السبت، يناير 12، 2008

كقرية لا يهتم بها أحد

"سُنْعاتْ العَمَارِنَة" ..الفصل ، والمدرسة.
كتب: محمد الشلفي
تصوير: معمر هزاع


في القرية ،ليلاً، لا أنسى، كما يحدث في المدينة، النظر إلى السماء، بقمرها، ونجومها. وهي صافية تستقبل حاجات طلاَّبها .والقرية هادئة تسمح لكل شيء فيها أن يُنهي يومه كيف يشاء .
في سطح منزلنا ،وحيدا، و القرية تبدو لي واضحة تماماً في ليلة مقمرة . تجبرني للدخول إليها ؛ لأعرفَ ..فأعيد الذاكرة ، وأضيف لها .

يقولون : يُعرف الجوابُ منْ عنوانه . وتُعرف الأماكن ، أيضاً، من أسمائها . فلكل اسم حكاية معروفة أو غير معروفة.
ففصل الأسماء ، باب القرى :يتضمنُ أسماءَ : "الشِعْبْ ، حَجَر مدان، الحَرْف ، المَقابِر ، قرْية القاضي ، دُخُنْعَان ، المُعَيْنة ، الذِرَاع ، الزُّوَّة ، وادي جلالي"

وفصل الأسماء، بابٌ الأرض المزروعة يتضمن في بعضِه:"دِيْ عبّاد ، عِقْصُ قُريْش ، حَوْل مَعوْضَة ، شِعْب التُعُوز ، دِيْ العِلْبَة ، المَدْمُولْ ، الآصِلْ ، الجُدْل ، المَوْدَمَة ، أحْوَالْ أرْبَعَة ، المُكَحَّل ، ، حَوْل عُمَر ، عَقْمَة حُفَاشْ ، دِي الألفْ ، الثُجْر ، المَعْرُوم، الحَيْمَة ، القَحْمَة ، المِسْوَادْ ، هَيْجَة الردَاعِي ، الشُعَابي ، وادي سَعيْد ، شُعَابي وَعِيْلْ ، القُفْل ، شُرْفانْ ، المِعْطَان ، المَجْهمْ ، الصَحْف ْ، الحَائِط ، المَقاصِيص ، سَبَّةَ الحَجَريْن ، المَبْركْ ، الصَدْرْ ، المَرَاصِدْ .

يتناقل الناس اسم القرية على أفواههم : "سُنْعَات" بضمَّ السين وتسكين النون ويتناقلها التاريخ في كتبه ، فيذكرها العلامة المؤرخ إبراهيم أحمد المقحفي في كتابه "مجعم البلدان اليمنية فيقول "سَنَعات" بفتح السين والنون : "هي قرية خصبة في منطقة "العَمَارِنة " من مديرية العدين وأعمال إب الحجري: وهو محل خصيب بزراعة البن وبه أنهار صغيرة "عيون " منايعها من شَلِفْ والعَمَارِنة.

ومن نفس المصدر الأول ، "العَمَارنةْ" بفتح العين والميم :مركز إداري من مديرية العدين وأعمال محافظة إب .من بلدانه :القصيع ، العنود ، الزنجي ، السنعات .وتشتهر القرية الأخيرة بزراعة البن الذي يروى من عيون الماء النازلة من شَلِفْ و العَمَارِنة .



حكاية الحكاية .

مرَّ الجنود الأتراك في طريق "الشِعْب" على خيولهم ، و كان من عاداتهم: أنَّهم عندما يلتقون في طريقهم بأي شخص يأخذونه ؛ ليساعدهم في حمل أي شيء ، كالمئونة . أو في أن يدلَّهم على الطريق إن كانت المرة الأولى التي يمرون بها. هذه المرة كان من نصيبهم "عقلان" صاحب القامة القصيرة ، يشبه البهلول وتعرفُ الحكايات به . كان جالساً عندما لمحهم وبسرعة أختبأ ،حتى لا يرونه ، تحت طعام الماشية . وقبل أن يغيب صوته عن أسماعهم ،قام ليتأكد أنهم قد اختفوا في الطريق وقال : وأنا يَهمَّني ، شاركز ... وأظلل تحته. وأصبح هذا مثلٌ يقوله أي شخص ، تعبيراً عن عدم مبالاته وعدم خوفه من شيء. عقلان أخذه الأتراك، ثم لم يكمل الراوي الحكاية.

بالقرب من مكان الحادثة الأولى ، تُروى حكاية أخرى حول تسمية "دي الألف" تقول: أن فتاة يهودية تسمَّى "دَايَةُ الشِعْب" ، كانت جميلة بما يكفي لأن يقتتل عليها ألف رجل في مكان سمي فيما بعد بـ "دِيْ الألْفْ" نسبة إلى الحادثة التي اقتتل فيها ألف رجل . أما الآن فقد تحوَّل المكانُ مجرى لماء السيول، ثم ملعباً لأطفالِ القرية .

مازال القدماء يحكون عن جميلات اليهود في القرية، كشمعة التي كان الجميع يتسابق لخدمة أبيها طمعاً في التقرب منها. "وحَنُّو" الشابة التي كان الصغار يقولون لها قولي"أشهد ألا إله إلا الله"؛ فتصرخ هي منادية لأمها التي حذرتها من ترديد تلك الكلمة، ليفر الصغار من أمامها. وأخرى كانت ترد بـ " ألف من أمته يصلون عليه " كلما قيل لها صلي على النبي. ذهب اليهود وسيرتهم بيضاء عند أصحاب القرية. لا يغشون أحد .. ويتعاملون بوفاء، و يساعدون الناس ، لما هو معروف عنهم أنَّهم أصحاب تجارة .

حديثاً ، يروي الناس في القرية أن غرباء يأتون للبحث عن كنوز –من الذهب كما يعتقدون- خبأت في الأرض في أماكن لا يُعرف عنها شيئاً ؛ إلا حين يرون حفرا ً فارغة في وسط الطريق ، وضع فيها أواني كبيرة من الفخار . كأكواز الماء . أو كالفخار الذي توضع فيها الحبوب . كما حدث مثلاً منذ سنوات في ما يسمى بدار الكافر ، وإن كان بعيداً .


في الأيام التي تعرف بـ"أيام الجبهة" ، كانت القرية هادئة إلى حدِّ ما . فالقليلون هددوا بالقتل ؛ كأن يلقوا من أعلى جبل . أو أن يرموا بالرصاص غدراً ، في مأدبة طعام كما حدث في قرى عديدة كانت ملاذا للجبهة ، دون رضى سكَّانها .أين كانت الحقيقة ، وفي صف من ؟ المهمُّ الآن على الأقل ، حفظت السماء القرية ، لكن يتحدَّثٌ الناس عن شخص ما كان سبباً في ذلك. كانت القرية محظوظة ،أحياناً ، لكنها شاهدة على الأيام ذات التسمية القاسية .




المدرسة

في الثمانينات، يتذكر محمد الذي يوشك أن يختم العقد الثالث من عمره، الأستاذ المصري / عبد الوهاب المدرس الأول في مدرسة الثورة الابتدائية في القرية. كان أيضاً رساما، ويحب المسرح.. يقول : "كان يعرف كيف يفتش عن مواهبنا كأطفال ، وكانت الدراسة تتعدى كونها حصص، وواجبات ، واختبار ، وشهادة إلى كونها مرحلة تشكل وعي الطفل" كان محمد يحب الدراسة أكثر من أي شيء " في المدرسة كان الأطفال يُعدُّون الساحة أمام المدرسة بالكراسي ويصلحون مسرح العرض .ويتم دعوة الآباء أولياء الأمور لحضور ومشاهدة ما يقدمه أبناؤهم .أما النساء فكن يفقن في أسطح المنازل ، لسماعهم عبر "ميكروفون الدجاج " كما يقول محمد . كان ذلك جديدا على أصحاب القرية وعلى الحضور، فمثلاً في المرة الأولى، غضب أحد الآباء حين قيل لولده في "المسرحية". "يا أهبل يا ابن الأهبل "واعتقد بأن هذا تهجُّم عليه وعلى ولده. وكان البعض يعتقدون أن " الفيمتو" الذي يستخدم في التمثيل بدلاً عن الدم ، عند أداء "المسرحيات" الدينية ، دماً حقيقياً .بالإضافة إلى الأنشطة الرياضية ، والمسابقات الثقافية التي كان ينضمها أ. عبد الوهاب كما يحرص على مناداته محمد .


لا يتذكرُ محمد أنه غاب عن المدرسة إلا مرة واحدة، لحمَّى أصابته، ولولا إصرار أمه عليه بالبقاء في البيت لذهب. لكنه كان يجلس في شباك بيتهم ليستمع لصوت الإذاعة المدرسية، ولتحية العلم يرددها الطلاب في نهاية الطابور، وهو يرددها معهم.
علاقة محمد بأستاذه وبالمدرسة لم تكن من طرف واحد . فبالمقابل لم يتخل الأستاذ عبد الوهاب عنه ، فعندما أتى العصر كان يطرق باب بيت محمد ليطمئن عليه .
يقول محمد: "كان الأستاذ إذ مرَّ من مكان ما، يقابل بالاحترام والتبجيل. ويظل مروره ،الموضوع المفضل لكل من رآه.ويضيف: اليوم ذهب عبد الوهاب ، وذهب التعليم معه . حتى وإن انتقلت المدرسة إلى مكان آخر، وبنيت بالحجارة بدلاً من الزنج . وأصبحت الفصول كثيرة وأضيفت المرحلة الإعدادية المدرسة . لكن المدرسة بلا عبد الوهاب ، وضميره. فارغة بطلاب فارغين.




كقرية لا يهتم بها أحد:

تبْعد قرية "سُنعاتُ العَمَارِنة" عن مدينة تعز ، بالسيارة ، ساعة ونصف أو ساعتين ، خاصة بعد أن مُلأت الطريق إليها من تعز ،مروراً بقرى كبني عون والمخلاف وشرعب ، بالإسفلت الهش الذي تَكثُر فيه المطبَّات . فقد شبَّهه أحد الخبثاء بسورة الرحمن لكثرة مطبَّاته والحفر الموجودة فيه . ورغم أنَّ القرية الصغيرة تقع ضمن مديرية العدين في محافظة إب ، إلا أن تعز هي قبلة سكّانِها حين يريدون قضاء حاجاتهم . في السنوات الماضية، هاجرَ أهل القرية الصغار قديما، الكبار الآن إلى السعودية، والآن يتشبَّهُ الأبناء بآبائهم كحلمٍ أخير. هرباً من وطنِ لم يعد يوفِّر لقمة لهم و، بأي وسيلة، كالدخول بطريقة غير شرعية "تهريب "، وحكايات الفشل هنا تطول. لقد أصبحت الهجرة إلى السعودية ظاهرة في القرية كما هو الحال في قرى اليمن، ومدنها.




هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

في معك غير هدا الكلام الي مالو داعي رجعتها باريس الثانيه وياريت لو تحسن الاملاء بمادا تريد ان يهتم بها اناس هل تريد اعادت الترميم للبيوت القديمه الدي تسكنها البومات ؟

Hamza alshalafi يقول...

وصف جميل جدا

علي محسن يقول...

بلادي وان جارت وما يعرف قيمة البلاد الا الذي عاش الشتات ياصاحب البلاد

علي محسن يقول...

اتمنى واتشوق لنشرالمزيد عن قرى وعزل العمارنه منك واي
معلومات عن اسرها وعزلها بارك الله فيك اخي العزيز