الخميس، سبتمبر 16، 2010

في ذكرى البردوني






في مهرجان الموصل كانت هناك أصوات تتساءل ما الذي سيقوله هذا؟ وكان الشاعر الفلسطيني معين بسيسو أكثر وغزاً بالبردوني


يقول أستاذ اللسانيات المفكر التونسي د. عبدالسلام المسدي في كتابه "نحو وعي ثقافي جديد"، ما من سياسة زهدت في حرية الفكر إلا ظلمت نفسها بنفسها، فحرية الرأي هي التي تستصفي النقد، والنقد هو الذي يحمي السياسة من الفشل، والنقد هو الذي يحمي النجاح من الغرور.يحضر ما قاله المسدي في الذكرى الـ11 للشاعر العظيم عبدالله البردوني. فقد كان في شعره كما هو في فكره ناقدا لا يكل... ماذا لو صدق السياسيون ما تنبأ به البردوني حول الوحدة منذ قامت في أكثر من حوار معه، لربما كانت أيامنا هذه بلا حراك.في الذكرى الـ11 ما زال البردوني يتردد في ذاكرة من أحبوه رمزاً لتطلعاتهم، وفي ذاكرة من كرهوه موقفا جليا لا يعرف المساومة. في الذكرى الـ11 ما زال البردوني يحملُ مصباحه من بيت لبيت ليضيء.. محتشدا في الشعب الأستاذ والجندي وقائد الجيش والعامل والفلاح والثائر والعاشق. ألا يكفي أن البردوني جعل اليمانيين ينامون وهم يحبون ذاتهم.في الذكرى الـ11 لوفاة البردوني لا شيء يثير الألم أكثر من بلدٍ أشاح بوجهه عن البردوني، فأعماله التي تركها تعجز الدولة، بقصد أو دون قصد، أن تقوم بحل إشكالية بين ورثته أو إشكالية أخرى تبدو جلية في عقلها. كأننا بحاجة لتبني مبادرة لحل هذه المعضلة والبدء بنشر أعماله المعدة للنشر "الجمهورية اليمنية"، رواية "العم ميمون"، "المؤسسات الثقافية في اليمن"، "الجديد والمتجدد في الأدب اليمني"، وديواني "رحلة العشق علي مرافئ القمر" و"ابن من شاب قرناها".تحاور "النداء" الأستاذ عبدالإله القدسي أحد من كانوا يقرؤون ويكتبون للشاعر الكبير عبدالله البردوني، عن فترة عاشها مع البردوني قارئا وكاتبا له، وعن بعض المواقف التي عايشها معه. وهو من مواليد مدينة الحديدة، خريج الاتحاد السوفيتي سابقاً، يحمل درجة الماجستير في علوم الصحافة والآداب عام 1986.
*كان دائماً يقول: علي أن أقول كلمتي وهي تستفز وتقاتل إذا انتصرت لا أفرح بانتصارها وإذا سقطت لا آسف على سقوطها" ولم يكن يجامل أحداً كما لم يكن فجاً* له محاضرات ألقاها في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين لم تنشر على الإطلاق وهي مسجلة لديهم، رغم أن نشرها مهمة الاتحاد

* حوار: محمد الشلفي

> " كيف بدأت علاقتك بالبردوني؟
- صلتي بالأستاذ عبدالله البردوني منذ أواخر 67 بعد أن منيت الأمة العربية بهزيمة نكراء. كنت هنا في صنعاء أدرس وتعرفت عليه. قبلها كنت أتابع مجلة الفكر والأدب في إذاعة صنعاء، كان عمري 12 سنة، وكان على معرفة وثيقة بأبي، لهذا تآزر التعارف من خلاله. كنت أحد قرائه إذ كان يقرأ له سابقاً على الملالي، محمد علي المهدي، والعزي الشاطبي، وكان صديقه.

> ما كان أول كتاب قرأته له؟
- "الشعر اليمني قديمه وحديثه"، وكانت الطبعة صادرة على دار الجماهير العراقية.
>
كيف كان يقضي يومه؟
- يستيقظ صباحاً الساعة الـ6 يتابع الأخبار كإذاعة الشرق الأوسط، تأتي في الصباح باقة أخبار ثقافية؛ ما الذي استجد في الجانب الثقافي لأدباء كبار في مصر. يتابع أخبار المهرجانات الأدبية التي تعقد، فكان يعرف أخبار طه حسين، العقاد، حافظ إبراهيم، وصلاح عبدالصبور. كما كان يتابع الأخبار السياسية عبر إذاعة لندن، الكويت. بعد سماع الأخبار يتخللها تناول الفطور، ثم يبدأ بالقراءة بين الثامنة والثامنة والنصف، وتنتهي الفترة الساعة الـ12 ظهراً، بعد ذلك الغداء، ثم -وهذا عندما كان يتعاطى القات- يبدأ بسماع الأخبار من إذاعة صنعاء التي كانت تبدأ البث في الساعة الـ2، الساعة الـ3 يبدأ القراءة مرة أخرى حتى المغرب، بعدها تكون صلاة المغرب ثم العشاء، ثم قراءة إلى الساعة الـ12 ليلاً، وكانت تتعدى إلى الساعة الـ3 صباحاً، لكن بعد أن امتنع عن القات لفترة طويلة كان ينام حتى الساعة الـ5 بعد الغداء. وكانت القراءة وجبة يومية. كانت متنوعة في الجانب السياسي، الثقافي، والتاريخي.
> ماذا عن نشاطه الثقافي؟
- عندما يستضيفه اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كان هو من يختار مواضيع محاضراته، فيأتي عصراً يشغل حيزاً كبيراً جداً من الوقت في إلقاء محاضراته، أعتقد أن له محاضرات كثيرة لم تنشر على الإطلاق في الصحف ولا في المجلات في اتحاد الأدباء، وهي مسجلة في اتحاد الأدباء وموجودة لكن لم ينشرها رغم أن نشرها مهمة المسؤول الثقافي في فرع صنعاء في اتحاد الأدباء، وربما تكون الأمانة العامة منوطة بطبعها، خاصة أن أ. عبدالله البردوني من المؤسسين وأول رئيس لاتحاد الأدباء والكتاب في اليمن.
> ما هي الكتب التي أملاها عليك؟
- لم أكتب له كتاباً كاملاً، كتبت فصولاً، شاركت في كتابة بعض الفصول الأولى من "اليمن الجمهوري"، فصلين في "قضايا يمنية"، وفصلين من "رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه".
> كم كان يستغرق تأليفه للكتاب؟
- كان الكتاب يتألف من مجموعة أبحاث ودراسات تم نشرها، ثم يقوم بإعادة صياغة أجزاء منها ويضيف إليها وينقحها وينشرها ككتاب، ما عدا كتاب "رحلة في الشعر اليمني" لأنه كان لديه مجموعة كبيرة جداً من الجرائد والمجلات التي يحتفظ بكتابات الأدباء اليمنيين مثل القرشي عبدالرحيم سلام، محمد عبدالله غانم، لطفي جعفر أمان، محمد الشرفي، عبدالرحمن قاضي، محمد سعيد جرادة، وتناولهم نقدياً. وقد أغضب ما كان يكتبه البردوني في النقد بعض الكتاب، وكان دائماً يقول: "علي أن أقول كلمتي وهي تستفز وتقاتل إذا انتصرت لا أفرح بانتصارها وإذا سقطت لا آسف على سقوطها". كان لا يجامل أحداً على الإطلاق، وأسلوبه ليس فجاً. وكان يتهم بأنه "حاطب ليل" مزاجي، وبأنه لا يرى شيئاً، وكان يطلع على الكتابات تلك ويرد عليها بأسلوب غير مباشر.
> عندما كنتم تكتبون له هل كان يأخذ برأي من يكتب، أم كنتم تهابون إبداء رأيكم باعتباره البردوني؟
- كان يقبل الملاحظات، كنت أكتب له، ثم يسمع ما كتبت ليتأكد مما كتبت. وكان دقيقا في هذا الأمر. ثم إذا كان هناك ملاحظة أقول له فيقبل. من الملاحظات التي كان يكتبها خصومه أنه ليس مؤرخا، وكانوا يريدون أن يقول في الساعة كم حدث، وهذا ما لم يحدث عند المؤرخين جميعهم.
> أنت كنت بصحبته في مهرجان الموصل، ما الذي حدث؟
- أرسلت دعوة للأستاذ البردوني من القائمين على مهرجان الموصل، كان ذلك في عهد الإرياني في 1971. كان هناك أصوات في الاحتفال تتساءل ما الذي سيقوله هذا؟ من منطلق هذا الزخم الثقافي الكبير والشخصيات التي حضرت صلاح عبدالصبور، نزار قباني، الجوهري، صالح جودت. حينها كان الشاعر الفلسطيني معين بسيسو أكثر الناس وغزاً للبردوني، يهمز ويلمز أمام بعض الأدباء، ولم يكن البردوني مكترثا. كان ترتيب اليمن هجائياً في النهاية، وحدثت التغيرات وتقدمت اليمن، فبدأ يلقي قصيدته المعروفة "أبو تمام وعروبة اليوم"، وكانت بدايتها:
ما أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب
وأكذب السيف إن لم يصدق الغضبُ
بيض الصفائح أهدى حين تحملها
أيد إذا غلبت يعلو بها الغلبُ
وأقبح النصر... نصر الأقوياء بلافهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى
أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا... إلخ.
صفق الحضور بشدة. وطلب الحضور في القاعة الإعادة أكثر من مرة حتى قال لهم "أنتم تدعونني إلى الانتحار". هذا المهرجان كان مرحلة جديدة جعلت البردوني أكثر شهرة مما كان عليه. بعدها صعد نزار ليقول ما معناه أن الإلقاء بعد البردوني انتحار، ولم يلقِ قصيدته.كما قلت كان معين بسيسو أكثر لمزا بالبردوني، وفي ما بعد جاء مع ياسر عرفات إلى اليمن، وكان معين محسوبا على حركة الثورة الفلسطينية، ووقتها كان المستشار الثقافي لعرفات. وجاؤوا حينها لإعادة انتخاب اتحاد الكتاب الفلسطينيين، ولقي البردوني معين بسيسو فقال له: "أنا يا أخي العربي صحراء، وتحت يدي سلاحي"، أين سلاحك يا معين؟ كان يريد أن يقول له أن يتابع كتاباته، وقرأ له نصوصاً كثيرة، وكنت ألاحظ الوجوم الخجل يعتري وجه معين بسيسو، فقال له الذي حدث ذهب، ورد عليه البردوني أنا لا أسألك عن أمسك، بل إنك أنت وليد لحظتك هذه. وهذا من العتاب الجميل.
> ما قصة قصيدة "الغزو من الداخل"؟
- بدأت القصيدة تنتشر، كانت هذه القصيدة ستمنع، لكن إبراهيم الحمدي رفض ثم في عهده طبع الديوان، قال لهم إبراهيم الحمدي دعوها، حتى عندما قال عنه "جبينه دبابة واقفة" في قصيدته خطاب 13 يونيو حزيران لم يحذف منها شيئاً، وقال دعوه يقول ما يشاء يريده، ولم تكن هناك أية رقابة.لم تخضع أعمال البردوني للرقابة كما حدث في عهد الرئيس علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد في كتابه "اليمن الجمهوري" سنة 1982، ثم تراجعوا بعد أن وزع كتبه في عدن وفي الشمال مجاناً دون بيع.ولما كان عهد إبراهيم الحمدي من 74 إلى 76، كانت ممنوعة كتب: "لعيني أم بلقيس"، "السفر إلى الأيام الخضر"، و"قضايا يمنية" من دخولها إلى السعودية، لكن الكتب كانت مطلوبة من الناس، وكان اليمنيون في السعودية يشترون هذه الكتب من صاحب مكتبة الثقافة أمين مستور، كانت رخيصة، وقد عرفت أن مثقفاً سعودياً كان مستعداً أن يدفع 3000 ريال سعودي.
> لكنك لم تتحدث عن قصة هذه القصيدة..
- دعي البردوني لعيد الجلوس للملك فيصل، وكان في نادي الضباط عام 1973، من قبل جهات رسمية يمنية وسعودية. كانت ذا وقع كبير، وكان معتدا حاملاً معه بطانيته فقالوا له إلى أين؟ قال إلى السجن أو إلى المشنقة. وكان بحضور رئيس الوزراء عبدالله الحجري والحمدي. وأعقبت هذه القضية كثير من الغضب، وكان الحمدي يقول جاء حراً ويذهب حراً، وهذا ما حدث.
> ما الذي كان يشغل البردوني؟
- هو أن يتقدم اليمن، وأن تكون دولة مؤسسات حقيقية، وأن يكون النظام مدنياً منفتحاً، وديمقراطياً حقيقباً. كان البردوني يركز على الجانب التعليمي، وكثيراً ما انتقد التجهيل. كان البردوني ضد الانقلابات، كان يريد ثورة شعبية تخرج، كان تحريضياً، وكان له موقف من الوحدة، والثورة، يقول: أيها الآتي بلا وجه إلينا/ لم تعد منا ولا ضيفاً علينا.
> هل كان البردوني يخاف؟ وهل رأيته يبكي؟
- لا، لم يكن يخاف، ولم أره مرة يقول ذلك، ثم إنه كان إنسانا حساسا فقد بكى على إبراهيم الحمدي وشاهدت أناته، بكى لفقدان أعز الناس إليه زوجته، وقتها تقلب فوق الحصى باكياً. بكى على عبدالسلام الدميني.
> كان ناقدا لا يتواني عن قول رأيه، بالمقابل هل كان يتقبل النقد مثلما كان ينتقد الآخرين؟
- كان ديمقراطياً وكان يقبل النقد. أذكر ذات مرة كنا في اتحاد الأدباء وكان يلقي محاضرة في شعر الحضراني، فوقف عبدالله هاشم الكبسي يقول للبردوني أنت قلت عن هذه الأبيات من بحر المنسرح، وأنا أقول إن هذه من البحر الخفيف. هذه حدثت فعلاً ولا أحد يستطيع أن ينكرها، منهم عبدالله هاشم الكبسي. لم يرد عليه البردوني سوى بـ"شكراً". لم يكن البردوني يغضب أو يحنق، وكان عبدالله هاشم الكبسي على حق. وهذا لا يغير من مقام البردوني شيئا.
> ترك البردوني مجموعة من المخطوطات التي لم تنشر من قبل، البعض يقول إن عدم نشرها بسبب خلافات الورثة، والبعض يقول إن جهات صادرتها يوم موته من منزله.
- الأستاذ عبدالله البردوني كان يحتفظ بما نشره أو ما هو معد للنشر في دولاب والمفاتيح مربوطة على خصره لا يعطي المفتاح أحدا. الذي أعرفه من الكتب الجاهزة للطباعة هي "الجمهورية اليمنية"، وهو كتاب يوضح موقف البردوني من الوحدة، انتقد بعض الظواهر السلبية في الحكومة الانتقالية، ومهما اختلف معه فذلك رأيه.الكتاب الثاني رواية "العم ميمون"، الكتاب الثالث "المؤسسات الثقافية في اليمن"، الكتاب الرابع كان أقدمها وكان يؤخره حتى يتواصل مع إبداعات الجيل الجديد، عنوانه "الجديد والمجدد في الأدب اليمني"، ثم ديوان "رحلة العشق على مرافئ القمر" وديوان "ابن من شاب قرناها"، وفيه أحدث قصائده.
> أين ذهبت هذه المخطوطات؟
- نحن، وبعد مراسم دفنه، سألنا زوجته فقالت إنها سلمت المخطوطات لجهات نافذة في الدولة.> من كان حاضراً معك حينها؟
- أمين العباسي، الحارث بن الفضل، الشاطبي، محمد شرغة.. كما تحدثت هي في أكثر من وسيلة إعلامية.
> إذن لا دخل للورثة بتأخر طبع الكتب إلى اليوم؟
- بعدها حدث خلاف حول البيت، وقد كانت الوثائق أثبتت أنه باسم البردوني لا باسم زوجته. والمتداول الآن أن البيت تم حجزه بما فيه الإرث الثقافي تم ربط المخطوطات بالبيت. لكن مع ذلك إذا صح ووجد خلاف بين الورثة بخصوص إرثه الثقافي، فالدولة قادرة على حله إذا كانت تحترم قامة كالبردوني. الدولة لا تهتم إلا بقطاع الطرق، أما أن تهتم بالشخصية العظيمة البردوني الذي احتشد الشعب فيه.
ما الذي جناه البردوني حتى يعاقب بهذه الطريقة، ويقابل بالنكران، فلم يتحول منزله إلى متحف، وإن أحييت ذكرى أخذت طابعاً إعلامياً دعائياً.
إذا كانت الدولة تحترم البردوني فليفرجوا عن موروثه الثقافي الموجود لديها، ونتمنى ألا يتم خدش أو إلغاء أو تشويه المخطوطات التي تركها البردوني، ولم نتأكد من مصيرها، لأن البردوني بأسلوبه معروف للصغير والكبير.

الأربعاء، سبتمبر 15، 2010

صنعاء


صنعاء في فسحة، يفصلها يوم واحد عن الاختناق بالسيارات والناسْ !
لا يجدي البحث عن صنعاء الجديدة مصورة ، هكذا يطغى الماضي على الحاضر في اليمن، لكن هل هناك جديد يمكن الإشارة إليه في صنعاء الجديدة، ربما !


أجهلك يا بلدي، إلا أن جهلي يثمر حباً !






الخميس، سبتمبر 09، 2010

معايدة

بعد انقطاع لأسباب فيسبوكية بحتة أشتاق


كل عام وأنتم وأنا والمدونة بخير.

الأحد، يونيو 06، 2010

أين أنت الآن



بين العرض الأول والثاني للمسرحية الصامتة "أين أنت الآن" للمخرج الشاب خالد اليوسفي.. يمكن أن يلحظ المشاهد أمرين أن عرضها الأول كان مؤثرا أكثر من الثاني لقد أدى الممثلون جميعهم أداء مدهشا ينعكس بذلك على وصول فكرة المسرحية بحركات لا يشوبها الكلام. يضل المشاهد يتبع أحداث المسرحية بصمت كما هو حالها حتى يصل به ذلك الصمت إلى المعنى الذي يريده المخرج، حالة من المتعة تصبحه كلما تطور الحدث فتتضح الرؤية لديه وهو هنا لا يريد سوى الصمت الذي يمنحه فرصة اختبار قدراته على الاكتشاف.
كان المخرج والمؤلف الشاب موفقا في اختيار المكان والشخصيات فيبدو الحدث مؤثرا من خلال كل ذلك (حديقة، أطفال،آباء، أمهات، قصة حب في بدايتها )مكان ممتلئ بالحياة ثم بعدها يصبح المكان "مدمرا" بفعل انفجار، ولا يبقى حيا سوى شخص كان يفترض أنه بدأ قصة حب مع فتاة لم يدر كيف أصبح مصيرها. وعلى المشاهد أن يحزر مالذي حدث وكيف ومن يكون وراء الانفجار ؟ وكل حسب خلفيته الثقافية.
لا يكتمل الحدث هنا، فيدخلنا المؤلف في مشهد أكثر عمقا، لقد عادت الروح لكل الذين اختفوا جراء الانفجار، يعلق المخرج الشاب اليوسفي في أحد حواراته أن المعنى إعادتهم للحياة ليعيش معهم الشخص الذي نجا من الحياة اللحظات التي عاشها من قبل لكننا لا نعرفها إلا بعد أن يحدث الانفجار، لتكون الجملة الوحيدة التي تحدث بها شخصيات المسرحية هي "أين أنت الآن" وهو سؤال لا يخرجنا عن صمتنا الذي توحي لنا به المسرحية.
وقد يكون هناك تفسير آخر هو أن إعادة الروح لهم نقطة الانتهاء ليكملوا الحياة، بمعنى ماذا لو أكمل الجميع حياتهم دون أن يتسبب جماعة من الناس في موت آخرين ودن ذنب.
في العرض الثاني لذات العمل بعد العرض الأول والذي كان في فبراير ضمن مسرح الأربعاء أيضا ، تقدم المسرحية بتغيير بسيط فالأب الذي كان في العرض الأول يحمل جيتارا ويعزف عليه بصمت أمام أطفاله وزوجه، وهنا يمنحنا مهمة مراقبته دون أن يعي وجودنا. يتحول في العرض الثاني -في شهر مارس- إلى مغن بصوت مسموع متجها إلينا، ليفسد متعتنا بمراقبته دون أن يدري ويجعلنا نتوقف عن اللحاق بالفكرة الغامضة بترتيب متصاعد. وهنا تسقط اللذة التي تحدثت عنها لذة الاكتشاف ولذة الصمت. لقد كان العرض الأول مدهشا بحق المكان ممتلئ بالحياة ونحن نشاهد، نتماهي مع شخصيات المسرحية، ثم كما غمرتنا الحياة فجأة ينقلنا الانفجار إلى الموت دون أن ننسى الحياة. تفزع قلوبنا لندرك أي يد آثمة قتلت من لا ذنب لهم، وبعدها قد نتساءل عن هؤلاء بطريقة ثانية وثالثة ورابعة، كل على حدة، "أين أنت الآن "
ملاحظة
كنت أعتقد أن العرض الصامت " أين أنت الآن" هو أول عمل من نوعه في اليمن لكن الذي يتتبع حركة المسرح في اليمن وفي عدن خصوصا سيجد أن هناك عروضا صامتة قدمت وإن كانت قليلة.

الأربعاء، يونيو 02، 2010

إبراهيم نصر الله "دمهم"


دمُهم صباحُ الخيرْ
دمهم مساءُ الخير
دمهم تحيتُهم .. رسالتُهم إلينا
دمهم حكايتُهم .. وخوفهم علينا
دمهم مساجدُهم .. كنائسُهمْ
نوافذُ دورِهمْ
دمهم محبتُهم وغضبتُهم
دمهمْ عتابٌ جارحٌ
دمهم فضاءٌ فاضحٌ
دمهم حكايةُ أمّهمْ لصغارهِا
دمهم رسالةُ وردةٍ لرحيقها
دمهم طيورُ بلادهم ورياحُها
دمهم معاركُهم .. وهدنتُهم
وطرفتُهم إذا اندفَع الغزاةْ
دمهم ذراعُ صلاتِهمْ
دمهم صلاةْ
***
لم يتركوا شجرًا يعاتبهم
ولا قمرًا على شرفاتِ منـزلهمْ
ولا أغنيّةً عطشى لأنهُرهمْ
لم يكسروا أُمنيّة سكنتْ عيونَ صغارِهمْ
أو خاطرَ الزيتون فوق تلالهِم.. .. ..
هُمْ أصدقاء البحر
هم أصدقاءُ النهرْ
هم أعينُ الزيتونْ
هم زهرةُ الحنّونْ
هم خُضرةُ الأشجارْ
وطفولةُ الأنهارْ
هم قِبْلةُ الشعراءْ
وذخيرةُ الفقراءْ
هم شارعٌ في الفجرْ
هم ضحكةٌ في الصخرْ
ووضوحُ هذا السّرْ:
دمهم صباحُ الخير
دمهم مساءُ الخير

الأربعاء، مايو 26، 2010

هن الجميلات


الجميلات هنَّ الجميلاتُ
"نقش الكمنجات في الخاصرة"
الجميلات هنَّ الضعيفاتُ
"عرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرة"
الجميلات هنَّ القوياتُ
"يأسٌ يضيء ولا يحترق"
الجميلات هنَّ الأميرات ُ
"ربَّاتُ وحيٍِ قلق "
الجميلات هنَّ القريباتُ
"جاراتُ قوس قزح "
الجميلات هنَّ البعيداتُ
"مثل أغاني الفرح"
الجميلات هنَّ الفقيراتُ
"مثل الوصيفات في حضرة الملكة"
الجميلات هنَّ الطويلاتُ
"خالات نخل السماء".
الجميلات هنَّ القصيراتُ
"يُشرَبْنَ في كأس ماء"
الجميلات هنَّ الكبيراتُ
"مانجو مقشرةٌ ونبيذٌ معتق"
الجميلات هنَّ الصغيراتُ
"وَعْدُ غدٍ وبراعم زنبق"
الجميلات، كلّْ الجميلات، أنت ِ
إذا ما اجتمعن ليخترن لي أنبلَ القاتلات (محمود دوريش)

الأحد، مايو 16، 2010

حـــــــوار


أجرى موقع ومنتديات ابن اليمن المهتم بالطلاب اليمنيين في الخارج هذا الحوار معي... ننشر في المدونة جزء من الحوار



-
كثرت في الآونة الأخيرة قوانين تخص الإعلام في اليمن ... كيف تصف حال الإعلام اليمني اليوم؟


إن تحدثنا عن القوانين الخاصة بالإعلام فلابد أن نذكر اللوزي وزير الإعلام، فلأول مرة في تاريخ اليمن الحديث يصدر قانون كقانون الإعلام السمعي والمرئي، ولأول مرة في تاريخ اليمن تغلق 8 صحف دفعة واحدة في الشمال والجنوب، ولأول مرة تصل القضايا المرفوعة على الصحفيين إلى مئات القضايا. لقد ضاقت السلطة بالحقيقة. وأصبحت اليمن من أسوأ الدول في العالم في مضايقة الصحفيين وقمع حرية الصحافة. هذا الخوف من الصحافة والإعلام لا يعني أن لدينا عمل صحفي مؤسسي، بل لدينا دكاكين ووضع الصحافة المادي لا يسر وبالتالي تضطر للسير بعكاز. الإعلام المرئي إعلام غير مؤسسي أيضا بعض القنوات تكسب الكثير لكنها، لكن شعارهم في العمل "بالبركة". الوضع في البلد يسير بالبركة وينعكس هذه الوضع على كل شيء داخل اليمن حتى على مستوى الأسرة الصغيرة في المجتمع اليمني.
- صحفي يمني تعتبره أنت الأفضل؟

يقال القمة ليست مدببة وتتسع للجميع، هناك صحفيون كثر مهمون، أقصد الذين مازالوا يعملون في الصحافة، يديرون صحيفة أو يمارسون العمل الصحفي ولم يتحولوا إلى كتابة الرأي، أذكر منهم سامي غالب، بصحيفته النداء، ونبيل الصوفي، بموقعه نيوز يمن ومجلة أبواب التي كنت أعمل فيها وتوقفت لظروف عديدة تعرفها، وبرأيي هم في مقدمة أهم الصحفيين في اليمن اليوم.
-
كيف ترى مستقبل الصحافة في اليمن والى أين تسير الأمور ؟
ما رأيك لما يحدث للصحفيين اليوم من مضايقات من قبل الحكومه هل ترى هذه الإجراءات تعسفية أم أنها مبرره ؟وما هو الدور الذي تلعبه نقابة الصحفيين في هذا الصدد ؟

لا مبرر مطلقا لما يحدث للصحفيين مطلقا على الأقل السلطة أمام خصم شريف يكتب بقلمه ولا يحمل رشاشا، ينتقد وطول الوقت هو موجود وأمامها. السلطة تعرف أن الصحفي ليس لديه سوى الكلمة ليدافع بها عن نفسه وهو بلا قبيلة لذلك تستسهل معاقبته بالطريقة التي تراها. في النهاية أنت أمام الحكم والقاضي. لا شيء يبرر ما تفعله السلطة سوى السلطة. فالصحفي يؤدي عمله بل واجبه في كشف الفساد والحديث عن السلبيات. وبهذه الطريقة تجعل السلطة من اليمن بلداً لا يحترم الحقوق والحريات وبلد صائد للصحفيين. بعد هذا عليك أن تقرر بنفسك أين تسير الأمور.

- سمعنا جميعا ما حدث لقناة الجزيره وطاقمها في اليمن , الى أين يميل رأي الجمهور في هذه الاشكاليه ؟ ومن هو المسئول عن ذلك برأيك ؟

وما حدث للجزيرة يندرج في إطار ما يحدث للصحافة بشكل عام.
-هل حرية التعبير مكفولة لكل المواطنين أم أن هناك تكميم للأفواه ومصادرة لحرية الرأي ؟

لدى المواطن هاجس أمني لذلك الدولة تضمن أنه لا يتكلم. المواطن رقيب نفسه للأسف هو على استعداد للتخلي عن حقه حتى لا تسخط عليه الحكومة، وأحيانا يصل هذا الهاجس إلى الوهم. هناك محاولة لإخافة الناس ليكونوا أكثر رضوخا. لكن التاريخ وما يحدث الآن يثبت فشل المخيفين. والطريقة التي تتعامل بها الحكومات العربية ومنها حكومتنا تثبت العكس لا يمكن لهذا الشعوب أن ترضى بالظلم وإن طال الزمن. أما ما يبررون به أفعالهم من الحفاظ على الأمن والمساس بالوحدة، فبالعدل لا بغيره يمكن أن نحافظ الأمن والوحدة والوطن هذه المفردات التي هي بالأساس تمثل وجودنا، ماذا لو جربت هذه الحكومات إقامة العدل ؟

- كيف تنظر إلى مستقبل اليمن السياسي والاقتصادي في ظل الأحداث المتلاحقة ؟
ليس هناك مشروع في اليمن لا من السلطة ولا من المعارضة، عندما تولى مهاتير محمد رئاسة وزراء ماليزيا كان لديه كتاب عنوانه "المشكلة الماليزية" وعلى أساسه استطاع أن ينهض بماليزيا خلال عشر سنوات. وبالمناسبة سخر جزء كبير من ميزانية الدولة للتعليم، لم يكن لديه عصا سحرية، لا بد أن يكون لنا مشروع لنضمن المستقبل. لن تساعدنا الظروف كل مرة.

-وما هي السيناريوهات المحتملة التي يمكن إن تؤول إليها الأحداث في اليمن ؟

يا سيدي، سنة الحياة تقولْ من زرع الشوك لا يحصد العنب. مالذي نزرع نحن في اليمن، ربما أنت تعرف الإجابة.



- ماهي أكثر الأشياء الصادمة التي قابلتها لدى عودتك من دراستك بالقاهرة إلى مصر ؟

ما يحدث عند العودة أنك تتخلي عن أشياء جيدة كنت قد اكتسبتها من حياتك في مجتمع أكثر مدنية، ومن الصعب أن تحافظ عليها تتغير نظرتك للأشياء وتقييمك للأمور.. ليس استسلاماً لكن أسميها أنها مرونة. كنت أعي جيدا هذا المجتمع وهذه البلد فأنا أتعامل معه بتعاطف لا بتعالي. ما زال أمامه الكثير. لذلك لم أنصدم.
-
الصحافة مالذي ينقصها حالياً ؟

ينقص الصحافة العمل المؤسسي، الصحافة لدينا دكاكين لا أكثر. مشاريع شخصية. يعملون بالبركة. لذا وضعها ليس ثابتا بالإضافة إلى ظروف القمع الذي تواجهه.
-
لماذا اخترت الكتابة عن المسرح بالذات ؟

ذاكرتي تحتفظ بالكثير منه منذ الطفولة في المدرسة، في الحي. يدهشني المسرحيون لديهم قدرة الوصول إلينا. ثم إني لم أخطط للدخول إليه لكن وجدت نفسي أكتب عنه وكان أول موضوع كتبته عن مسرحية مصرية بعنوان "القضية 2007 " http://alyaom.blogspot.com/2007/01/2007.html وشاهدته في الأوبرا في مسرح الهناجر، وفي اليمن عدت لأرى مسرحية "عائلة دوت كوم" للمخرج والمؤلف عمرو جمال فأدهشني فرقة خليج عدن. http://alyaom.blogspot.com/2008/05/com.html
- طموحاتك المستقبلية , شخصية و عامة ؟

حلم أن أرى هذا البلد بخير إنسانه واعيا، جميلا نظيفا متقدما يفخر به ابناؤه. أما الشخصية فأن أنفذ أفكاري في المجال الكتابة والعمل الإعلامي

-
هل واجهت صعوبات كمبدع فيما يخص نشر الديوان , وكيف تغلبت عليها ؟

للأسف في بلدنا ليست هناك حركة للتوزيع والنشر ولا دور نشر تتبنى طباعة الكتب وتقوم بالتوزيع وبالتالي يستطيع يكون هناك عائد مالي لصالح المؤلف والناشر. حالنا كهذا العنوان الذي قرأته في إحدى الصحف "المؤلف ناشراً". الدار هنا تقوم بطبع الكتب مقابل مبلغ مالي. ومع ذلك تكتب حقوق الطبع محفوظة لا أدري على أي أساس. حاولت أن أقدم ديواني إلى الهيئة العامة للكتاب لكن كان الرد أوقفنا طبع كتب الشعر، وبالمناسبة حتى في هذا المكان يكون فيه الطبع بالوساطة. ثم توليت طبعه في وكالة سبأ للأنباء. وإلى الآن لم أبع منه سوى القليل.
-
قراءتك لواقع الرواية و الشعر اليمني , هل يشخّص واقعنا بالفعل ؟

مع قلة إنتاج الشعر والرواية، مع ذلك من أجمل ما قرأت في الفترة الأخيرة روايتي الشاعر علي المقري "اليهودي الحالي" " وطعم أسود رائحة سوداء" وهما روايتان مهمتان رغم ما تثيرهما من جدل. وما زال هناك شعراء يولدون كل يوم. بإمكاننا أن نستشهد بروايتي علي المقري في مايخص تشخيص الواقع أو الانطلاق منه في الكتابة.
-
غير الديوان , ماهو جديدك القادم ؟

لي ديوان تحت الطبع بعنوان "شجر لا يحدث له ظل" وأفكر في جمع ما كتبت في مدونتي ونشره في كتاب.



-
الصحافة في اليمن ما تأكل عيش ، تعليقك؟

من قال أن الصحافة لا تؤكل عيش، بل تؤكل هذه نظرة قديمة، الصحافة مهنة راقية دورها كبير ومهم في المجتمعات، هي لسان الناس والرقيب على ذوي السلطة والنفوذ حتى لا يفتكوا بالشعب. عين على الحقيقة. وإلا لما وجدت قسم الصحافة في كلية الأعلام يتزايد طلابه كل يوم.

-
مجلة أبواب بدات لتحتل الصدارة ، تميزت ، تصدرت المجلات رغم حداثة سنها ، اسباب وأد هذا المولود سريعا غير الامور المالية ؟

يا سيدي أبواب جزء من واقع صحفي لا يسر، كانت فكرة نبيل الصوفي أن يجعل منها مؤسسة صحفية. حاول أن يبدأ بعمل حقيقي لكن المعيقات انهالت علينا. في الوسط الصحفي دعني أقول لك هو وسط غير نشيط غير مثابر يعمل كلما واتته الظروف يتعاطي القات كثيراً، ويشغله ذلك عن أنتاج عمل حقيقي. يعدك الصحفي بالعمل خلال أسبوع ولا يفي حتى بعد شهرين. حتى المبتدئين منهم إلا من رحم ربي. كنا نعمل لإنتاج مادة نوعية لذلك العمل في المجلة يختلف تماما عن العمل في الصحافة اليمنية بشكل عام وهذا متعب للصحفيين الذي اعتاد بعضهم على عمل سريع هامشي. ثم إشكالية المعلن الذي يماطل. وإشكالية الطباعة فقد كنا نطبعها في دبي وهذا مكلف للغاية وهذا سبب عدم انتظامها في الصدور. وإشكاليات الدوام وعدم الالتزام. مشاكل كثيرة... لكن صدر منها 13 عددا واتفق الجميع على أنها أهم مجلة تصدر.

-
كيف كان شعورك كمدير تحرير للمجلة حينما أوقف العدد الأول منها في المطار واضطررتم لتغيير صورة الغلاف ؟

للعلم لم أبدا العمل مع أبواب من أول بل بعد صدرو ثلاثة أعداد وكنت في البداية محررا ثقافيا ثم عملت مديرا للتحرير. سمعت عن إيقافها. السلطة تخاف من الجديد ولذلك كانت صورة الرئيس كافية للشك في نواياها.

-الكلمات التالية ، ماذا تمثل لمحمد الشلفي :
الشعر: نافذة أتنفس من خلالها.
الصحافة: وطن.
الهندسة: طريق آخر للوصول
ابن اليمن: ذكرى المحاولة الأولى
النيل: إنسان بقلب كبير.

-
سؤالي الأخير " أمل تعيش عليه ولا تراه ينطفي ، وألم يؤرق منامك ، ما هما "

يقال الأيام الجميلة هي التي لم تأت بعد، لا ألم.

السبت، مايو 01، 2010

ورطة التلقين

حكاية صغيرة قبل قراءة هذه المقال في عمودي الأسبوع في ملحق فنون لصحيفة الجمهورية، بعد أن عملت رقيبا على نفسي وقمت بتغيير العنوان من ورطة التوجيه إلى ورطة التلقين قام الرقباء بتغيير العنوان إلى " هذا رأيي" ثم حذف جملة " المسرحية التي سبقت بكلمتي المسرحية الوطنية" أحيانا نكون بأمس الحاجة لرقباء علينا، ولا يجدي أن نكون رقباء على أنفسنا، إلى المقال بنصه القديم.


--------------------------------------------------------------------
يستطيع اتحاد شباب اليمن أن يفخر بالعمل الماضي 2008 الذي قدمته فرقة خليج عدن “عائلة دوت كوم” وكان من تأليف وإخراج عمرو جمال؛ فيما عليه أن يراجع قليلاً حساباته في اختيار الفرق المسرحية التي عليها أن تؤدي العروض التي يراها في المركز الثقافي لمدة أسبوع صباحا ًومساءً. ويصدق كلامي ما تناهى إلى مسمعي من أن رئيس اتحاد شباب اليمن كان غاضباً جداً من العمل الذي قدم الأسبوع الماضي على قاعة المركز الثقافي بصنعاء لمدة أسبوع بعروض صباحية ومسائية لعرض مسرحية سبق عنوانها المسرحية الوطنية “كرامة في ورطة”. ولأني لم أشاهد العرض مع إني حدثت نفسي كثيراً بذلك وانشغلت لكن دعوني أنقل أهم ماجاء في مقال كتبه أحمد الظامري، وأنا أركز على هذا الجزء لأننا بحاجة إلى أن نرى أنفسنا نتقدم سنة عن سنة دون تراجع.يقول في المقال “المسرحية عبارة عن جرعة وطنية للأسرة اليمنية ممزوجة بالنكتة أفصحت عن مواهب كثيرة في شخوص المسرحية وأبطالها وفي مقدمتهم ممثل شدني إليه ببساطة أداؤه وتلقائيته اسمه محمد الحبيشي لكن النص يحتاج لكثير من الملاحظات والتعديل. أولها إهداء بطل المسرحية كرامة في نهاية العمل لابنه بندقية بدل أن يهديه شيئاً يدعو للسلام والمحبة بين اليمنيين ناهيك عن الخلط بين العمل المسرحي والابرويت وهي ملاحظه همس بها في أذني عضو مجلس النواب د. عبد الباري دغيش”.لا يمكن أن يكتب هذا الكلام في مسرحية كـ “عائلة دوت كوم” فقد حمَّلها المخرج بكل ما هو وطني لكن بطريقته وليس بطريقة مباشرة وأتذكر أني كتبت حينها” تطرقت المسرحية في إطارها الكوميدي ، إلى قضايا وأفكار نقلها وعالجها المؤلف بطريقة تبدو عادية لكنها أكثر تأثيراً مما نعتقد. تحدث عن المعلِّم الفاسد / عن الوحدة باعتبارها حقاً يجب الحفاظ عليه “باعلِّم أولادي التمسك بالوحدة باعتبارها حق”/ عن فكرة التغيير التي لا تبدأ إلا من الداخل / عن الإعلام الفاسد «جيل هيفاء وهبي» /عن العجز وتداعياته التي تؤدي إلى إلقاء اللوم على الآخرين/ عن أهمية تقبُّل الآخر / عن تقاسم الأدوار بعيداً عن نفي الآخر / وعن أهمية حوار الآباء مع أبنائهم وفهمهم«لازم ندخل لعقول أبناءنا». وكل هذه الأفكار و القضايا، سُمِّيت بمسمياتها ووضعت في أماكنها الصحيحة، بعيداً عن تغيير المفاهيم والقيم الذي يحدث الآن في مجتمعنا اليمني”.يحسب لاتحاد شباب اليمن في العمل الأخير “كرامة في ورطة” مساحات الإعلانات التي حجزت للمسرحية في الصحف، وهذا يعني أن يتم إعلام أكبر قدر ممكن من الجمهور بالعرض ولفت الانتباه لفن المسرح. ثانياً: تقديم العروض بمقابل مادي فكان دخول المعرض بـ 100 ريال للطلاب و200 لغيرهم، كي يخرج اليمني من ثقافة المجانية التي لا تنتج إلا استسهالاً ولا مبالاة بما يقدم له. ولتجعله أكثر احتراماً للفنون والثقافة التي لا تقدم إلا مجانية وكأنها ترف زائد عن الحاجة. فنحن لسنا بحاجة لجمهور لا يعتبر الثقافة والفنون جزءاً لا يتجزأ من حياته. أخيراً، دعوني أصر على أن الفن طالما كان موجهاً بطريقة مباشرة سطحية فإنه يفقد قيمته، وأنا لا أعني هنا أني ضد أن يحمل الفن رسالة لكن بعيداً عن التلقين والتوجيه. يقول علماء البرمجة العصبية: إن العقل الباطن لا يقبل كلمة لا، فدائماً لتصل رسالتك لشخص ما، عليك ألا تنهاه عن السلوك السيء، بل أن تأمره بالجيد فمن الأفضل أن تقول لابنك: كن صادقاً على أن تقول له: لا تكذب لأن العقل الباطن لا يتعامل مع لا فيقبل الكلمة التي تأتي بعد لا، وبإمكانك القياس.






"عبد العزيز المقالح" بالحكمة يمكن إعادة ترتيب العالم

في الظروف القلقة المترجرجة والاستثنائية، وحينما يشتد الصراع في أوساط المجتمعات لسبب أو لآخر فلا سبيل للنجاة سوى اللجوء إلى الحكمة للاستئناس بما تقدمه من دروس قولية وعملية। وفي القرآن الكريم، وفي أحاديث الرسول، وفي بعض أقوال العلماء وحكمة الحكماء من الدروس الجليلة والتوجيهات الكريمة ما يجعل البشر -في حالة الالتزام والتطبيق- أقرب ما يكون إلى ملائكة الرحمن فلا يخطئون في حق أنفسهم أو في حق غيرهم، وإن كان الواقع بما وصل إليه من سوداوية ولا معقولية يثبت أن البشر في زحمة الحياة والانشغال بالأهواء المختلفة يتنصلون من كل قيمة أخلاقية وروحية، ويجعلهم ينسون أو يتناسون هذا الكم الهائل من الأمثولات الرائعة والرادعة، والتي يرجع بعضها إلى عصور قديمة ويشكل تجاهلها واحداً من أهم الأسباب في اتساع دائرة المفارقات المذهلة في عالمنا المعاصر. ولا مانع من أن نعود بالقارئ عشرات القرون لكي نستجلي أبعاد حكمة واحدة تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، وقبل الاقتراب من تلك الحكمة العميقة العريقة نتوقف قليلاً أمام تعبير لا يقل أهمية وحكمة وقد جاء على لسان سقراط الحكيم اليوناني الأشهر الذي اقتبس هو وتلاميذه -ومنهم صاحب الحكمة التي سنعود إليها- من نور الحكمة الإلهية ما فاض على البشرية بأبدع الكلمات. يقول سقراط في هذا المعنى: "الحكمة لله وحده وعلى الإنسان أن يجدّ ليعرف، وفي استطاعته أن يكون محباً للحكمة توّاقاً إلى المعرفة باحثاً عن الحقيقة" ولا يكفي من وجهة نظر الحكماء أن يعرف الإنسان الحكمة وأن يكون محباً لها وتواقاً إلى المعرفة بكل أشكالها وأبعادها ما لم يكن ملتزماً ومقتنعاً بتطبيق ما ورد فيها وما تضمنه جوهر كلماتها. ونأتي إلى الحكمة موضوع هذا الحديث وهي لأحد تلاميذ سقراط أو أنه تلميذ أحد تلاميذه أعني به أرسطو إذ تقول: "الإنسان السامي الأخلاق لا يحمل الضغينة لأن الروح العظيمة تنسى السيئات" لا يكفي أن نتأمل الجوهر الجميل في هذه الحكمة، ولا أن نقف لصاحبها إجلالاً وتقديراً وهو الذي سمّاه المفكرون العرب في عصر الازدهار بالمعلم الأول، بل علينا، وفي هذه الظروف من تاريخنا أن نتمثلها ونحولها إلى درس عملي يساعدنا على الخروج من دائرة الصراع المحموم القائم على اجترار الضغائن واسترجاع المواقف الخاطئة والمثيرة للجدل من ناحية ولمزيد من الأحقاد من ناحية ثانية. ولو قد أطلنا التأمل في هذه الحكمة لوجدنا أن التسامح هو جوهرها ونسيان السيئات عنوانها وهدفها، وأنها من أولى الدعوات الهادفة إلى نبذ التعصب وما يفرزه في المجتمعات من أحقاد وتمايز عرقي وطائفي ومن تبنٍّ لأفكار تذكي الصراعات الحادة لا بين الشعوب وبعضها وإنما داخل الشعوب نفسها وفي قلب مكوناتها الوطنية، وعلى مستوى العائلة الواحدة، وما ينتج عن ذلك الانحراف الأخلاقي والعقلي من تمزقات وتشظيات مجتمعية ومن ارتكاب للمجازر الرهيبة. في مقدور الحكمة إذاً، أن لا تعيد ترتيب الشعوب الصغيرة أو تعمل على إعادة الانسجام إلى الأمم المنقسمة فحسب وإنما في مقدورها أن تعيد ترتيب العالم وأن تجعل من أبنائه أسرة واحدة، كما استطاع العلم أن يجعل من الأرض قرية واحدة بفضل ما أنتجه من وسائل التوصيل والاتصال، وما يقدمه كل يوم من معجزات على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال.



الشاعر محمد الشلفي في "كتف مائلة"

"ألقى الليل عصاه، أنا لم ألق عصاي بعد" هكذا تبدأ القصيدة الأخيرة في ديوان الشاعر الشاب محمد الشلفي، والتي يحمل الديوان عنوانها المثير للتأمل والحزن معاً، وهي كبقية القصائد تسجل ميلاد شاعر حقيقي، تقوده موهبته العالية إلى حيث يتمنى الشعرُ أن يكون هادئاً ونابضاً بأقصى ما يستطيع الخيال أن يثب إليه تدهشني عناوين القصائد كدهشتي بالشعر نفسه، ومن تلك العناوين "أحلام لائقة"، "ظل للظل"، "جريدة مبتورة"... إلخ
تأملات شعرية:
سادتي، سيداتي

هلمّوا لنأخذ ما نشتهي

من كنوز الكلام

ومن جوهر الحكمة الخالدهْ.

لا نعيمَ لكم في الحياة

وبعد الممات إذا لم تكونوا جميعاً

على هَدفٍ واحدٍ

وعلى كِلْمةٍ واحدهْ.

الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح

بالحكمة يمكن إعادة ترتيب العالم




الاثنين، أبريل 19، 2010

نصرة الثقافة

يشير التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية الصادر مؤخراً عن مؤسسة الفكر العربي التي يرأسها خالد الفيصل إلى أن المسرح في اليمن "ما زال يستند إلى التراث وفكرة الفرجة والاحتفالية، من دون أن يجد الرابط الجذري بين هذه الاحتفالية والواقع الحالي. ويتركز المسرح في العاصمة صنعاء وفي مدينة عدن ويتراجع وجوده في الأطراف ويتوفر عدد قليل من القاعات المؤلهة للعروض المسرحية أم بالنسبة للتمويل فغالبا ما تتكفل وزارة الثقافة بهذا الجانب".
ما يلفت نظري في محتوى هذا الكلام أعلاه المختصر الوحيد الذي تقريبا ذكرت به اليمن فقط ضمن خمسة ملفات تضمنها التقرير من المعلوماتية، والصحافة الثقافية، مرورا بالتعليم العالي، وانتهاء بالإبداع وحصاد الفكر السنوي، هو ما ذكر في آخره من أن التمويل غالبا ما تتكفل وزارة الثقافة بهذا الجانب، والمعروف أن ميزانية وزير الثقافة أقل بكثير من وزارات غيرها، في حين هناك غياب شبه تام للقطاع الخاص وهو القطاع الاقتصادي الذي يعمل بقوانين اليوم، لكن رجال الاقتصاد عندنا لا يعيرون الثقافة والفنون أدنى اهتمام حتى تلك التجارب هنا وهناك تظل قاصرة ولا تصل إلى مستوى إحداث فعل ثقافي حقيقي يؤثر في مستويات الثقافة والفن في اليمن.
في فرنسا يوجد شيء يسمى «ظاهرة النصرة» والمقصود بها نصرة المشاريع الثقافية، ولا يُفترض بالقطاع الخاص ممارسة هذه النصرة إلا في إطار «الصالح العام» ودن مقابل مادي. ولا تقوم الشركة باستغلال دعمها للثقافة من أجل الترويج دعائيا لها إلا بما يوحي بالتذكير فقط الذي لا يكاد يتعدى إطاراً مربعاً يُعلق على جدار المتحف أو ربما ذكر شعار الشركة المساهمة في التمويل على بطاقات الدعوة.
في الولايات المتحدة أصبحت ظاهرة دعم القطاع الخاص للثقافة والفنون تقليدا عريقا يمارس منذ عقود طويلة، وحتى على المستوى الأوروبي، وتأتي بعدها الدول الأكثر لجوءاً لنصرة الثقافة كألمانيا، بريطانيا وإيطاليا.
بالطبع، لا تقتصر ظاهرة النصرة على دعم الثقافة والفنون فقط لكن تمتد لدعم المشاريع الاجتماعية التنموية، وهي ما يمكن أن نسميها بالمسئولية الاجتماعية للشركات. تأتي مجموعة هائل سعيد في مقدمة هذه الشركات، أما في مجال الثقافة ورغم أن لديها مؤسسة السعيد الثقافية في مدينة تعز إلا أن دعمها لا يتعدى نمطية الفعاليات والندوات المحصورة، ولا تصل إلى إحداث حراك ثقافي حقيقي كجزء من مسئولياتها تجاه المجتمع. بينما لا تقوم الشركات الأخرى بأي دور مقارنة بمجموعة السعيد.
لكن ماذا لو قامت الدولة بتخفيض الضرائب للشركات التي تدعم الثقافة لتشجيعها على نصرة الثقافة؟ فما يحدث في دولة كفرنسا التي يوجد بها أكثر من 6500 شركة تساهم اليوم بفرنسا في إطار عمليات نصرة ورعاية مختلفة، ينص قانون 1 أغسطس (آب) 2003 بحسب تحقيق نشر في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان "شارك في صناعة الثقافة الفرنسية" على منح الشركات المساهمة حسماً على الضرائب يقدر بـ %60 وقد يصل إلى %90، حين يتعلق الأمر بدعم الدولة في الحصول على قطعة من التراث المهم. وهو ما شجّع الكثير من المؤسسات على خوض تجربة النصرة. ويأتي قطاع البنوك والتأمين كأكثر القطاعات مساهمة. وقد كانت شركة «أكسا» للتأمين الأولى على رأس القائمة سنة 2007، بمساهمة مادية بلغت 27 مليون يورو، استحقت بها «أوسكار النصرة» الذي تمنحه جمعية «أكميدال» لتشجيع نصرة الشركات الفرنسية.
أقول: إذ تعجز الدولة عن دعم الثقافة عليها أن تشرك القطاع الخاص في ذلك ولدينا عشرات الشركات الخاصة، لا أحد يفكر بالثقافة والفنون وفي دعمها كما أنهم لا يفكرون في مسئولياتهم الاجتماعية تجاه مجتمعاتهم، لكن ربما يفكرون إذا ما قررت الدولة إشراكهم وللدولة طرقها في ذلك.

السبت، مارس 27، 2010

الكتابة



جالس في الغرفة وحدي، ثمة نار هادئة تشتعل في أذني اليسرى من الخارج، وهذا الاشتعال يعني أنني محرج. هل بالإمكان أن أقول: إنني محرج من نفسي مثلاً، عموماً كنت قد أتممت كتابة مقال وعند آخر جملة منه “أما الحظ فلا يقف إلا على جانب أؤلئك الأكثر استعداداً، أشتعلت أذني مباشرة ربما وجهت لنفسي سؤالاً دون أن أدري ، قد أكون فكرت في كيف يمكن أن تنصح الآخرين وأنت لست كذلك لكن صدقوني أنا أعتبر نفسي مستعداً حتى وأنا لا أراه واضحاً بجانبي ، قد اعد بعض ما يحدث لي حظـا لكنه لم يأتِ صدفة على كل حال.مازالت أذني تشتعل، أما ماالذي يمكن أن أضيفه فهو أن البكتيريا في معدتي استيقظت للتو ومع هذا الكائن الغريب تفضل الانبطاح على مكان بارد فكأن أحداً يتسلق فيها وبيده مخرز، القلق قد يؤدي إلى آلام المعدة ، الغضب ، العصبية ، ثم الجوع، وأنا ما أكثر ما أصبت بهذه الأعراض فكل ما حولي يؤدي إليها ، ومنها الوحدة التي ومؤخراً أصبح لدي خبرة كافية للتعامل معها وترويضها.بدأت بالكتابة ، كم أحبها هكذا ببساطة حتى وأنا أعاني منها حين لا أراها جميلة ، قليلاً جداً ما جعلتني أشك في ذاتي هي حريصة على ألا تجعلني أشك فيها لطالما منحتني الثقة فقد وهبتني ان أتحول إلى أي شيء أريده، أقول لكم صدقوني لا يعجزني أن أتحول إلى أي شيء في الكون لا أو د أن أكون حجراً لكني قد أكون، أود أن أكون أشياء لها استخدامات عديدة كشجرة تتوالد مثلاً، قد أتحول إلى نار أو إلى ورق أو إلى خشب إلى باب أو إلى بيت صغير أستطيع أن أتحول إلى حطب. أشعر بدوار خفيف مثل هذا أسبابه معروفة في مثل هذا الوقت أنت تكتب لتغيب أصوات السيارات في الشارع وأصوات مطارق السمكري اللامنقطعة في الجوار . تقوم بعصف شيء ما في ذاكرتك ثم تعود إلى اللحظة وتكرر ذلك كل مرة، ثمة دائرة أنت تسير وفقها لتنتج كل هذا.في حضرتها لا تشعر أنها قد تخونك، فما لا تود أن يراه الآخرون منها سببه معروف أيضاً لقد خانك الزمن والمكان لقد أخطأت في التودد إليها ، لم تكن ناضجة حين قطفتها، ما يعتمل بداخلك حولها أو لحظة أجبرتها على المجيء لا يجعلها تتركك وتمضي. إنتاجك متعلق بمستواك لن يكون اللوم عليها حينها، بدأت تهدأ البكتيريا في معدتي وأذني تعود لدرجة حرارتها الطبيعية، حين قلت: بدأت بالكتابة، لم أكن أعني أنني سأنتهي بغيرها فالكتابة هي الوحدة والأنس في آن واحد وهو ما لا يشعرني بالوحشة. <<<أكتب كي أفجر الأشياء، والكتابة انفجار أكتب كي ينتصر الضوء على العتمة والقصيدة انتصار أكتب كيف تقرأني سنابل القمح وكي تقرأني الأشجار كي تفهمني الوردة، والنجمة، والعصفور والقطة، والأسماك، والأصداف، والمحار نزار قباني

ربما يكون 2010 عاماً للمسرح اليمني


استحق 2008 أن يكون عاماً للرواية اليمنية، والاستحقاق هنا يقاس على حال الرواية اليمنية منذ البدايات.. فقد صدرت قبل عامين 7 روايات، ورشحت رواية منها إلى جائزة عربية وإن لم تمنح. هل يكون 2010 هو عام المسرح ؟ ربما ! لأن الظروف تتوافر مبدئياً لأن يكون العام كذلك ونحن نأخذ التجربة هنا بشكل عام. يبدو واضحاً من متابعة سريعة للنشاط المسرحي منذ عامين وهذا العام بالتحديد ففيما كان مسرح الأربعاء يقدم مسرحيات عادية للغاية، أصبح هذا العام يقدم مسرحيات جيدة إلى حد ما رغم أنه لم يتجاوز فكرة العرض ليوم واحد فقط. فقد تم عرض مسرحيتي “عيال مجانين” و “عائلة محترمة جداً” لفرقة الأمل المسرحية والأخيرة عرضت أيضاً بعد ذلك في عدن. وكلتا المسرحيتين من المسرحيات الجيدة برأيي الشخصي، والفرق التي تؤديها بحاجة إلى رعاية منا فهم يعملون دون دعم من أحد.منذ أسبوع تقريباً عرضت مؤسسة شركاء للتنمية مسرحيتين قصيرتين ضمن “مسرح الأربعاء” برعاية السفارة الأمريكية هما “طيور غادرتها الأجنحة” والمسرحية الصامتة الأخرى “أين أنت الآن” والأخيرة ربما تكون أول مسرحية صامتة تعرض في اليمن إذا لم أكن مخطئاً. كان العرضان مؤثرين رغم حرص الرعاة للعروض على تحميله رسائل مباشرة، والتوجيه للفن فكرة غير موفقة سواء من جهة داخلية أم خارجية فهذا يعني أن نجعل الفن ك “طيور غادرتها الأجنحة” لا تستطيع أن تحلّق بحرية.أيضا ما قد يجعل هذا العام هو عام المسرح إذا عدنا إلى بدايته وهي مسرحية “معكـ نازل” وهي المسرحية المقتبسة من المسرحية الألمانية “خط رقم 1” برعاية البيت الألماني وقد عرضت خارج “مسرح الأربعاء”الفرق بين الرعاية الألمانية والأمريكية أن الأولى لم توجه. لقد عرضت المسرحية لمدة 10 أيام على مسرح المركز الثقافي الألماني وكان الحضور لافتاً كما تم عرضها على قاعة سينما هيركين في عدن لمدة 15 يوماً ولاقت نجاحاً أكبر، كما أن المشاركين في المسرحية كانوا من الفنانين الكبار أمثال هدى حسين وهذا ما يحسب لمخرج المسرحية رئيس فرقة خليج عدن الشاب “عمرو جمال” أنه يستطيع أن يصل الشباب بالقدامى في المسرح. كما أن المسرحية عرضت لأكثر من مرة على قناة السعيدة ولاقت ذات النجاح. هذا العام ستتوجه فرقة خليج عدن إلى ألمانيا بداية يونيو القادم لعرضها في ألمانيا بدعوة من مسرح جريس الألماني والبيت الثقافي الألماني باليمن. وتكون بذلك أول فرقة مسرحية يمنية تعرض أعمالها في دولة أوربية وقد جاءت دعوة فرقة خليج عدن بعد نجاحها ومطابقتها للموصفات الفنية لهذا العمل.يبشر الاحتفال باليوم العالمي للمسرح الذي يصادف 27 من هذا الشهر مارس خلال الفترة من 27 مارس إلى 2 ابريل القادم بخير، في صنعاء وفي عدن حين تعلن وزارة الثقافة هذا العام أن الوزارة ستحاول التنقل في محافظات الجمهورية لعرض هذه الأعمال. كما ستعرض مسرحية ” خارج السرب” للكاتب السوري الكبير محمد الماغوط، والتي يخرجها المخرج هائل الصلوي. . وتحتفي عدن على طريقتها باليوم العالمي للمسرح فتم تدشين أول مهرجان للمسرح الشعبي كما تعرض فرق خاصة مسرحيات وتستعد أخرى، فيجري طاقم مسرحي من إدارة أمن عدن بروفات خاصة للعمل المسرحي “الهوية وخالة صفية” تمهيداً لعرضه أواخر مارس الجاري. وستشارك في العروض 6 فرق مسرحية بأعمال مختلفة. وتقدم في المهرجان مسرحية “كنا وكيف صرنا” لفرقة كلية الهندسة و”شغلني بالغصب” لفرقة كوميدي أستار و”أريد أن اقتل” لفرقة مصافي عدن و”أنا وأخي ومرة أبي” لفرقة فنون عدن و”وحدتنا” لفرقة نجوم اليمن السعيد و”عمل في الشارع” لفرقة خليج عدن .. كما تحتضن خشبة مسرح سينما هيركن بكريتر في غضون ذلك العمل المسرحي “الكوابيس” لفرقة اليمن الحديث من تأليف الكاتب والمخرج المسرحي صابر علي يافعي والذي من المقرر أن يستمر عرضه لمدة أسبوع. . مالا يعني أنه سيكون عام المسرح -لأن النشاط أو النتاج المسرحي هو الذي يعني ذلك لا التكريم- هو ما سيتخلل هذه الفعاليات من تكريم لمسرحيين لكن علينا أن نحسن الظن بهذا التكريم فربما لا يحدث ما حدث العام الماضي من وعود بالتكريم بمبالغ ما ووصل المسرحيون وقد نقصت تلك المبالغ إلى الربع.. مازلنا في الشوط الأول من العام، من الصعب أن نؤكد أن العام هو عام المسرح تبقى 9 أشهر فهل ستلوح النهاية في الشوط الثاني بعد الاحتفال بيوم المسرح العالمي. أم أن وزارة الثقافة قادرة على إثبات أنها أكثر لياقة لتكمل ما تفعل من نشاط ورعاية عندها ربما يكون 2010 عاماً للمسرح اليمني !

السبت، مارس 20، 2010

التي تأكل الجو


لدى الإنسان نزوع نحو أن يكون فاعلاً في محيطه وطالما لم يجد اهتمامه سيقوم بتكييف نفسه في اتجاه يضمن له أن يكون شخصاً نافعاً، وهذا ما يحدث لدينا، أكلت السياسة الجو كما يقال، فأصبحت المجال الوحيد الذي يمكن للجميع فيه أن يقول رأيه وهي المجال الوحيد الذي تسخر له الصحف والمنابر الإعلامية ويتم الاهتمام بها أكثر من اللازم وفي المقابل يغيب، الأدب، والفن، والعلم. أصبح الناس في الجهات المقابلة للسياسة شبه عاطلين، لذا لا غرابة أن يتجهوا إلى المكان الخطأ.صفحات السياسة هي الصحف أجمعها ولا يستخدم الثقافة والأدب والفن إلا كإسقاط واجب أو كمسكنات لا أكثر، وبالتالي لا يوجد هناك وعي بأهمية وجودهما بقسط إلى جانب المجالات الأخرى؛ ليعرف كل شخص منا الدور الصحيح الذي يجب أن يقوم به في حياته، الأديب في أدبه، والفنان في فنه والعالم في علمه، والمفكر في فكره. سيصبح الناس في فسحة وعندها سيكون لديهم ما يخشون فقدانه. لا أدري لماذا تكسب السياسة أصدقاءً جدداً كل يوم ؟ وكان يفترض أن يكونوا محايدين في النظر إليها، فيما يخسر الفن والأدب أهله وأصدقاءه لنستيقظ فنرى الجميع قد توجهوا كلهم إليها ليشعروا بوجودهم. لقد أصبح الأديب يكتب في السياسة وهو يتمنى أن يكتب في الأدب كما يتمنى أن ينتج الفنان فناً والعالم علماً، لا سياسة. لكن أين يجد الوسائل التي تهتم به وبما ينتجه، وأصبح لدى الصحفيين في كتاباتهم نزوعاً نحو الأدب ربما لئلا يشعروا بالفراغ الذي يتركه عدم الاهتمام بالأدب والفن. كيف يمكن ألا نتداوى بعد كل نازلة تنزل بنا على طريقة امرئ القيس قائلاً: “وما أنشد الأشعار إلا تداويا” وكيف للغناء ألا يكون حياة الروح على طريقة أم كلثوم. وكيف لنا أن نصنع شعباً مثقفاً دون أن نهتم بالمسرح والفنون الأخرى فتكون النجدة على طريقة الفرنسية أريان نوشكين:
(النجدة)
‏ أيها المسرح أنقذني!
أنا نائمة فأيقظني
أنا تائهة في الظلمة أرشدني، ولو إلى شمعة
أنا كسولة دعني أشعر بالخجل
أنا متعبة..خذ بيدي
أنا تافهة اضربني
ما أزال تافهة حطم لي وجهي
أنا خائفة شجعني
أنا جاهلة علّمني
أنا متوحشة اجعل مني إنساناً
أنا مدعية اقتلني ضحكاً
أنا لئيمة أربكني
أنا حمقاء غيرني
أنا شريرة أنزل بي عقابك
أنا متسلطة وقاسية حاربني
أنا متحذلقة اسخر مني
أنا مبتذلة دعني أسمو
أنا خرساء حل عقدة لساني
لم أعد أحلم انعتني بالجبن والغباء
أنا ناسية أعد إليّ ذاكرتي
أشعر أني هرمة وبالية أيقظ الطفل الذي بداخلي
أنا مثقلة هبني الموسيقى
أنا حزينة اذهب واجلب لي الفرح
أنا صماء، دع الألم يزمجر كالعاصفة
أنا مضطربة أظهر الحكمة
أنا ضعيفة أجج الصداقة
أنا عمياء أضئ كل المصابيح
أنا خاضعة للقبح هبني الجمال الآسر
استعبدتني الكراهية أعطني بأمرك، كل قوى الحب.
تساعد الثقافة: أدباً وفناً وعلماً على تجاوز الأزمات وعلى حلها وتخفف أيضا من اتجاه الناس إلى كفة واحدة. فيما يفترض أن يكونوا موزعين بشكل عادل. ويتيح الاهتمام بالثقافة والفن والعلم لفئة صامتة تماماً -لا ترى الزمان مناسباً- لتعبر وتلون المكان بألوان شتى، تكون السياسة فيه شيئاً لا كل شيء. فمتى ننتبه ؟

صحيفة الجمهورية

الأحد، مارس 07، 2010

معك نازل

في مسرحيته الأخيرة يثبت المخرج والمؤلف الشاب أنه أجدر من يعبر عن جيله من الشباب ومن هذه النقطة ينطلق في مسرحيته الأولى عائلة دوت كوم. كان جيل الكمبيوتر هو محور قضيته في المسرحية ليتحدث عن الفجوة القائمة بين جيلين هم أبناء تربوا في عصر السرعة، والعالم المنكمش. وآباء أكثر حكمة وتمسكاً بقناعات تربوا عليها. ورغم رابطة الدم إلا أن اختلافات كثيرة تميزهم. ثم يبحث المؤلف عن نقاط اتفاق يفترض أن نتعامل جميعاً على أساسها ففي حال دققنا سنرى أن تلك النقاط هي الأكثر في حياتنا. في “بشرى سارا” وهي مسرحية أخرى ضمن أعماله الخمسة التي بدأ أولها في 2005 يحضر الشباب بمشاكله التي تحيط به، بالقيم التي يحملها سواء عن قناعة أم في تلك التي يفرضها الواقع وتبدو كقناعة: فقد يكون الأمل هو القناعة لكن اليأس يبدو أحياناً لنا كقناعة يفرضها الواقع، وفي مسرحيات عمرو جمال بشكل عام ينتصر الأمل الذي طالما أتى من عقر دار اليأس ليجسد رؤية جيل بكامله وليجسد أيضاً مقصد الفنون خاصة فن المسرح.وتأتي مسرحيته “حلا حلا يستاهل” و “سيدتي الجميلة” المقتبسة عن المسرحية المصرية من بطولة فؤاد المهندس وشويكار في ذات السياق.

في مسرحيته الأخيرة 2009 “معك نازل” -وهي أيضاً مقتبسة عن مسرحية ألمانية- والتي عرضت نهاية العام لـ 10 أيام في المركز الثقافي بصنعاء ولـ 15 يوماً في عدن على سينما هيريكن ولا قت نجاحاً لا فتاً كما هو الحال حين عرضت على قناة السعيدة لمرتين، في هذه المسرحية يظهر صادقاً كما قلت وهو يعبر عن جيله ، ويتجلى الصدق في عمرو وهو يجعل المدينة التي ضمته صغيراً، وضمت حلمه في المسرح شاباً المكان الذي ينطلق منه منحازاً لمسرح الواقع ،ورغم أن المكان الذي يسميه في بداية المسرحية بأغنية استعراضية “صباح الخير ياعدن” إلا أنه ينقل حدثاً قد لا يختلف إلا في الظاهر، فالقصص والحكايات التي تحدث أو ستحدث هنا قد نرى مثلها في كل مكان:موقف باصات سيمر به الجميع كباراً وصغاراً وسيستقل الناس سياراته، وفي تلك المساحة الصغيرة مساحة الموقف قد تحدث قصة حب تنتهي بالأبد، وقد يلتقي الشتيتان ليفترقان مجدداً، وتحمل المسرحية إشارات ذكية تمثل رسالة يؤمن بها المؤلف فيما يخص الفن فهو يسمى شارع الأمل وكافتيريا السعادة ويكرر في أكثر من مشهد “الحياة محطات والشاطر هو من يختار المحطة الصحيحة ليقول: “معك نازل” بالطبع لا يمكن في هذه المساحة الصغيرة أن يتحدث المرء عن مسرحية مهمة كهذه فلي عودة أكبر مساحة وأكثر عمقاً لأقول: مثل هذا الإبداع نريد وفي محطة مثل هؤلاء المبدعين “معك نازل”.


الاثنين، فبراير 01، 2010

يال عدن





المصدر أون لاين

أدهشت بيكين العالم في 8 أغسطس 2008 وهي تقدم لوحة فارهة في افتتاح "أولمبياد بكين" فالشعب الذي صنع حالة سلم لنفسه من خلال تعريف الآخر بقدرته على المواجهة، أبدع افتتاحية فنية طار بشعلتها لا عب كمن يقول : باستطاعتك التحليق في السماء كالطيور إن أنت آمنت بنفسك. لم تكتف الصين بغزو العالم بصناعاتها التي دخلت كل بيت في الأرض فقد أصبح الكتاب الصيني هو الأعلى مبيعا عالميا وأكثر الكتب ترجمة للغات الأخرى. يحرص القادرون على إعمار الأرض بمعاني التنمية على بناء الإنسان وإحياء النفس أما صناعة الحرب فهي الوسيلة الأسهل للبقاء.

ثمة مدن تملك القدرة على الإبهار وإذا كان ثمة مدينة يمنية قادرة على ذلك. كمهمة صعبة لا يجيدها سوى المتجاوزين. فهي مدينة عدن الساحرة الهادئة التي تحتفظ بإرث لم ينضب حتى اليوم. فالمدينة التي مثلت ذات يوم قبلة للطامعين وصناع الموت مثلت قبلة للعمال والحالمين والبسطاء والمحرومين، والمدينة التي استوعبت الطغاة والمتمترسين استوعبت أيضا الثائرين والمحبين وكما استوعبت الأدعياء والمرتزقة فقد استوعبت المخلصين والشهام. اتسعت لكل هؤلاء لتقول لنا أن المدن العظيمة هي التي يوجد كل شيء فيها بقسط.

وبرغم ما مرت به إلا أنها لم تتخل عن وجهها الجميل وروحها المتوهجة، ومازالت تملك نواة لحالة سلم بإمكانها الوصول إلى كل جزء يجاورها. ففي عدن تأسست أول دور عرض للسينما في الجزيرة العربية كانت تضاهي تلك التي في أوربا، وفيها أهم موانئ العالم وفيها كانت "التواهي" أهم منطقة اقتصادية في الشرق الأوسط وفيها أسست أول شركة إنتاج للاسطوانات في الجزيرة العربية. وفيها أنشئ أول المسارح العربية وبها أبدع فن غنائي أصبح منبعا لمحيط أبعد منها، كل هذا التاريخ قد لا يتطلب جهودا كبيرة لإحيائه بل هي فقط عملية إزالة للغبار لا أكثر.
حالة حاضرة اليوم -استدعت كل هذا- قادمة من هناك تتمثل بالفرق المسرحية التي تمتلئ بها عدن. فمنذ ثلاثة أعوام عرفتنا عدن على فرق مسرحية تتعامل مع المسرح باعتباره فنا يصنع الشعوب ويسمو بها. هذه المدينة طالما كانت ولادة بالفن والإبداع والجمال تقدم اليوم رغم الظروف نواة جيدة لمسرح ولمسرحيين جدد يحبون المسرح يقدمونه بدون خوف أو حياء على عكس ما تعودنا عليه في صنعاء وتعز من مسرح لا ينقل الحياة التي هي مزيج من شرائح مختلفة بل ينقل جزءا منها. وهنا دعوة لمشاهدة مسرحية "عائلة دوت كوم" ومسرحية "بشرا سارا" ومسرحية "حلا حلا يستاهل "للمخرج والمؤلف مدير فرقة خليج عدن عمرو جمال ومسرحيته الأخيرة "معاك نازل"، ومسرحية "عائلة محترمة جدا" لفرقة عدن. وكلها مسرحيات قدمها شباب أثر فيهم إرث قديم طمر بفعل الزمن. وهي دعوة أيضا لترك المدينة تقدم نفسها بطريقتها المعتادة بدون عقبات ليزدهر كل ما هو قريب من الروح، وليعم السلام الأرض.

الأحد، يناير 24، 2010

بمناسبة الولاء الوطني


بمناسبة الولاء الوطني

منذ أسبوع تقريبا قصدت وزارة الشباب والرياضة لأبيعها نسخاً من ديواني الصادر مؤخراً "كتف مائلة" رغم استصعابي لمسألة أن تذهب لتبيع كتبك في وزارات سمعتها تفوح بالروتين وبأشياء أخرى، لكن من باب هذه حقوقنا وقناعة لا شيء يعيدنا إلى الوراء سوى الحياء؛ قررت أن أجرب بنفسي فحكومتنا الرشيدة لا تهتم بالكتاب: بنشره وتوزيعه لكنها على الأقل تشجع الكتَّاب لوجه الإبداع لا لشيء آخر وليس علي أن أصدق الإشاعات. وقفت أمام المسئول الجديد في غاية الإحراج وقدمت له الديوان فنفض أوراقه بسرعة وقرأ الورقة المرفقة به المذيلة بـ "كما هو متبع لدى وزارتنا". فيما موظف آخر إلى جواره يقول لقد أوقف الوزير شراء أي كتاب. ويقول المسئول بفتور نريد أن نعرف هل سيرسخ كتابك الولاء الوطني أم لا.. سيتم عرضه على اللجنة، وعزز الموظف بجواره ثقتي بعدم جدوى تجريب المجرب حيث ذكر لي إنهم ارتكبوا خطأ فادحاً ذات مرة حين اشتروا كتبا لأحد الشعراء يذكر فيه الخبز بطريقة تفوح بالمعارضة(على اعتبار أن المعارضة جريمة وأصحابها من دولة شقيقة). كان كتابي عبارة عن مجموعة شعرية أعتقد أنا الفقير إلى الله حاولت أن أقدم فيها جديداً. وبهذه الطريقة نسي المسئول أن يسأل نفسه كيف سيصبح ولائي الوطني بعد هذا اللقاء وهو يتعامل مع الإبداع على مقاس معين في رأسه وتقوم لجنة آخر مرة قرأت الشعر في المرحلة الإعدادية بتقييمه. بمناسبة الولاء الوطني الذي أصبح موضة هذه الأيام حيث أصبح جل من في الحكومة( بقصد حكومي أو غير حكومي) ينظِِّرون له ويتحدثون عن أهميته ! فقد استشعروا فجأة خطر اهتزاز الولاء الوطني لدى الشباب مما جعلهم يقررون تثبيته بابتكارات ووصفات سحرية. فعلى طريقة وزارة الشباب والرياضة أشار أحد كتاب صحيفة الجمهورية أن الوزارة قامت بطباعة كراسات وزعت في المراكز الصيفية الشبابية التي رعتها الوزارة الصيف الماضي هدفها ترسيخ الولاء الوطني بينما أهداف الثورة التي طبعت عليها ينقصها هدف، وهي وصفة تثير تساؤلاً عن قدرتها في رفع نسبة الولاء الوطني في الدم أو في الجيب. بطريقة ثانية، مؤخراً تم إشهار الهيئة الوطنية للتوعية "غير الحكومية"، التي لمسنا أثرها بما نشرته من لوحات ملونة في الشوارع كتب عليها ما يفيد: الوحدة عزنا الولاء للوطن الوحدة نجاة الوحدة أو الموت الإرهاب لا دين له، الوطن في قلوبنا، لا للكهنوت والرجعية نعم للجمهورية. وهكذا أصبح المواطن على قدر كبير من الوعي ويستشعر المسئولون الحكوميون العاملين في منظمة غير حكومية؛ بأنهم فعلوا ما عليهم والباقي على الله !

وصفة ثالثة ترعاها وزارة التربية والتعليم لزرع الولاء الوطني لدى النشء وهي فكرة لا يمكن التقليل من أهميتها، بل نتمنى أن تدار بطريقة مختلفة فصباحاً الساعة 7:30 نستيقظ على إذاعة مدرسية تبثها مباشرة إذاعة صنعاء من إحدى المدارس في المحافظات، وهي مليئة بالولاء الوطني تشعر معها أن الطلاب الصغار الذين يقدمون كلمة الإذاعة يرددون مفاهيم أكبر منهم: التمرد، التخريب، والرمز، والحاقدون، والمرجفون. وهي كلمات يكتبها لها مدرسيهم. تثير الحقد والكراهية لا أكثر. بينما يعود الطالب إلى الفصل بكتب ناقصة وقد لا يجد مدرسين وأرضية المدرسة متسخة والفصول مزدحمة. وهنا كيف يمكن زرع الولاء الوطني في هؤلاء النشء.. ونحن لا نعلمهم كيف يعبرون عن ذواتهم دون تدخل فج منا. كيف يمكن أزرع فيه الولاء الوطني وهو لا يجد ماء نظيفا في المدرسة ولا حمام ولا وسائل تعليمية. وهو لا يغني ولا يرسم. عليه أن يشعر أولا بأنه حقق في وطنه ذاته التي يشاء حيث يجدها في كل ما حوله وبدون تلقين. كيف يمكن للمواطن البسيط الذي لا يحب البيتزا ولا يفهم معنى موفمبيك ولا يعرف من مطعم الشيباني عدا اسمه، أن يترسخ ولاءه وهو يحيى وكل ما حوله يوحي أنه في مزبلة ابتداء من الشارع المليء بالأوساخ إلى المطعم المليء بالصراصير إلى وسائل المواصلات التي ليست سوى شبه مواصلات إلى أماكن الترفيه الشحيحة كالحدائق أو محلات الإنترنت وغيرها مع هذا يدفع مقابل تلك الخدمات المتسخة. أما المسئولون ومنهم وزارة الصحة فيرسلون موظفيهم لا للرقابة والتفتيش بل للعودة بحق القات. كيف يمكن للمواطن أن يؤمن بالوطن وهو يعرف أن أصحاب المخابز يسرقون من قوته بدون عقاب. كيف له أن يحب الوطن وهو يعرف أنه إذا ذهب إلى القضاء ستطلع روحه قبل أن يفصل في القضية وإذا ذهب إلى قسم الشرطة ستطلع عينه ويدفع حق بن هادي وينتهي الوضع بأن التنازل عن الحقوق أهون من الذهاب إلى الحكومة والاستغاثة بها. كيف يمكن للمواطن أن يحب بلده وهو يذهب إلى المستشفيات الحكومية وهي بدون أجهزة ولا أدوات طبية والخاصة وهي تدار بطريقة تجارية تمص دمه، وقد يعود في الحالتين بعاهة أو حالة موت فلا يقف بجواره لا طبيب ولا دولة بل بالعكس لا يقف الأطباء إلا إلى جوار زملائهم أما المواطن المسكين فهو خطأ طبي وارد. كيف لولائه أن يثبت أمام عواصف السياسيين التي تهب كل وقت فبينما هو يموت بحمى الضنك ووزير الإعلام يقول: مزايدات سياسية. كيف للمواطن أن يحب وطنه وكل ما حوله يقول له هذا الوطن ليس لك. ما نحن بحاجة إليه وبشكل ملح هو هيئات توعية للحكومة لا للشعب. فياسادة لنرسخ الولاء الوطني علينا أن نوفر لقمة نظيفة لهذا المواطن وقضاء نزيهاً، وبلدا أنيقا آمناً. عندها سيترسخ الولاء الوطني دون إنشاء هيئات أو لجان للتوعية فلطالما كانت تلك اللجان والهيئات عاملاً لهدم وقلع الولاء الوطني لا لبنائه وغرسه وترسيخه وجميعنا يعرف كيف.

من الديوان: شارع التحرير
مواعيد أخرى نتنبأ بها كلما خاتلتنا
قبل الليل بقليل أحاول أن أستسقي لما يتكدس باتجاهنا ؛
حتى لا تخوننا وصايا أمهاتنا اللامتناهية
وأرتب الزوايا المثلومة كل نهار
- المدينة لم تعد تجدي-
يتكاثر الناس من رحمها ،
والحكومة تتهجانا ، باللامبالاة ،
وتحشر قيئها في أحلامنا.

الثلاثاء، يناير 19، 2010

طه الجند

إن ضاق الحال

إن ضاق الحال
قلنا يارب عليك
من للخائف والمحتاج
النبتة بين الأشجار
الأم إذا طلقها الزوج
الهارب من بطش آخيه
الطائر في رحلته
الريح وراء التل
الماء الواقف في البرد
المتهيب خطوته الأولى
المخبت في ليل من دون غطاء
الضوء الخافت
الباب العالي للقلب
الطامع خلف الأسوار
العالق في القاع
إن ضاق الحال
قلنا يارب عليك
من للمقطوعين سواك

الثلاثاء، يناير 12، 2010

كتف مائلة بين النثر والتفعيلة


أحمد الطرس العرامي
تختلف كل من قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة، في الرؤيا الشعرية والفلسفية التي ترتكز عليها، بالإضافة إلى تقنيات الكتابة، وطبيعة التشكيل اللغوي، والإيقاعي، ومقومات البناء الفني، والاشتغال الرمزي، والتعامل الإبداعي مع اللغة كأداة أساسية يشتغل عليها الشعر، ويدور في فضاءاتها ويتخذ منها مادته الأصلية في الفعل الإبداعي، بحيث تتجلى كلٌّ منهما بطابعها الخاص ومقوماتها الفنية والرؤيوية الخاصة.

وتتنوع نصوص المجموعة الشعرية التي بين أيدينا(كتف مائلة) لمحمد الشلفي، بين كلٍّ من قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة، وإن كنا لا ننكر على قارئ ما أن يلحق نصوص هذه المجموعة بقصيدة النثر، إذ أن ما يميز هذه المجموعة أن الطابع العام الذي تسير فيه نصوصها يكاد يكون واحداً، سواءً من حيث اللغة، أو الأسلوب الشعري إن جاز لنا التعبير، رغم تنوع النصوص بين النثر والتفعيلة، إلا أن الناص استطاع أن يخلق لغة خاصةً به في اشتغالاته الشعرية، لغةً ذات نكهةٍ خاصةٍ سكبها في فضاءات نصوصه الشعرية، هذه اللغة أقرب إلى قصيدة النثر منها إلى قصيدة التفعيلة.

فحين كتب الشاعر نصوصه متخذاً من قصيدة النثر وسيلته في الكتابة والتعبير، فقد حاول أن يكتبها بشروطها وتقنياتها الخاصة، كفن شعري جديد في الرؤيا والفن، بل إنه وهو يكتب قصيدة التفعيلة قد حاول أن يكسبها خصائص قصيدة النثر، ويجترح لهذه القصيدة الملتزمة إيقاعياً (قد نستخدم الإيقاع هنا بمعنى الوزن) مصوغات وجودٍ أخرى من عوالم قصيدة النثر بتقنياتها الجديدة، ورؤياها الإبداعية المختلفة.

ولعل من أهم المرتكزات التي اعتمدها الشاعر في هذا الصدد وتجلت في نصوص هذه المجموعة الشعرية، هي خفوت الإيقاع الذي إن كان نابعاً من طبيعة النص نفسه بالنسبة لقصيدة النثر، باعتبار نسف التفعيلة أو الوزن الخليلي، هو أول شروط قصيدة النثر أو يمعنى آخر أسسها، ومصوغات وجودها، أقول إذا كان الأمر كذلك فإن خفوت الإيقاع يكاد يكون مختلقاً في قصيدة التفعيلة، أو قادماً إليها من خارجها، على يد الناص الذي حاول أن يكتب نصاً قائماً على التفعيلة دون أن تكون هي جوهره الأصلي:
ها أنا أنفى من وطني فتطاردني الأسماء
لأكتب تاريخي بالأسماء
لكني أمحوها حتى تتسع الخارطة عليك
امتلئي بي..
من آخر قرنٍٍ مرَّ هنا عثرت قافيتي
نسي الأصحاب قوافل حلمي وموائد إفطاري
وتحدث أهلي والقرية عني:
كيف أسبُّ الآلهة؟
وكيف أغادرهم وحدي نحو الشمس
لأبحث عن حقي في أن أختار طقوسي؟
فالحب أيا وجعي أكبر...(كم ينقصني قلبك/ الديوان ص:46)

لعل في هذا النص ما يؤكد ما ذهبنا إليه، إذ تسيطر عليه لغة هادئة، ذات نبرة إيقاعية خافتة، رغم تكرار بعض الكلمات والحروف، إلا أن النص ظل خالٍ من الصخب الإيقاعي وظل أقرب إلى النثر منه إلى الوزن، ولعل كونه قائماً على تفعيلة ذات بحر شعري هادئ، قد ساعد على ذلك، وهو بحر المحدث، الذي تخفت إيقاعيته أكثر، حين لا يتساوى عدد تفعيلاته، كما في قصيدة التفعيلة التي لا تلتزم بعدد محدد من التفعيلات كما في العمود، بل تخضعها لعملية توزيع مرنة وفقاً لمستوى الانفعال الشعري، زيادةً ونقصاناً، قوةً وضعفاً، وهو ما تجلى في هذا النص، بالإضافة إلى ما تميز به من لغةٍ هادئةٍ، وألفاظ سهلة كادت تكون أقرب إلى المحكي، أو اليومي، العابر، مما أدى إلى خفوت الغنائية، وتواري الإيقاع الخليلي، أو بمعنى آخر تأخر الوزن أو تواريه خلف اللغة، وبروز اللغة بمضامينها ودلالاتها الإيحائية الشعرية، إلى الأمام، بحيث احتلت المكانة الأساسية في الملفوظ الشعري، وتراجع الوزن ليغدو ثانوياً.

ولعلَّ ما يتصف به هذا النص يكاد يسير أو يشترك معه في ذلك معظم نصوص المجموعة القائمة على التفعيلة، التي من أهم صفات الالتقاء بينها جميعاً، ومن أهم أسباب أو عوامل خفوت طابعها الإيقاعي في الوقت نفسه، هو اعتمادها على تفعيلة هادئة، هي تفعيلة البحر المحدث(فعلن فعلن فعلن...) بالإضافة إلى تفعيلة البحر المتقارب (فعولن فعولن فعولن) بينما تغيب بقية البحور الشعرية ذات الإيقاع الصاخب( كالكامل مثلاً).

ويلعب الشاعر على هذين البحرين، مستعيناً بمقدرته الشعرية، وما يمتلك من تقنيات شعرية، وأساليب فنية، في ترويض هذين البحرين ليصبحا أكثر هدوئاً، وأقل صخباً بحيث يكاد يقترب بهما من لغة النثر المهموسة همساً، والتي تكاد تقوض الغنائية، لتحل محلها السردية، وتنسف الخطابية، بإيقاعاتها المجلجلة، لتحل محلها لغة عاديةً ذات نبرة هامسة تزداد هدوءا وخفوتاً حين تعانق لغة الملفوظ اليومي والعابر...التي تشتغل عليها قصيدة النثر وهي تلقي أضوائها على الهامشي والعادي والعابر.

ونصوص هذه المجموعة الشعرية تتأرجح بين قصيدة النثر، وقصيدة التفعيلة ذات الإيقاع الخليلي، هذه الأخيرة التي ما تنفك تلعب على خيط رفيع بين إيقاعيتها المفترضة، وجنوحها المفتعل نحو قصيدة النثر، ويتجلى هذا ليس في نصوص المجموعة وحسب بل إنه يظهر منذ العتبات الأولى للمجموعة، إذ أن العتبات بدءاً بالعنوان، ومروراً بالعناوين الفرعية للنصوص، والإهداء، وانتهاءً بالتعليقات الشارحة للعناوين الفرعية، تقوم على بنية مزدوجة، أو متأرجحة بين (الوزن -اللاوزن).

فعنوان المجموعة (كتف مائلة) يمكن أن نعتبره جملةً موزونةً تحقق فيها الوزن(كتف مائلة_فعلن فعلن) وكذلك الحال في معظم عناوين النصوص (اللوحةُ الأمُّ- لوجه أبي-أحلامٌ لائقةٌ-لم يتوضأ صديقي بالمساء-جريدةٌ مبتورةٌ- ظلٌّ للظل- كم ينقصني قلبك- تحت ظرف- في المرةِ الأخيرة- اجعل لي آية- إعادة تشغيل- شفاهٌ صغيرة- كتفٌ مائلةٌ) وهي ثلاثة عشر عنواناً من بين خمسة عشر عنواناً، أي أن عنوانين فقط هما اللذان كانا بلا وزن.

وهذا معناه أن هاجس الوزن كان مسيطراً على الشاعر، سواءً أكان ذلك ناجماً عن الوعي أم عن اللاوعي بالنسبة له، وهذا الوزن وإن كان له دورٌ ما في شعرية هذه العناوين، إلا أنه لم يكن جوهرياً، أو عنصراً أساسياً، ترتكز عليه شاعرية هذه العناوين، إذ أنه يكاد يكون مضمراً، أو يمعنى آخر، أنه لم يكن صاخباً وإنما كان هادئاً حتى لا نكاد نميزه أو نلتقطه، إذ لا يمكن إلا لأذن موسيقية مدربة أن تدرك بعده الإيقاعي، وذلك لأن تلك العناوين عبارة عن جمل مبتورة قصيرة، بالإضافة إلى خفوت وقعها الصوتي فيما عدا بعض العناوين مثل ما يحدث بفعل التكرار في(ظلٌ للظلِّ ).

ولهذا فإنها كما قلنا سابقاً، تكاد تكون مبنية على ثنائية، (الوزن –اللاوزن) إذ يمكن عدها موزونةً ويمكن عدها غير ذلك لأن الوزن لم يكن جلياً فيها بحيث يكون ملفتاً، وهذه الثنائية أو الازدواج(الوزن- اللاوزن) تتجلى لنا أيضاً -وإن بشكل آخر- في عتبة أخرى هي عتبة الافتتاح، التي هي الإهداء،-وإن لم يكن هناك عنوان يصرح بأنه الإهداء- إذ جاء على قسمين أو بنيتين هكذا:
إليك: من سيحدثني عن الرقص والأهرامات
ومدنِ الربيع؟
إليَّ:
من أين جئتَ
وهذي الجهات تنوءْ
تبوءْ بإثمك ليلاً على غسقٍ
من كلامٍ وهمسْ
وهذي الصباحات غادرت الصحوَ
عند انبلاج الهوى.

إذ كان المقطع الأول نثرياً بينما كان الثاني قائماً على التفعيلة:(فعولن فعولن) ولعلَّ هذه البداية بالنثر وتقديمه على التفعيلة، سيجيء أول نص في المجموعة ليدعمها حين يكون نثرياً، بحيث يكون ذلك، وكأنه إعادة توازن يظطلع به المتن، في مقابل إيقاعية العتبات، بل إنه ليوحي بأقدمية النثر، على التفعيلة عند الشاعر، وربما يؤكد أو يرجح عفوية الإيقاعية في العتبات، إذ أن الوزن ثانوياً كما يتجلى في طبيعة النصوص وأسلوبها كما يظهر ذلك في المتن، ويؤكده هذا النص حين يبدأ بلا وزنٍ ثم ينتهي بالوزن الخليلي:
(ظلُّ للظل)
ظلٌ متعب
يهمله الصبح على قارعة الدقات المتهالكة..
الأجسام العابرة تتخطاه بسرعة أكبر
والمباني تغيب في الفضاء المشحون..
بما يتبخر من أفواه العابرين
سوف يستعد لظلٍّ كهذا..
يذهب إلى الميدان الواسع
ليستطيع تجريده تماما..
يجلس القرفصاء في محاذاة الرصيف
كبائعة الفل القابعة بجانبه
والنساء (اللواتي) يحاولن الحصول على تأشيرةٍ
للقاء أزواجهن في المجهول...
ها أنا أسألهم عن فستانك
يكسر ما خبأ داخله الواشون هواة الليل
ورجالاً حفروا لي قبل طلوعِ الضوء حديثاً.
لم آبه قبل الموت لأشيائي (من هنا يبدأ الوزن)
ولا لخيوط الفجر تغادرني
لم آبه لمداك المغروسِ بخاصرتي،
ولا لبقايا دمعٍ يغفو من تعبٍ حين يسافر خلف البحر
إلى ما أدري وإلى ما لا أدري.

وأنا أمتد كمعركةٍ تخترق الصمت بلا أعراف
وأقص رواياتي للعشب وعنك..
تحبين اللغة العصرية والمنفى
وتقترحين الوردة
والسفر المحكم
والتاريخ الأزلي إليَّ.
أمتد إلى الغرب شمالاً..
جسدي لا يشبهني
وسرير غواياتي صعبٌ وبلا سابق إنذارٍ
كيف يعيد الكل حكايانا؟
فأنا أدرك معنى أن يحترق الصوت
وأدرك كم ينقصني قلبك!

ولعل التوزيع الطباعي والكتابي قد اختلف في كثير من النصوص، فتجلت بعض تقنيات الطباعة واستخدام الفراغات والبياض، بشكل أكثر في النصوص النثرية، بينما غلب على نصوص التفعيلة طريقة الطباعة المعروفة لدى الكثيرين،
ولعل قصيدة النثر والتفعيلة في هذه المجموعة قد تميزت كلٌّ منهما، بسمات وفروق، لا تتوقف عند الإيقاع أو وجود الوزن من عدمه وحسب، بل تعدتها إلى اللغة والصورة، والتشكيل اللغوي للنص، وإن كان التوقف عند الوزن قد استغرق منا مساحةً كبيرةً هنا، بحيث لم يعد أمامنا سوى الإشارة إلى شيءٍ من هذا بشكل مختزل ومقتضب، وذلك من خلال مقارنة نتركها للقارئ، بين كل من نصين أحدهما تفعيلة والآخر نثري: وهما (نص معادلة)ص54والنص الآخر(اجعل لي آيةً)ص62، حيث اختلفت اللغة وطريقة البناء والدفق الشعري، حيث يمثل النص الأول، أقصى ما تجنح إليه قصيدة النثر من حيث البعد عن الغنائية، والتشكيل اللغوي، وقيام شعرية النص بالارتكاز على مفهوم جديد للشعرية،(اكشاف الشعرية في العالم) بينما يمثل النص الثاني، وإن كان قد اقترب من قصيدة النثر، إلا أنه يكاد يكون عالقاً في فضاءات المفاهيم الشعرية التي كانت عليها القصيدة قبل قصيدة النثر، وهي الغنائية، والذاتية، والإيقاع، والصورة، (إضفاء الشعرية على العالم من خارجه).



الثلاثاء، يناير 05، 2010

أعضاء هيئة التدريس



لا صوت يعلو فوق صوت الفساد والجميع في الأمر سواسية. كل شيء في اللقاء التشاوري الأول للجمعية السكنية لأعضاء هيئة التدريس في جامعة صنعاء الذي أقيم آخر يوم من عام 2009 الخميس الماضي يدل على ذلك، لقد بح صوت أساتذة الجامعة وتعبوا من الوعود و قطع المسافات من مسئول إلى آخر. لكي يحصلوا على قطعة أرض. وليس بكثير على من يبنى ويعلم الأجيال أن يكون مرتاح البال خاليا من هموم كهذه. امتلأت قاعة ياسر عرفات في كلية التجارة بالإحباط واليأس وجلد الذات فالمطالبات بدأت قبل 15 عاما ويزيد ورغم الإنجازات البطيئة خلال تلك السنوات إلا أن إخفاقات هيئة التدريس في الوصول إلى مبتغاهم تتوالى.لكن مالذي حدث مؤخراُ ؟ يقول الدكتور حسان عبد المغني رئيس الجمعية السكنية لأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم: استطاعت الجمعية الحصول على قطعتي أرض في شمال وجنوب صنعاء إضافة إلى مخططات الأرض تسلمتها الجمعية بمساحة 11 ألف لبنة في سوق الخميس شارع المطار. وأرض ضبوة بمساحة 33 ألف لبنة. بالتأكيد، تم تسليم الأرض وتمليكها لهم على الورق لكن عمليا اتضح أن أشخاصا يمتلكون مساحة 6 ألف لبنة هذا بالنسبة لأرض ضبوة أما في ارض المطار فعندما ذهبوا لتسويرها حدث تبادل إطلاق نار بين الشرطة العسكرية الملكفة بحمايتهم وأشخاص يدعون ملكية أراض فيها، وبعد مفاوضات وعد على الآنسي مدير مكتب رئيس الجمهورية بحل المنحة التي أصبحت محنة، والسؤال هنا مالذي يجعل الحكومة تقوم بتملكيهم مساحات من الأرض عليها مشاكل مما يجعل أساتذة الجامعة -الذين ليس لدينا الكثير منهم ونحن بحاجة لهم كثروة قومية – معرضون للموت أو للاختطاف من قبل مجاميع مسلحة وربما كانوا فعلا أصحاب حق.هناك قصة غريبة ضمن القصص الكثيرة فيما يخص الأراضي وهي أن الحكومة كانت تفكر الاستفادة من تلك الأراضي المُمَلكة فعلاً لمدرسي الجامعة من أجل إقامة بنى تحتية استعدادا لخليجي 20 إلا أن تقرير الخبراء جاء في صالح مُلاك الأرض فقد أثبت عدم صلاحية المكان لإقامة مباريات كرة القدم.في اللقاء التشاوري، تكلم البعض عن أن منح الأرض خارج حرم الجامعة هو نوع من المماطلة وتعمد إرهاقهم. وقال لنعو ض زملاءنا ممن دفعوا مبالغ في الأراضي ضبوة والمطار ونكتفي بالسكن داخل الحرم الجامعي كمثل أساتذة الجامعة في كل العالم. كما طالب البعض بتنفيذ إضراب حتى يتم حل المشكلة وقيام الجهات المختصة بتسليم الأرض. رئيس الجامعة خالد طميم أنهى اللقاء باستعداده كعضو هيئة تدريس وليس كرئيس جامعة بالوقوف والمطالبة بحقه حتى الرمق الأخير، واختلف مع من يريد يكون سكن الأستاذ الجامعي شقة لا أكثر وهو ما توفره المساحة في الحرم الجامعي بينما توفر الأرض الأخرى مستوى أفضل من السكن مضيفا لقد تعبنا كثيرا ولدينا وعود بحل المشاكل فعلينا بالصبر. وقال بصراحة إذا لم نستطع هذه المرة أن نأخذ حقنا فعلينا الجلوس في بيوتنا. وبعد كلمته انفض الجمع بعد أن انسحب البعض محبطا وبقي البعض ليعبر عن رأيه حتى وإن لم يكن هناك أمل. أما المفارقة الأخيرة، فهي تحايل أستاذ جامعي (بدهاء المتمرس) على حقوق الصحفيين الذين حضروا اللقاء لتغطيته، لا أدري لصالح من؟ صحيح، كيف تطالب بحقوقك وأن لا تمنح الآخرين حقوقهم وهذا سؤال موجه له فهو يعرف نفسه جيدا. وكان الله في عون أساتذتنا المخلصيين.