الخميس، يناير 18، 2007

الصعود إلى المنزل

عن "مؤسسة دار الهلال" صدر للشاعر عبد المنعم رمضان ديوان شعر "بعنوان الصعود إلى المنزل" . يتدفق الشاعر بطريقة سلسلة في ديوانه ، ويسجل ملاحظاته عن ماحوله .الشاعر عبد المنعم رمضان من شعراء جيل السبعينيات ، يصر "دار الهلال" في نهاية الديوان على تعرفينا بشاعر قريب منِّا
- عبد المنعم من مواليد القاهرة 1951 ،
- درس إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة عين شمس حيث تخرج 1976 - عمل بالجهاز المركزي للتنظيم الإدارة فور تخرجه حتى استقال 1990
- شارك في تأسيس جماعة "أصوات" إحدى جماعتين مثلتا حصريا ظاهرة ما سمي بشعراء السبعينيات
- منح جائزتا كفافيس المنتدى الثقافي اللبناني باريس ، كما ترجمت قصائده إلى عدة لغات أوربية
- يعد لطباعة سيرة ذاتية بالاشتراك مع الفنانة التشكيلة اللبناية نجاح طاهر - نشر عددا من مقالاته وقصائده بتوقيع الحسن حاج مصطفى - انتهى من تجهيز ديوان جديد أطلق عليه (الحنين العاري )
بدأ الشاعر الديوان بعنوان :"عمر ابن أبي ربيعة وبهاء طاهر وأنا " وكتب تحت هذا العنوان والذي بدا لي "كمقدمة" لم تعنون هكذا –كما يفعل بعض الشعراء
لكن المحتوى يدل على ذلك


(كنت مثل عصا الراهب ، وحدي في الغرفة ، أقلِّب كتبا أحبها ، ولا أرغب الآن في قراءتها ، أوراقي منتاثرة والأصوات تتوافد من الشارع كبالونات تنفجر قرب أذني ، على يساري مرآة ، أراني فيها أشيب الشعر مرتديا بيجامة رمادية من قماش أعلى قليلاً من الكستور ، وجالساً على الأرض جوار سريرنا الواطئ ومنهمكا في كتابة رعناء ، عن حالة أكثر رعونة ، وفجأة رنَّ التليفون الذي بجانبي ألو ، ألو أهلا بعبد المنعم أنا بها ء طاهر ، قلت : أهلا يا أستاذ ، أجابني اسمع ، مكالمتي لك هذه المرة أنانية، هه،إنني أكتب مقالاً ، وفي أثناء الكتابة خطر ببالي ذلك البيت : كتب القتل والقتال علينا .. وعلى الغواني عاجلته قائلاً : جر الذَّيول ، قال بهاء: احترت بين الذيول والثياب ، قلت له : أظنها الذيول ، عموما سوف أتأكد وأرد عليك .عذوبة بهاء طاهر أصيلة وجديرة بأن تجعله يحسن الظن بي ، ويعتقد أنني مادمت شاعراً فلا بد أن أكون راوية للشعر القديم ، إنه هكذا يقدرني ويرفعني فوق مكانتي على الرغم من أنني في الحقيقة صاحب ذاكرة مثقوبة ، أحيانا أزعم أنها صافية ، لكن بهاء طاهر الذي يعلم أكثر مما أعلم ، يصر على أن يبدو وكأنه يعلم أقل ، الغالب أن أسئلته المعرفية هي طريقته في التواصل الحميم ، طريقته التي يراد منها دون قصد، التعريض بطرائق أخرى للتواصل ، أكثرها شيوعا أروقة النميمة ، ولها عندنا أئمة وزعماء ومريدون ، عذوبة بهاء طاهر أصيلة وجديرة بأن تجعلني أحد عملائه المخلصين ، أنا العميل الدائم لكل من أحبهم ، زوجتي وأدونيس وحسن طلب وحلمي سالم ومحمد سليمان )ثم يكمل الشاعر ارتكازاً على البيت السابق . يبدأ بضبطه عن طريق الوزن ، مستشهداً بما قالته نازك الملائكة

