


الشاعرة "ليال نبيل" رحمها الله غادرت عالمنا العام الفائت ، تاركة عملاَ "تحت شجرة أرز" تولى إصداره ، كما صدَّر له الشاعر مروان الغفوري :

تصدير:
سالي نبيل هو الاسم الرسمي للمبدعة ليال عاشت بهما معاً في غفوة قصيرة من العالم (14 – 9 – 1983 إلى 16 – 2 – 2007 ). ومن تحت شجرة أرْز اقتربت ليال نبيل من الإنسان ، من جوهره الفرد ، من دخانه وناره ، من لاوعيه ولامعقوله ، من ثيماته الوجودية بكل تنويعاتها، فقطّرته " دمعة دمعة ، وضحكة ضحكة " أو هكذا أرادت من خلال تشغيلها للموجودات، الشيء والإنسان، في نصوصها الكثيفة. وباختيارها لظلّ شجرة أرز فإنها لم تكن تعلن عزلتها الاختيارية، وإن بدت التماعاتها الفنية شبيهة بلزوميات رهين المحبسين من ناحية تحسسها لتحتيّات الأشياء وتشابه الأضداد ووقوفها في اللحظة الفارقة بين الممكن والمستحيل، الحب والخيانة ، والفناء والديمومة فهي لم تكن تقدّم موقفاً ثابتاً تجاه حركة الكون، بل تتمدّد معه، تهدِمه وتبنيه من لحظتها شديدة الكشف، عالية الإشعاع ، شاسعة الفيوضات، ومن مكانها الذي هو حدسها العرفاني المجاوِز. مكانها ، تحت شجرة أرز، الذي اشتغلت على دمجه بالزمن كمعادل نفسي ليقينها العميق بقصر بقائها في منتصف هذا العالم، حين أن أعلنت : عندما يتوقف الزمن عن الحركة يستحيل إلى مكان. وهو يقينٌ تكشفه ثيمة الموت، التي أصبحت أهم لازمة، موتيفة، في نصوصها جسّت بها جوهر الحياة حتى استطاعت في لحظتها الأخيرة أن تدجّن الموت تماماً وتعبَره دون أن ينجرح أي منهما بالآخر .. وعبقريٌ أن يكون آخر نصّ كتبته هو << تحت سماء في مدينة ليست للناس >>. لتغلق بابها القديم على شجرة أرْز تسكن مواقيت العالم، وتحفظ شخوصه الأبديين : اللص، الفقير، الفدائي، الديكتاتور، المقموع ، التائه، المحب ، النخيل ، الزيتون .. وهم يزدحمون في أمكنة ليال المضاءة : المدينة ، القبيلة ، المنفى ، الشرفة ، عين الجندي ، تقرير المخبر، إضبارة المحب.من تحت شجرة أرْز ....مروان الغفوري.

عن دار " اكتب" للنشر والتوزيع ، الكتاب يقع في 130 صفحة ، يحوي أهم نصوص الذاكرة المضيئة ، شديدة التكثيف، لليال نبيل ، عبر جملتها اللا نهائية من الرشح والوميض الفنّي شاسع الدلالة... اللهم اغسلها بالثلج والرضوان، آآآآمين.



أنتم الشعراءُ

في وقت متقارب جداً ، أصدر الأصدقاء دواوينهم ، قد يكون للوقت حكمة أن يصدروا بنفس الوقت ابتدأو الكتابة في وقت واحد ، وتعارفوا بعد شد، ثم صداقة متأنية ،



محمد سيد كان يفترض أن يصدر ديوانه قبل الجميع




يزيد الديراوي





خالد عبد القادر ، بنفس مفتوحة أصدر عملين اثنين ، الأول بعنوان "سيرة الأراجوز"عامية والثاني " نادية" فصحى




النسخ كما وعدتم ...

الخميس، يناير 24، 2008

حفل توقيع "ذات وطن "



من حفل توقيع ديوان" ذات وطن"لصاحب الصورة أعلاه "أولاً "محمد سيد حسن "قدس الله سرِّه
أحقد على كل من أعرفه في الصورة التالية ..!

الأربعاء، يناير 23، 2008

الذات الإنسانية



أول هام :

لا أعرف كم يمر مارُّونَ من هنا ...
أبدو لوحدي ، ربما ، محمد سيد حسن قال لي مرة : أنت ياشلفي باشا ، مابتروجش ، حلوة ما تروجش ، لمدونتك بشكل صحيح ، وأخبرته ، كلامك غير صحيح ، والحاجة المهمة ، كونه أحد العارفين بالمدونة لكنه برضه ما يبينش كونه أيضاً من الأخفياء الأنقياء

ثاني هام :
الصورة أعلاه للديوان الأول للسيد محمد سيد حسن حفظه الله ، والذي صدر عن دار اكتب ، وقد أقيم حفل توقيع في أحد الأماكن في القاهرة ،وسيكون متواجد بشدة ، أقصد الديوان في معرض الكتاب الدولي في القاهرة في الأيام القادمة القليلة ، اللي يروح يسلم علي المعرض .
ثالث هام :
وبهذه المناسبات العديدة ، ومناسبة العام الجديد أعاده الله عليكم بالبركة ، وعلي بوظيفة بدل الصرمحة اللي أنا فيها نحدث بعض التغييرات للبلوج ، وأنتظر تعليقاتكم ، لأثبت أن كلام محمد غير صحيح،

محمد الشلفي ، مره واحد ، صنعاء

الاثنين، يناير 21، 2008

واحــــدة







لتتأكد من نفسك
لتعرَّف كم كنت تميل للبياض ،
وأصبحت الآن أشد سمرة .
عليك تغيير اسمك
بآخر.
وتغيير النقاط الممتلئة في مخيلتك
بأعداد حقيقية .

افترض أن الأشياء لم يتعرف عليها أحد قبلك

مثلاً :
النهار أكثر حزناً من الليل..
لا أحد يمنحه فرصة للنسيان .

الأصدقاء ميتون
تحت بندِ النهاية .

العاصفة تهب من الناحية التي نشتهيها .

تحدَّث طويلاً
عن الليلة التي بكيت فيها
لأنك لم تعرف الظلام .





غادر هكذا
باعتقاد
أنك لن تتذكر الفتاة ،
لن تفتقدها كل صباح .
وفي اليوم الرابع لآخر شهر من السنة
لا تريد أن تذكرك بيوم ميلادك .

غادر
باعتقاد ...
أنها كصديق يعود أحياناً ، ويسقط .
أنها لم تكن تحبك
هي ،فقط ، كانت تعتبرك كأعمدة الجامعة
أو كبابٍ لا يجب عليها أن تموت في حبه
في الدخول والخروج .

الآن ،
عيناك مغمضتان.
وشفتاك كواحدة .


20/1/2008

الاثنين، يناير 14، 2008

أدونـيس

المثقفون أؤلئك الطغاة


1 –

في المقابلة التلفزيونية التي أجراها معي الأستاذ الشاعر زاهي وهبي (تلفزيون المستقبل، بيروت 18 كانون الأول الماضي 2007)، سمّيت رداً على سؤال طرحه عليّ، بعض الشعراء العرب الذين أجد في كتاباتهم ما يعنيني بشكل خاص، عارفاً أن الإجابة عن مثل هذا السؤال لا يمكن إلا أن يخالطها شيء من الخطأ، خصوصاً، حين يتحتم عليك أن تحفر التسمية في ثلاثة أشخاص بين عشرات. وبدلاً من أن ينظر الى هذه التسمية في دلالتها التمثيلية نُظر إليها بوصفها حكماً وتقويماً قاطعين: وقوفاً الى جانب شعراء ضد آخرين، وانحيازاً الى بعضهم ضد بعضهم الآخر.


كان ذلك، بالنسبة إليّ، دليلاً إضافياً على أن الطغيان في الحياة العربية لا ينحصر في السياسة، وإنما يمتد كذلك الى الثقافة، بعامة، والى الشعر والرواية، بخاصة. فأنت لست حراً في أن تُفصح عن ذوقك أو رأيك في الشعر والرواية. وإذا تجرأت وأفصحت فسوف تُلاقي «جزاءك». خصوصاً أن بين الشعراء والروائيين مَن لا يجوز المساسُ بهم، كأنهم عجولٌ مقدسة. وبينهم آخرون ينبغي إهمالهم ونبذهم، ولا يجوز التلفّظ بأسمائهم. وبينهم آخرون كلٌ منهم يعدُّ نفسه أنه «الأول»، دون شك، ودون نقاش.
كان أسلافنا يقولون بلسان شاعرهم: «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، لكن، ها هي تجربة الحداثة في الثقافة العربية تقول ما يناقض ذلك تماماً. وها هي الحرب التي تُشنّ باسم الشعر والرواية والفكر لا تقل عنفاً عن الحرب التي تُشنّ باسم السياسة.


الطغيان في الحياة العربية شامل من ألف هذه الحياة الى يائها.






- 2 –
نَعُدّ المال الذي ينفقه النظام في بناء «الوطن»، غير أننا لا نَعدّ المشردين والسجناء والقتلى.
- 3 –
تمرّ الأفكار العظيمة في الحياة العربية كمثل غيوم تعبر الفضاء، دون أن «تُمطر»، ودون أن «تُخصب» أية تُربة، أو «تُغيّر» أي شيء. ويبدو أصحابها كمثل شهبٍ لا تكادُ أن تظهر حتى تنطفئ وتغيب.
- 4 –
منذ الطفولة، وبخاصة في المدارس الدينية، يتعلم العربي «فن» الموت، والنظر الى الحياة كأنها عبءٌ يجب الخلاص منه.
وإذا تذكرنا قول المتنبي: «الموت نوعٌ من القتل»، فإن الطفل العربي يبدأ حياته بتعلّم «القتل».
- 5 –
خَرْقُ «القواعد» الأدبية والفنية في المجتمع، هو، بمعنى ما، خرقٌ لكل ما هو «سياسي» في هذا المجتمع.
الغريب أن هذه القواعد خُرقت جميعها في المجتمع العربي، وبقيت السياسة، كما هي، بأجهزتها، وآلياتها، ومؤسساتها. الانقسام في هذا المجتمع واضح، وأحياناً يبدو حاداً بين «أهل الخرق» و «أهل السياسة».
هكذا يبدو المجتمع العربي جسماً ضخماً يعيش في حالة من الانقسام، أي في حالة من الاحتضار الدائم.
لا بد من استكمال الخرق لكي يعود هذا المجتمع الى الحياة، أو الى استكمال الحياة.
- 6 –
ما أقسى الحياة، إذا لم تحتضنها المخيلة.
- 7 –
كم هي عبثية وفاجعة في آن، حياةُ الفرد العربي:
لا يملكُ، لكي يدفع ثمن حياته،
إلا حياته نفسها.
- 8 –
الحساسية العربية السائدة في المؤسسة الثقافية تنهض أساسياً عن «الحكمة».
وصحيح أن «الحكمة» معرفة، لكنها أقل المعارف شأناً، ذلك أنها فكرٌ مُشترك، رخوٌ، مبتذل.
«الحكمة» شيخوخة الرغبة.
-9-
مكونات الفرد العربي، ثقافياً، دينية – اجتماعية. الجانب الذاتي الإبداعي فيها، شبه غائب أو ضئيل جداً.
لهذا يتحرر العربي ظاهرياً، لكنه في باطنه، في حقيقته، يظل كائناً دينياً.
- 10 –
هل يمكن تجزئة العصر الراهن على مستوى الكون؟
نقول، مثلاً: عصر عربي خاص، داخل العصر الكوني العام؟
بأية صفة آنذاك نصف هذا العصر العربي؟
بالعلم؟ بالتقنية» بالعقل؟ بالحرية؟ بالشعر والفن والرواية؟ بالفكر والفلسفة؟
ما العصر العربي في هذا العصر؟
- 11 –
متى نقدر أن نقول عن فكر أو أدب أو فن إنه يُطيل أمد التخلف؟
عندما يكون خارج المغامرات الكبرى، متصالحاً، ولا يطرح أي سؤال خلاّق على أي شيء.
- 12 –
إذا كان مبدأ السيادة الوطنية معياراً للدولة، فإلى أي مدى يمكن القول إن للدولة في العالم العربي سيادة وطنية، بالمعنى العميق الكامل لهذه الكلمة؟
- 13 –
«هناك عجائب كثيرة في هذا الكون،
لكن، لا شيء أعجب من الإنسان».
(سوفوكليس في «انطيغونا»).






السبت، يناير 12، 2008

كقرية لا يهتم بها أحد

"سُنْعاتْ العَمَارِنَة" ..الفصل ، والمدرسة.
كتب: محمد الشلفي
تصوير: معمر هزاع


في القرية ،ليلاً، لا أنسى، كما يحدث في المدينة، النظر إلى السماء، بقمرها، ونجومها. وهي صافية تستقبل حاجات طلاَّبها .والقرية هادئة تسمح لكل شيء فيها أن يُنهي يومه كيف يشاء .
في سطح منزلنا ،وحيدا، و القرية تبدو لي واضحة تماماً في ليلة مقمرة . تجبرني للدخول إليها ؛ لأعرفَ ..فأعيد الذاكرة ، وأضيف لها .

يقولون : يُعرف الجوابُ منْ عنوانه . وتُعرف الأماكن ، أيضاً، من أسمائها . فلكل اسم حكاية معروفة أو غير معروفة.
ففصل الأسماء ، باب القرى :يتضمنُ أسماءَ : "الشِعْبْ ، حَجَر مدان، الحَرْف ، المَقابِر ، قرْية القاضي ، دُخُنْعَان ، المُعَيْنة ، الذِرَاع ، الزُّوَّة ، وادي جلالي"

وفصل الأسماء، بابٌ الأرض المزروعة يتضمن في بعضِه:"دِيْ عبّاد ، عِقْصُ قُريْش ، حَوْل مَعوْضَة ، شِعْب التُعُوز ، دِيْ العِلْبَة ، المَدْمُولْ ، الآصِلْ ، الجُدْل ، المَوْدَمَة ، أحْوَالْ أرْبَعَة ، المُكَحَّل ، ، حَوْل عُمَر ، عَقْمَة حُفَاشْ ، دِي الألفْ ، الثُجْر ، المَعْرُوم، الحَيْمَة ، القَحْمَة ، المِسْوَادْ ، هَيْجَة الردَاعِي ، الشُعَابي ، وادي سَعيْد ، شُعَابي وَعِيْلْ ، القُفْل ، شُرْفانْ ، المِعْطَان ، المَجْهمْ ، الصَحْف ْ، الحَائِط ، المَقاصِيص ، سَبَّةَ الحَجَريْن ، المَبْركْ ، الصَدْرْ ، المَرَاصِدْ .

يتناقل الناس اسم القرية على أفواههم : "سُنْعَات" بضمَّ السين وتسكين النون ويتناقلها التاريخ في كتبه ، فيذكرها العلامة المؤرخ إبراهيم أحمد المقحفي في كتابه "مجعم البلدان اليمنية فيقول "سَنَعات" بفتح السين والنون : "هي قرية خصبة في منطقة "العَمَارِنة " من مديرية العدين وأعمال إب الحجري: وهو محل خصيب بزراعة البن وبه أنهار صغيرة "عيون " منايعها من شَلِفْ والعَمَارِنة.

ومن نفس المصدر الأول ، "العَمَارنةْ" بفتح العين والميم :مركز إداري من مديرية العدين وأعمال محافظة إب .من بلدانه :القصيع ، العنود ، الزنجي ، السنعات .وتشتهر القرية الأخيرة بزراعة البن الذي يروى من عيون الماء النازلة من شَلِفْ و العَمَارِنة .



حكاية الحكاية .

مرَّ الجنود الأتراك في طريق "الشِعْب" على خيولهم ، و كان من عاداتهم: أنَّهم عندما يلتقون في طريقهم بأي شخص يأخذونه ؛ ليساعدهم في حمل أي شيء ، كالمئونة . أو في أن يدلَّهم على الطريق إن كانت المرة الأولى التي يمرون بها. هذه المرة كان من نصيبهم "عقلان" صاحب القامة القصيرة ، يشبه البهلول وتعرفُ الحكايات به . كان جالساً عندما لمحهم وبسرعة أختبأ ،حتى لا يرونه ، تحت طعام الماشية . وقبل أن يغيب صوته عن أسماعهم ،قام ليتأكد أنهم قد اختفوا في الطريق وقال : وأنا يَهمَّني ، شاركز ... وأظلل تحته. وأصبح هذا مثلٌ يقوله أي شخص ، تعبيراً عن عدم مبالاته وعدم خوفه من شيء. عقلان أخذه الأتراك، ثم لم يكمل الراوي الحكاية.

بالقرب من مكان الحادثة الأولى ، تُروى حكاية أخرى حول تسمية "دي الألف" تقول: أن فتاة يهودية تسمَّى "دَايَةُ الشِعْب" ، كانت جميلة بما يكفي لأن يقتتل عليها ألف رجل في مكان سمي فيما بعد بـ "دِيْ الألْفْ" نسبة إلى الحادثة التي اقتتل فيها ألف رجل . أما الآن فقد تحوَّل المكانُ مجرى لماء السيول، ثم ملعباً لأطفالِ القرية .

مازال القدماء يحكون عن جميلات اليهود في القرية، كشمعة التي كان الجميع يتسابق لخدمة أبيها طمعاً في التقرب منها. "وحَنُّو" الشابة التي كان الصغار يقولون لها قولي"أشهد ألا إله إلا الله"؛ فتصرخ هي منادية لأمها التي حذرتها من ترديد تلك الكلمة، ليفر الصغار من أمامها. وأخرى كانت ترد بـ " ألف من أمته يصلون عليه " كلما قيل لها صلي على النبي. ذهب اليهود وسيرتهم بيضاء عند أصحاب القرية. لا يغشون أحد .. ويتعاملون بوفاء، و يساعدون الناس ، لما هو معروف عنهم أنَّهم أصحاب تجارة .

حديثاً ، يروي الناس في القرية أن غرباء يأتون للبحث عن كنوز –من الذهب كما يعتقدون- خبأت في الأرض في أماكن لا يُعرف عنها شيئاً ؛ إلا حين يرون حفرا ً فارغة في وسط الطريق ، وضع فيها أواني كبيرة من الفخار . كأكواز الماء . أو كالفخار الذي توضع فيها الحبوب . كما حدث مثلاً منذ سنوات في ما يسمى بدار الكافر ، وإن كان بعيداً .


في الأيام التي تعرف بـ"أيام الجبهة" ، كانت القرية هادئة إلى حدِّ ما . فالقليلون هددوا بالقتل ؛ كأن يلقوا من أعلى جبل . أو أن يرموا بالرصاص غدراً ، في مأدبة طعام كما حدث في قرى عديدة كانت ملاذا للجبهة ، دون رضى سكَّانها .أين كانت الحقيقة ، وفي صف من ؟ المهمُّ الآن على الأقل ، حفظت السماء القرية ، لكن يتحدَّثٌ الناس عن شخص ما كان سبباً في ذلك. كانت القرية محظوظة ،أحياناً ، لكنها شاهدة على الأيام ذات التسمية القاسية .




المدرسة

في الثمانينات، يتذكر محمد الذي يوشك أن يختم العقد الثالث من عمره، الأستاذ المصري / عبد الوهاب المدرس الأول في مدرسة الثورة الابتدائية في القرية. كان أيضاً رساما، ويحب المسرح.. يقول : "كان يعرف كيف يفتش عن مواهبنا كأطفال ، وكانت الدراسة تتعدى كونها حصص، وواجبات ، واختبار ، وشهادة إلى كونها مرحلة تشكل وعي الطفل" كان محمد يحب الدراسة أكثر من أي شيء " في المدرسة كان الأطفال يُعدُّون الساحة أمام المدرسة بالكراسي ويصلحون مسرح العرض .ويتم دعوة الآباء أولياء الأمور لحضور ومشاهدة ما يقدمه أبناؤهم .أما النساء فكن يفقن في أسطح المنازل ، لسماعهم عبر "ميكروفون الدجاج " كما يقول محمد . كان ذلك جديدا على أصحاب القرية وعلى الحضور، فمثلاً في المرة الأولى، غضب أحد الآباء حين قيل لولده في "المسرحية". "يا أهبل يا ابن الأهبل "واعتقد بأن هذا تهجُّم عليه وعلى ولده. وكان البعض يعتقدون أن " الفيمتو" الذي يستخدم في التمثيل بدلاً عن الدم ، عند أداء "المسرحيات" الدينية ، دماً حقيقياً .بالإضافة إلى الأنشطة الرياضية ، والمسابقات الثقافية التي كان ينضمها أ. عبد الوهاب كما يحرص على مناداته محمد .


لا يتذكرُ محمد أنه غاب عن المدرسة إلا مرة واحدة، لحمَّى أصابته، ولولا إصرار أمه عليه بالبقاء في البيت لذهب. لكنه كان يجلس في شباك بيتهم ليستمع لصوت الإذاعة المدرسية، ولتحية العلم يرددها الطلاب في نهاية الطابور، وهو يرددها معهم.
علاقة محمد بأستاذه وبالمدرسة لم تكن من طرف واحد . فبالمقابل لم يتخل الأستاذ عبد الوهاب عنه ، فعندما أتى العصر كان يطرق باب بيت محمد ليطمئن عليه .
يقول محمد: "كان الأستاذ إذ مرَّ من مكان ما، يقابل بالاحترام والتبجيل. ويظل مروره ،الموضوع المفضل لكل من رآه.ويضيف: اليوم ذهب عبد الوهاب ، وذهب التعليم معه . حتى وإن انتقلت المدرسة إلى مكان آخر، وبنيت بالحجارة بدلاً من الزنج . وأصبحت الفصول كثيرة وأضيفت المرحلة الإعدادية المدرسة . لكن المدرسة بلا عبد الوهاب ، وضميره. فارغة بطلاب فارغين.




كقرية لا يهتم بها أحد:

تبْعد قرية "سُنعاتُ العَمَارِنة" عن مدينة تعز ، بالسيارة ، ساعة ونصف أو ساعتين ، خاصة بعد أن مُلأت الطريق إليها من تعز ،مروراً بقرى كبني عون والمخلاف وشرعب ، بالإسفلت الهش الذي تَكثُر فيه المطبَّات . فقد شبَّهه أحد الخبثاء بسورة الرحمن لكثرة مطبَّاته والحفر الموجودة فيه . ورغم أنَّ القرية الصغيرة تقع ضمن مديرية العدين في محافظة إب ، إلا أن تعز هي قبلة سكّانِها حين يريدون قضاء حاجاتهم . في السنوات الماضية، هاجرَ أهل القرية الصغار قديما، الكبار الآن إلى السعودية، والآن يتشبَّهُ الأبناء بآبائهم كحلمٍ أخير. هرباً من وطنِ لم يعد يوفِّر لقمة لهم و، بأي وسيلة، كالدخول بطريقة غير شرعية "تهريب "، وحكايات الفشل هنا تطول. لقد أصبحت الهجرة إلى السعودية ظاهرة في القرية كما هو الحال في قرى اليمن، ومدنها.




الاثنين، يناير 07، 2008

الحياة -३-

كان اليوم جميلاً ،
رغم قلًّة الحضور ،
وكنت أنا أفقد الأمل ،
حين تأخر الحضور عن تلك الأمسية بالذات ،
لكنهم في النهاية أتوا ،
صدقوني
كان اليوم زاهياً بهؤلاء ،
الشاعرة الفلسطينية أمل اسماعيل
كتبت عن ذلك اليوم التي كانت أحد ضيوفه ،
وأنا أنقله هنا ، عن مدونتها ، رحيق
شكراً أمل ، وإن أتت متأخرة

أمسية لنا

(المركز الثقافي اليمني، طاولة تنتظر، وجوه، نسكافيه متأخر جدا، أبي، أحمد، قرنة.. ننتظر)

6 يــوليــــو 2006
09:35 مســـــاء
بتوقيت القاهــرة

نهارنا بلا مواعيد أو زيارات.. لذلك تسوقنا بحماس، واشترينا معدات المقلوبة، من خضار وغير ذلك. يتعرف أبي إلى الناس الطيبين.. وتنفتح ذاكرته على الماضي الجميل، والحاضر الذي يحتفظ في بعض تفاصيليه بتلك الرائحة من الحنين. نبدو متفائلين معا.. مشرقين.. نتنفس القاهرة كما تحب أن تكون.


.. نجلس في انتظار بقية الحاضرين لنستهل الأمسية الشعرية التي تنظمها رابطة "نون".. وبما أننا من رابطة "كاااااااااف".. ضيوفا، فسوف نشاركهم جريمتهم الليلة. هي فرصة أن نتعرف أيضا إلى رفقاء حرف لم يسعفنا الحظ للقائهم في أيام وصولنا الأولى. سيحضر هذه المره كل من محمود عزت، وخالد عبد القادر، إضافة إلى الآخرين.

تمنيت لو أن الأمسية في الهواء الطلق؛ فنسمة النيل حنونة جدا في الخارج، لكن يبدو أننا سنتنفس شعرا فقط.

يحضرون..
يبدو محمود عزت مألوفا جدا.. كابتسامة طفل أبيض. خالد عبد القادر.. ترسمه الخطا وعلى وجهه تتصفح ابتسامة ترحال، وشقوة ساخرة. أشعر بالفخر لأني أكبر منهما.. وأن بإمكاني استيعاب هذين الشخصين كـ"خالة".. ولو رمزيا!! لماذا الآن أتذكر "قطر الندى".. و...."حفيدي"... في البحرين!
الشاي لا يفارق محمد قرنة منذ البدء.. ربما سأحقد عليه، فإدمان الشاي خاص بي جدا.. لماذا يسرقه مني الآن؟ لكن.. شاي مصر يختلف عن الشاي الذي أشربه! إن شايهم أسود حد الموت.. وشاينا شفاف بريء!


أبي لا يبدو مرتاحا شيئا ما.. إنه قلق القصيدة يتأجج فيه.
يقدم محمد الشلفي، الأمسية. ويمتطي أبي صهوة القصيد. ينفعل ويتشاطر أحرف القصيدة مع ملائكة الشعر.. لا شياطينه. ونصمت كأن على رؤوسنا الطير وهو يكفر بالكلمات والقصائد التي لا تسمن ولا تغني من جوع. إنه يبحث عن همه.. عن همنا جميعا.. فأين هو يا ترى ذلك النصر المؤجل؟!


محمد قرنة يفاجئني بثبات ورباطة جأش.. يحفظ قصائده ولا حاجة لأن تمرر أبناءه عليه ليوزع عليهم أرغفة الخبز بالتساوي. يناولك قصائده كأنه يرتقي سلما. أحسده لأنه يحفظها بهذا النسق وبهذه النوتة الموسيقية المؤداة بعناية.
ينتهي كما بدأ.. لا تحس أنك استمعت إلا إلا نسيم النيل.. قبل العاصفة.

لا أجلس على الكرسي- كالعادة – فأقف – بغير اتفاق مع أبي الذي يبدو أنه هو الآخر لا يجلس في حضرة الشعر. أختار قصيدتين.. ويبدو أن كل واحد منا اختار اثنين من أبنائه. "وطن للبيع"، و"حقيقتنا". بينما أتصفح وجوههم وأنا ألقي القصيدتين.. أحسست كأني أنثر رمل الوطن على جنود يتأهبون لخوض معركة الحسم. تنقلب صفرة الوجوه إلى حمرة مشبوبة بالحذر.. تنكمش المسافات.. تنكمش.. تنكمش.
أعود إلى مقعدي.

محمود عزت في قصائده كما هو في شخصه.. تنعكس رقراقة وتنساب من بين أصابعه، خجولة، فرحة، تقطر طيبة. أحسه سيترك قصائده على الطاولة ويركض تاركا الجميع.. ليسحب طائرة ورقية إلى السماء السابعة.

تشتعل، دون أن تحس بحرارتها المتسربة إليك. هكذا قصائد يزيد الديراوي عندما يكون على المنصة. في البدء أحسست أني سأغمض عيني على كارثة.. تتسرب الانفجارات إليك، والدبابات، والعساكر. يلعب (شرطة وحرامية) فلا تعرف إن كنت الشرطي أو الحرامي. حاولت أن أذهب بعيدا إلى فلسطين عبر كلماته. لم أستطع.. ألجمتني المسافة. فسكت.

ختم محمد الشلفي الأمسية. أجمع الكل على براعته، وعلى جمال حرفه وبهاء طلعته. فقد كان له نكهة أخرى ومزاج رائق آخر يدق بيد كلماته على باب الحلم.


وصلني كوب النسكافيه متأخرا.. شربته على عجل، فأبي استعجل الخروج كيلا نثقل بحضورنا على المركز.. كانت الساعة الحادية عشرة ليلا. تمشينا على طول النيل، تفرقنا في إحدى نواحيه. وعدنا أدراجنا إلى طلعت حرب.. وهو يبتسم.