
الطائرة اليمنية المتجهة إلى القاهرة -بشكل يومي تقريباً - تحمل الكثير من المرضى اليمنيين إلى المستشفيات المصرية ؛يطلق عليها بعض المرضى الَّذين أتوا على متنها"طائرة إسعاف"
المستشفيات في القاهرة تعج بالمرضى اليمنيين، من كل الأعمار، وبكل الأمراض، سواء السهل أو المستعصي. لتقف أنت أمام أسباب المستعصي ولا تعرف سبباًً للسهل ...! تصطحب معك وأنت في طريقك لتحضير الأسباب : الأطباء، والأطباء المتخصصين ، الأجهزة المتوفرة وغير المتوفرة . الأخطاء الطبية ، وغير الطبية ، القاتلة ، وغير القاتلة ، والتي ترتكب من عديمي الرحمة ، يعيشون بدون رقيب ذاتي أولاً ثم يأتي الرقيب الذي تفكر فيه الآن . والكارثة أن يتحول مشرط الرحمة إلى مشرط عذاب وتتحول يد تتسبب بالحياة إلى يد تتسبب بالموت، بتعهد مسبق أو بغير تعهد
.
ولا يمكن الاكتفاء بأن نوكل هذه الأخطاء للقضاء والقدر . حين نعرف أن هناك من يتسبب بها مع احتمال كبير في تفاديها . وعندما لا يعاقب من يرتكبها ، يكون الخطأ المتكرر جريمة مع سبق إصرار وترصدٍ من الطبيب والجهات المسئولة عنه "ولا بد أن قانونا ما يعاقب عليها" !
المرضى اليمنيون في القاهرة يثيرون الشفقة .فجهلهم بالتعامل مع الأطباء ، والناس، يجعل من السهل على الكثير -ممن يقفون في شوارع القاهرة يراقبون الغرباء- ابتزازهم بطريقة" القانون لا يحمي المغفلين " لا أدري هل هناك جهة يمكن أن تكون مسئولة عن توعيتهم سواء بتنبيههم لما يمكن أن يحدث لهم أو حتى التعاملات البسيطة ، ابتداء من ركوب الطائرة في اليمن حتى الوصول إلى القاهرة ،لماذا لا يكون هناك ما يشبه "تعليمات مكتوبة" للتوعية ، أو مساعدات مدفوعة الأجر لمن يرغب بها ؟ لن تمر ثلاثة أيام متتالية دون أن ترى يمنياً جاء للعلاج ، والغريب في الأمر أنك عندما تتحدث إلى أحدهم وتسأله عن سبب مجيئه إلى القاهرة للعلاج يسرد لك حكايته بكل ألم، إضافة إلى كونه... يعرف حكايات كثيرة عن مرضى آخرين تسبب لهم الطب، والأطباء، والصيادلة ، في اليمن كما يقول باليأس . ويورثهم عاهات مستديمة وربما أورد بعضهم الموت
.
هذا (مواطن) حدث له حادث في إحدى الطرق إنقلب على إثره بسيارة كان يقودها مما أدى إلى تهشَُم إحدى ذراعيه وبعد نقله إلى أحد المستشفيات الحكومية(......) خرج الطبيب المسئول بقرار بتر ذراعه من الكتف طالبا منه التوقيع على التنازل قبل إجراء عملية البتر. إلا أن أحد الأطباء غير المسئولين عن حالته أوصاه بالرفض . وأكد له إمكانية العلاج إذا انتقل إلى دولة غير اليمن. وعندما أتى إلى القاهرة بعد عودة ثانية له ، رأيته بصحة جيدة يحرك ذراعه أمامي. فقد كنت أعرف كم سيكون الطبيب فخوراً بأنه استطاع إنهاء المشكلة بهذه الطريقة
سأدعك تتخيل كيف يكون حاله لو بتر الطبيب ذراعه...!
(مواطن).....بعد تعبه في اليمن من طبيب إلى آخر ما يزيد على 5 سنوات في محاولات لعلاج ابنته التي لا تسمع ولا تتكلم . وبعد فحوصات كثيرة في اليمن.يئس الطبيب ؛ فقرر زراعة قوقعة غير موجودة في اليمن . وعندما أتى إلى القاهرة ،اتضح أن ابنته تحتاج لتغيير سماعتها الخاصة بالأذن لخلل فيها مع حاجتها للتدريب على المخاطبة. و لو كان الطبيب في اليمن أخبره بذلك؛ لاستطاعت ابنته الكلام والسماع منذ سنوات فائتة. أما هو فما يزال يذكر العملية التي تسببت في وفاة أمه "رحمها الله " بعد عملية في عمودها الفقري أدت إلى تورمها وموتها وقد أخبره طبيب آخر عن الخطأ الذي ارتكبه الطبيب الذي أجرى العملية، لكنه سلَّم أمره لله كما أخبرني..!
(
مواطن) آخر أتى بابنه إلى هنا بعد أن أخبره الطبيب في مستشفى خاص(....) باليمن بأن ابنه لديه سرطان في الدماغ، يجب عليه سرعة إسعافه للعلاج في خارج اليمن، فاضطر المواطن للسفر به فوراً إلى القاهرة . وعند إجراء الفحوصات له من قبل الطبيب إتضح أن ابنه لديه( لوز) كانت تؤدي به إلى حالة من الغيبوبة. وتم استئصال لوزتيه، ولولا أن الله سلَّم- فلا يوجد لدينا أطباء يقومون بمثل هذه العمليات
(السرطان) ولا أجهزة تساعد في ذلك إن وجد الطبيب- لكان في عداد الموتى
الحكايات كثيرة جداً، تجعلك تشعر بالألم، ويصعب عليك أن تتصور وجود أطباء لمرضى بهذه الطريقة .مرضى يُهملون حتى يستشري المرض في الجسد للخطأ في التشخيص، أو للتكاليف الباهظة للأدوية والمستشفيات . والملاحظ أن الحرمان من الحق في الرعاية الصحية السليمة هو ما جعلهم يهربون إلى قدرِ آخر قد لا يكون مجدٍ تماماً.