الأربعاء، فبراير 13، 2008

هواء نقي



تختزل الطفولة حزن نصف العمر، رغم غفلتنا ونحن نقول: ليتنا نرجِع أطفالاً لنكون بلا هموم.
وإذا كانت البدايات هي أهم المراحل، فالطفولة:هي المرحلة التي نقبل فيها على الأشياء بحب، لأنها لم تمرّ علينا من قبل. ولا نكون فيها مضطرين للبقاء، بل، سعيدين بالبقاء فيها. حزنا، وفرحا، كرها، وحباً، وثورة. نأخذ كل الأشياء بمثالية مفرطة.

يتذكر صاحبي كيف كان والده يفرغ حقده على المستعمر في أذنه : الكلاب ، الأنذال ، أولاد الزنى. وكان هو يفكر بأنبوبة الغاز كثيراً ، يومها كانت الانفجارات تنمو في أنحاء المدينة .
في حارتهم القديمة، كانت لعبته المفضلة مع من هم في سنه من الأطفال، لعبة المقاوم والعدو. لعبة الثورة والمستعمر. ومازالت ذاكرته تحتفظ ببيت من الشعر، كتب على جدار غرفة في بيتهم القديم على لوحة بيضاء كان يستخدم مثلها في رسم الجهاز الهضمي، والعصبي كنشاط لمادة العلوم ، "لا تسقني ماء الحياة بذلة ... بل فاسقني بالعز كأس الحنظل "

- الخروج من بوابة المستعمر يعني: الحياة مهما تكن.

في مرحلة متوسطة، نتعب في البحث عن رونق البدايات ، وبهاء الإفراط الذي يمنحنا الأشياء كاملة بحلوها ومرها . لكننا لا نجده . ولو استطعنا، فلا نصلُ إلى مستوى البداية . وإن كان لابد فالنهاية وما قبلها.

في طريقنا المتوسط نقصد منه الطريق الأخير ؛ لا نصمد طويلاً في البقاء على طبيعتنا . نطأُ أول درج السلم . ولكن هذه المرة بتقديرات نسميها عادة "الحكمة". لذلك نسير بأقنعة، ونتحول إلى ممثلين في مسرح كبير نجد أنفسنا فيه في غاية تقديم الأعذار. مجردين من الحقيقة التي نكتشفها كلما وقفنا أمام المرآة: أنانيون، ومدّعون. ونصل بكل هذا إلى أقرب النقاط حولنا وأبعدها.

- أصبحت الأشياء، حاضراً، مثلي: أمشي بعكاز يحمل جسدا واهناً بقلب ضعيف. بين كل هذا، توجدُ مساحات لنكون فيها كل الأشياء التي نريد.

لم يسعفني الوقت، حين أكمل صاحبي شايه، لأسأله: من أي البلاد أنت ؟ لكن مظهره كان يوحي بالبلاد كلها . بالشمال وهوائه ، وبالجنوب وهدوئه .

ليست هناك تعليقات: