لي حلم طالما راودني ولا يزال: أن أرى اليمن مستقرا بالعدل يعيد الاعتبار لمعنى المواطنة والمساواة. ومازال الحلم يعاودني عند كل نازلة أو حدث فها أنا أتمنى اليوم أن يتفق أطراف العملية الحزبية ويعودوا إلى طاولة الحوار والتحلي بالكثير من الصدق والشجاعة للعمل على التغيير، كان حلمي يلح علي وقت ثورة مصر بالتحديد والتي بدأت في 25 يناير الأسبوع الماضي وبعد ثورة تونس التي انتهت في 14 يناير يبحث عن سبب يخص اليمنيين للاتفاق.
لأنه باعتقادي أن لليمن ظروفه الخاصة لكن رياح التغيير في مصر دفعت العجلة بقوة أكثر مما دفعته ثورة تونس لقد كانت مصر هي التأكيد للأمل كانت هي التأكيد على القدرة. بالنسبة لي كان الأمر متوقعا أن تكون مصر هي التالية بعد تونس، فقد رأيت لسنوات شبابا يحلمون بالتغيير وهو الشباب الذي لا يعرف السياسة بمعناها التنظيمي، والذي يجتمع بشكل متواصل للحديث عن الهموم الخاصة والتي تنطلق إلى العام، وهم الشباب الذي أراد أن يردم الفجوة بين شعوره بالانتماء العميق لبلد عظيم صنعه أجداده العظماء وبين حال متخلف يعيش فيه.
لقد كان ذلك الشباب يؤمن بالتغيير وعندما تحققت لحظته أمسك بها بقوة، رغم محاولاته المتواصلة لتقديم تلك اللحظة عن طريق التعبير عن الرأي في المدونات الإلكترونية وعلى موقع الفيس بوك والعمل الدؤوب لتحقيق الحلم بشتى الوسائل. حتى الآن ينتصر ذلك الشباب ينتصر الشعب، ومهما كان الذي سيخرج به من هذه الاحتجاجات المستمرة، فإن مصر بعد الآن هي مصر الجديدة التي أرادها الشباب والتي تحقق رؤيته وذاته.
هنا في اليمن يتقاطع الشعب اليمني مع المصري في كونه يشعر بقوة الانتماء العميق أيضا إلى هويته اليمنية العظيمة والتي رغم ما قد يقال حول ذلك، قد تظهر في أي لحظة حاسمة لتكشف عن نفسها، فاليمن أصل العرب واليمني هو صانع الحضارات الأولى على وجه الأرض ورغم القليل الذي يتاح له إلا أنه يثبت أن يقطع المسافات الطويلة بوقت أقصر. مايحدث في مصر وقبلها في تونس تجعل منه يتوق للتغيير كما يحدث في كل البلدان العربية. ليس من الضروري أن تتطابق التجارب في التغيير لكن يمكن لهدفها أن يكون واحدا، فقد يختلف أسلوب التغيير في اليمن وطريقته نظرا لظروفها مع الأخذ بالاعتبار أن الأحزاب في اليمن لها تأثير في الشارع بما يميزها عن غيرها من الأحزاب العربية، وجاء هذه التأثير على حساب تأثير الشباب، وجاء ضعف الأحزاب في مصر وتونس لحساب الشباب المستقل هناك فهو الذي يقود الأحزاب.
لقد هبت رياح التغيير فعلينا جميعا أن نستلهمها بشروطنا الخاصة مع التأكيد على جانب آخر أن تلك اللحظات قادرة على المفاجأة وكسر التوقعات فالشعوب حين تطلب أحلامها بشغف ستموت مطمئنة لأجلها وأمامها يتحول القوي إلى ضعيف وهذا ما يقوله التاريخ، وما تقوله تجربة تونس ومصر أنها قادر على إرباك كل شيء.
لقد حملت احتجاجات مصر وتونس رسائل لكل الأطراف وأعلنت للشعوب العربية جمعاء والتي تتهم بالتخاذل ويساورها الشعور بالنقص قائلة: أنتم أقوياء ومصيركم بأيديكم والحرية لا تدرَّس في المدارس بل يرضعها الناس في حليب الأمهات.
ورسالة للحكام العرب الذي طال بهم الأمل وغفلوا عن شعوبهم أن عليكم أن تغيروا قبل أن تتغيروا بل أجبرتهم هذه التجارب واللحظات القليلة على تغيير ما لم تقدر على تغييره المعارضة خلال سنوات طويلة من العمل الحزبي. وهي رسالة للجماعات المتطرفة التي تعتقد أنها وكيلة الشعوب في التغيير بالعنف والقوة، فالشعوب في نظرهم غارقون في الضلال، وهي رسالة للقوى الكبرى منها إ سرائيل والمصفوعة بالمفاجأة أكثر في ثورة تونس نحن لا حكامنا نملك الأرض. هي رسالة أخرى للمعارضة التي تسعى لتكون في مكان السلطة.
وبما أنها أيضا تجارب جديدة لم تحدث من قبل فرسالاتها هي الأقوى، من حيث إحداث توازن في علاقة الشعوب بحكامها التي من الأفضل الحفاظ عليها متوازنة لأن الحكام غالبا هم عرضة للنسيان. وبإمكاننا أن نستدل على ذلك من خلال ماحدث في الجزائر في آخر خبر وهو إلغاء حالة الطوارئ وإجراء بعض الإصلاحات، وماحدث في الإردن من حل للحكومة، وفي الكويت تم صرف 1000 دينار لك مواطن، وفي موريتانا تم الحديث عن بعض الإجراءات الإصلاحية.
أما في اليمن فقد أعادت هذه الاحتجاجات الحاكم إلى طاولة الحوار وقدم تنازلات على حد تعبيره لا يراها عيبا من أجل مصلحة الوطن نتمنى أن تتحول إلى أفعال لأن الاعتماد على الكلام عواقبه وخيمة، تستطيع الأحزاب الآن الطرف الآخر العمل بطريقة جديدة بتفكير جديد مقابل ما تعتمده السلطة من طرق جديدة وأخذ المبادرة في ذلك. للدفع بالحاكم ليسير في الإجراءات. فإذا كنا نقول أن هذه الأحداث ستغير تفكير الحاكم فلا بد أن تغير تفكير المعارضة. أعتقد أننا الشعوب العربية بحاجة للعمل على ضمان الانطلاق في إي تغيير انطلاقا من خصوصيات كل شعب. وبحاجة لكل الأطراف أن يتعاونوا في ذلك وليس علينا الحديث عن النتائج فكلها تبقى في إطار التوقعات: ففي اليمن ربما من الأفضل بقاء الرئيس صالح، وربما إذا خروج الناس إلى الشارع طلبا للتغيير ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والوفاء. وهذا أصل هذا الشعب) وربما تحولت القبيلة التي ينظر لها البعض كعقبة إلى حامية لهذا البلد وربما وربما. فلحظات التغيير لايمكن التنبؤ بها بل أساسها المفاجأة، جعلها الله مفاجآت سارة ولا حرمنا الله من فضائل يناير تلك التي أحيتنا وطهرتنا والفاتحة على أرواح الشهداء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق