الأربعاء، مارس 21، 2007

أوسيم


الصباح شهي.. كقلب صديقي الذي ينفِّـُذ كل ما أطلبه منه دون أن يلح علي بأسئلته !
كنت أعلم أني سأحمل لها شوقاً يطول ، ورغم أنهـا لا تبعد عن القاهرة كثيراً إلا أنها مازالت تذكرني بالقرية التي ولدت بها ، نفس رائحة التراب . ولبيوتها سمات بيوت قريتي . يجتمع الناس على أبواب بيوتهم .. يتكلمون- كما يفعل أهل قريتي تماما- ويحل الليل عليهم فيبدأون بالاستعداد للصلاة ، والعشاء ، والنو م باكراً.

في الصباح الباكر أيضاً ،

يذهب الجميع إلى أعمالهم" ليستعينوا على الشقاء بالله" .هم بقلوب لا تحب الحكومة ، ولا تؤمن بها . لم تطحن المدينة عاداتهم . فالبنات اللواتي أراهن .. يتفاخر صديقي وبإشارة يده النافية قائلاً : البنات هنا يختلفن عن بنات المدن .

***

أذكـرُ الفصلَ ،
كانت السماء غائمة حين تنبأ صديقي بالمطر ، ثم قام بأخذ كاميرتي ليلتقط للشمس صورة وهي تختفي بين السحاب. حلَّ ظلام خفيف . ثم مطر بللنا بقطراته التي ارتطمت بالتراب لتحوَّل بقاياه المبلولة إلى حذائي الذي كان أنيقاً .

لم نجد مكانا "نكنُّ" فيه ، بالمساحات الشاسعة -التي يزرع فيها البرسيم ويسمى المكان " الغيط" - إلا مكاناً بـُني من سعف النخل يقف ببابه طفل ينتظر والديه. وبالقرب منه " جاموسة" في بيتها الطبيعي نفس المشهد رأيته في قريتنا ، نـَفرد مكاناً خاصاً بالماشية.

كان عتاب صديقي محمد لي : كيف آتي دون ملابس ثقيلة مع علمي بتقلب الجو ، ولم يكن يعلم أن هذه اللحظات ولأنها تأتي فجأة ، لا تغادر الذاكرة .

عندما اقتربنا من البيتِ ، كان المطر قد بدأ بالتوقف ، و السحب السوداء ترحل ؛ فنرى الأشياء بوضوح . مررنا بالقرب من بيت عمه الذي يقف بالباب ، روى لي بكلمات قليلة أن عمه على خلاف مع أبيه . لم يكن احتجاج محمد ينبئ عن كره عميق حين قال لي : أنا الوحيد الذي لا أكلمه .أما أبي فهو على اتصال دائم به رغم كل شيء ...
انتقلنا إلى سيرة الأشخاص الذين يصبغون الأماكن بألوانهم لكن على من هم أمثالي ، وفي حضرة الأماكن ،أحاول أن أتغاضى عن كل ما يخص الأشخاص وصديقي يحاول عدم الخوض في تفاصيل الحكاية ، فأتركه لرغبته ولرغبتي !كل مرة
كل مرة ،يكرر صديقي فيها محمد تبريراته لي إذا مارأيت شيئاً لا يشيه المدينة التي أتيت منها فأرد عليه: لقد رأيت كل هذه المشاهد قبل أن آتي هنا بسنين .

***

في المدينة "القاهرة "حيث تعرفت على محمد ... بابتسامته المعهودة وهو يشير إلى الساعة في يده وينظر إلى الفتيات في الشارع ، عاتباً عليهن التأخر عليه لهذا الوقت. يملك محمد مالا أملكه ، وكما هو معتاد حين يكرر هذا الفعل أخاطبه قائلاً:لو حدث شيء سوف أتركك لوحدك في الشارع ،وأنسى أنني كنت أعرفك . ثم نضحك ويختم ضحكته قائلاً لي :"جمد قلبك "


كنت أحب الأماكن ، وكان يحب اللحظة ثم ينساها تماماً ، فالأماكن تتشابه عنده .فما نفعله هنا ، نستطيع أن نفعله في مكان آخر ، أما أنا ..فلا أنسى الأماكن وتبقى حاضرة معي .وكان يرتب أيامه بطريقة تتناسب مع حلمه : أن يكون كما هو والده . هكذا ببساطة تجعل من حلمه مستطاعا ، وأكثر ... حين يحلم له والده بأن يزيد على ما يفعله !

أوسيم
لها حق في غربتي . كنت كلما تعبت من الإجابة عن أسئلة البعض ، أين وجهتي ، .. أخبرهم أنني من أوسيم . أغلق الحديث .. أتجنب المجهول الذي سوف يلاحقني من الإجابة عن أول سؤال. لكن أوسيم تبدو عصية على المعرفة ، فبمجرد ذكر اسمها تتوقف الأسئلة التي تنهال علي ، ففي الغالب لا يدرون أين هي بالضبط ، وربما سمعوا بها مني لأول مرة .


المكان الذي لا يعرفه أحد إلا أنا ، وأصحابُه ، وصديقي محمد .

القاهرة 2007

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

بص انا مش قادر اقولك انا استمتعت اد ايه بالبوست دا والله بجد ممتع اوووى ووصفت المكان بحرفيه عاليه ...على فكره انا من اوسيم وبحبها اوى ..
eladwy3@yahoo.com

essamking يقول...

اعجبت بكلامك وانا ايضا من اوسيم
بس للاسف اوسيم بدات تتغير وانا مضايق من كده نفسى تفضل زى ما هى ببسطتها
واهلها وبناتها اللى ما يعرفوش شىء غلط بس للاسف بدات تتغير زى مقلتلك بدات البنات عينيها تتفتح كتير وده بسبب السكان اللى بيجوا من المدن اللى قريبة لينا
ربنا يهديهم وشكرا لك يا اخى على وصفك الرائع ال>ى عشت معه ليلة من ليالى التى >كرتنى بها

عصام سعد
essam.saad@nbe.com
essamking@yahoo.com