ً "
(في مكالمة تالية ، أكدت لبهاء طاهر ، إنها جر الذِّيول ، وليست جر الثياب ، اعتمدت في ذلك على الحدس الشعري ، ثم سمحت لنفسي أن أرفرف تحت غمامة نازك الملائكة ،تحت غمامتها الزرقاء بالتحديد، وأن أدخل معها صومعتها ، رأيتها هناك في مركز الصومعة ، تدافع عن الوزن الخليلي والعروض الذي هو علم وصنعة والذي هو فن وخبرة ، ترى نازك الملائكة أنه يقوم دائما بمهمة التنبيه للخطأ ، بتصويب اللسان والنطق ، أن العروض ليس إيقاعا فقط ، إنه بيان فوق البيان ، غادرت الصومعة وأنا أردد البيت.. كتب القتل والقتال علينا .. وعلى الغواني ، وعلى الغواني لا يمكن ، لايمكن ، ليست هذه الرواية صحيحة ، نازك الملائكة على حق ، قلت لصاحب الخطوبة صاحبي يا أستاذ بهاء البيت يمكن أن يكون على النحو التالي : كتب القتل والقتال علينا .. والغواني عليهن جر الذيول لقد أصبح البيت صحيحاً على أساس الوزن أيتها السيدة نازك ، نعم إنه من بحر الخفيف ، فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ، شطر هذا البحر مكون من ثلاث تفعيلات مما يحول دون تقسيمه ، لذا هو من البحور التي يصعب على شاعر أن ينظم الشعر الحر فيها ، وعليه فإن معتادي الشعر الحر كتابة وقراءة وسماعاً لا يألفونه ، عموما أصبح البيت صحيحاً لولا ذلك اللغط والاضطراب
")
يستطرد الشاعر عبد المنعم رمضان في " مقدمته" من أجل التأكد من صحة البيت وزنا وتناظراً وتقابلاً ، ثم يبحث في ما حوله من أصدقاء و كتب عن اسم قائل البيت ، ونبقى معه إلى أ ن نتأكد . باعتبارأن سؤال بهاء طاهر عن البيت صنع له أجمل المصادفات


"بهذا البيت استطاع بهاء طاهر أن يصنع لي أجمل المصادفات ، لأن أجمل المصادفات هي تلك التي تقودك إلى ذاتك ،وهاهو بهاء طاهر يقودني إلى عمر بن ربيعة ، ومنه إلى كتب أكثرت من ذكره مثل الأغاني فلفتت النظر ، وكتب أخرى لفتت النظر لأنها قللت من ذكره مثل نثر الدر للآبي ، وله حكاية
"
جاء الديوان بـ 263صفحة من القطع الصغير ، وتضمن فهرسه عناوين :عمر بن أبي ربيعة وبها طاهر وأنا ، أربع رسائل إلى بيروت إحداها إلى أنسي الحاج ، أحمد عبد المعطي حجازي، جنازة والت ويتمان ، أقصى درجات ليليان ، منذ سقوط الملاك منذ ناريمان ، تحت شرفة النيل، طبقات الأعيان -فيروز-ليلى مراد- إبراهيم المازني -محمود حسن إسماعيل- بيروت ،قبل العاصفة ، أغنية نفسي ، على أنهار بابل ، نعاس أسود :-ترنيمة يا أيها الأندلس -حكاية العواء - الكنية : تنتالوس -ترنيمة أرضي ضاعت ، محاولة للحب ، الأبابيل ، حيوانات ، الخوف من ليليان ، قبل الليل العالم في المساء ، خميس العهد ، الخظيرة مكسوة بالرخام ، دخول الشيخ البدوي المحراب ،كيف كتب المازني مقالته عن محمود درويش ، سارتر وماجدة (ثم تأتي الصور لشخصيات دون أي تعليقات أخرى أحمد شوقي "صورة" ، محمد عبدالوهاب "صورة" نجاة الصغيرة"صووة" ، سعاد حسني ، سيمون دو بوفوار "صورة" تروتسكي"صورة" ، رامبو"صورة" ،فيروز"صورة" ، المازني "صورة" البير كامو"صوة" ، كيم نوفاك "صورة" ، المتنبي ، أبو نواس ، الإمام علي ،بروتريه من رسم جورج البهجوري للشاعر)...
صمم الغلاف الفنانة اللبنانية : نجاح طاهر .وخطوط الفنان محمد العيسوي


مختارا ت من الصعود إلى المنزل
طبقات الأعيان فيروز


حدثني موْزار عن العباس بن الأحنف عن عارم جارية النخاس عن الأخوين معاً ، عن إيلي شويري ، عن لولو عن بنت الحارس قالت: كنَّا فوق الجبل مساءَ الأحد التالي من يوم الميلاد ، وكان الثلج كثيفاً من أمكنة متفرقة ، والماعز قد رحلت حيث خيام الثلج كثيفاً في أمكنة متفرقة ، والماعز قد رحلت حيث خيام البدو الهوج الآخاذين رعاة الغزلان الشاردة بسفح الجبل تهاوت، لم يستطع الصيادون استخدام الأوتاد ولا الأعمدة وكَّنا نلجأ للمنصور إذا انفرطت منا أحلام اليقظة ، لكن المنصور يحاول أن ينزع من فمنا العاطفة المألوفة ، ثم يضيق بصحبتنا ، وكأن أخاه ُ العاصي لم يخبره بما يحدث في الكهف ِ ، حرصنا كل صباح أن نختبئ وراء النبع ، ونختلس النظرات إلى وجهة واحدة ، نأملُ أن تصحو في التو ، وتلبس تنورتها الواسعة الفضفاضة ، تلمس بأصابعها الماء ، وتنشقُ رائحة الدراق ، وتضع زهوراً في الكمَّين وتذهب ، تعمد أن ننقسم ، الراغب منَّا أن يمشي خلف الفتيات سيمشي ويراقبها ، الراغب في تكوين المشهد يبقى خلف النبع ، يفكر أن ينسلَّ وراء العاصي ، ذات صباح تالٍ لم يشأ المنصور سوى أن يهبط معنا نحو الكهف ، سمعنا العاصي يعزف بعض تراتيل الميلا د، سمعناها تندمج وتنشد صوت العيد ويامريم ، وقبيل نهاية أغنيتها رغبت أن تتأمل كيف الشمس ستصعد فوق الجبل، وخرجتْ دون استئذانٍ ، فرأتنا ، انصرفت عنا مثل امرأة تسعى لاستكمال شؤون لا نعرفها
.
حدثني الجاحظ عن زرياب عن الأخطل عن نصرى شمس الدين عن الأخوين عن الشعراء الخمسة قالوا:كان الواحد منا يدخل بيت الرحبانية في بيروت ويستبقيه الخدم، وتُقبلُ بعد قليل بعض وصيفات يمشين على استحياء تتبعهن كبيرتهن ، بعد دقائق معدودات تتبعها سيدة المنزل ِ في فستان أبيض مشغولٍ بالقصب وخفٍ أندلسي وهواء وعصابة رأسٍ تنزل ُ منها بعض حليٍ ، تجلس فوق بساط أزرق، لاتتبسم سوى في الظنِّ وتضع يديها الناعمتين على فخذيها وتغني: يامالَ الشام ِ ، ولما تفرغ من أغنية برَدى ، تنهض دون محاولة استئذان كي تنصرف بعيدا
عن مجلسنا لاستكمال شؤون لا نعرفها
.
عن صاحب قدموس عن السيدة الأخت هدى حداد ، عن الشاعر ميشل طراد ، عن الرأس المقطوع وميس الريم ، وعن ست البرين نضال الأشقر عن ياريت وشو عم تحكوا:كنا نعرف أن القمر يمر على شرفتها في منتصف الليل تماماً ، كنا نعرف كيف تميل عليه وتحضنه ، تعطيه حناناً صرفاً وتغطيه ببعض قماشٍ شفافٍ تنسجه سراً إحدى المحظوظات ، ولا تستعجله ، في تلك الليلة من أيلول أخذنا القمر ، ولمَّا أقترب الميعادُ رأيناها تهربُ كالسكرانة، تمشي في الطرقات ، وتذهب نحو بيوت واطئة بيضاء يحيط بها الحراس المسئولون عن الأحلام وينفذ منها صوت الناي بطيئاً يتخلله صوت ُ القمر ، ستنصحه أن يبقى في غرفته الليلة ، أرجوك تجاهلْني لالا تنظر نحوي وازعمْ أن عيونك ضاعت منك ، وأن كذلك ضاعت منك ثيابك ، سوف أعودُ عليكَ ، إذا انصرف الواشون ، ولمَّا يئست منِّا ، اشعلت القنديل ، وغنت وحدن ، وبغير استئذان خرجت لاستكمال شؤون لا نعرفها .

ليست هناك تعليقات: